مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

كلمة الأمين العام ذ.محمد العبادي في حفل تأبين الذكرى الخامسة

1
كلمة  الأمين العام ذ.محمد العبادي في حفل تأبين الذكرى الخامسة

كلمة الأمين العام لجماعة العدل والاحسان العلامة محمد العبادي في حفل تأبين الذكرى الخامسة:

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، رب إني أعوذ بك أن أقول زورا أو أغشى فجورا أو أكون بك مغرورا.

أحبتي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، طبتم وطاب مجلسكم، وجعله الله تعالى مجلس علم وحلم وتوبة وإنابة وانجماع عليه، شرفتمونا بحضوركم، تقبل الله خطواتكم، وجعلنا وإياكم ممن يجتمعون عليه ويتحابون فيه ويتناصحون فيه ويتذاكرون فيه ويتعاونون على إقامة دينه وشريعته في كل أرضه وبين كل عباده، وما ذلك عليه بعزيز، مرت خمس سنوات على رحيل أبينا وأخينا ومربينا وسيدنا، خمس سنوات كافية بالنسبة لكثير من الناس بأن يُنسون، يموتون فيطويهم الزمان ويصبحون نسيا منسيا، يقولون البعيد عن العين تنساه القلوب، فهل الأمر بالنسبة للحبيب المرشد رحمه الله كذلك؟ كلاّ وألفَ كلّا، إنه يسكن في قلوبنا، يعيش معنا في دعائنا في لقاءاتنا في أنشطتنا في برامجنا، طيفه لا يغيب عنا، وكلما باعد الزمان بيننا وبين جثمانه، ولا أقول روحه نزداد به ارتباطا ونزداد له محبة وشوقا، إذا كان الأمر كذلك فلم هذه الذكرى؟ ولماذا الذكريات؟ الذكرى تنفع لمن نسي فيستحضر الناس حياته ومآثره وأمجاده ليجددوا حياتهم من جديد، نحن في جماعة العدل والإحسان ـ كما قلت ـ نعتبر أن مرشدنا لازال حيا في قلوبنا، إذن ما فائدة هذه الذكرى؟ تحدث أخواي جزاهم الله عنا خيرا عن تجديد الصلة وعن الوفاء ويصعب علي أن أنطق بهذه الكلمة، لأنني أتحدث عن نفسي لا أقْدر أن أعطي الرجل حقه، وأن أوفي له قدره؛ لأن أياديه علينا سابغة وعظيمة، فنسأل الله تعالى أن يجازيه عنا أحسن جزاء، ولكن هذه الذكرى وجميع المناسبات التي تقيمها الجماعة تهدف من ورائها إلى تعريف الناس بمشروعه التجديدي، هذا المشروع الذي حيل بينه وبين الأمة في حياته لكثرة ما رُمي به من سهام التضليل والتبديع والتخريف والتشويه، ولحصاره وحصار صاحبه لم ينتشر في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هذا الحصار فرض عليه في حياته وبعد وفاته ومازال مستمرا، وما وجودنا في هذه القاعة الضيقة بمساحتها، الفسيحة الواسعة بصدور أهلها إلا دليل على هذا الحصار، وإلا فمقام ذكرى الرجل يجب أن تقام في مكان أرحب وأفسح من هذا المكان، ولكن الدولة تمنعنا، نسأل الله سبحانه وتعالى عز وجل أن يرفع عنا وعن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصار والضيق والبلاء، فهل لهذا المشروع أهمية؟ هل فيه ما يمكن أن تستفيد منه الأمة؟ لا شك أن أحبتي إخواني أخواتي يعرفون ما تعانيه البشرية اليوم من ويلات وابتلاءات ومحن على جميع المستويات والأصعدة، الاستعمار الاستكبار العالمي يسوم الناس سوء العذاب، يحرمهم أرزاقهم، يسلُب منهم حرياتهم، يدوس كرامتهم وأول من يأتي في قائمة هؤلاء المعذبين هم أمتنا الحبيبة، وما نعيشه من مأساة فلسطين والقدس عنا ببعيد، فهذا الاستكبار العالمي امتدت يده الآثمة لينتزع منا أعز مكان نقدسه ويقدمه في طبق من ذهب لأشرار خلق الله الصهاينة، السؤال ما المخرج من هذه الأزمة؟ ما سبيل الخلاص؟ كيف نستعيد مجدنا وقوتنا وسؤددنا لنسترجع مكانتنا التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لنتبوَّأها، (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، (وجعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)، فإذا نحن في ذيل البشرية، ما سبيل الخلاص من هذه الورطة التاريخية؟ بالنسبة للمسلمين عندما يُطرح هذا السؤال؛ الجواب الجاهز على كل لسان الرجوع إلى الكتاب والسنة، كلمة حق، ولكن المسكوت عنه هو كيف؟ ما الطريق؟ ما المنهاج؟ ما هي الخطوات العملية لمعانقة كتاب الله وسنة رسوله ليرفعنا الله سبحانه وتعالى عز وجل إلى مكان رسالتنا لنتبوأ المكانة التي خُلقنا من أجلها؟ وقد ظلت أمة الإسلام لها السيادة المطلقة على العالم طيلة عشرةَ قرون، كُتبت آلاف من المؤلفات ترسم خطوط النهوض بالأمة، مواضيع تنشر وندوات والبارحة ـ الحمد لله تعالى ـ في هذا المكان عقدت ندوة كان موضوعها هو هذا الموضوع، شعبنا المغربي يعاني من الظلم والاستبداد ومن الطغيان والفساد والعالم كله، فكيف الخروج من هذا المأزَق؟ ما يقترحه الناس من حلول شيء جميل، أن نتآلف أن نتعاون أن نتحاور، أن ننسى الخلافات أن نتعاون على ما فيه خير البلاد والعباد، شيء مهم، ولكن الناس في حديثهم في حواراتهم في مناقشتهم لهذا الموضوع ينسون أهم ما ينبغي أن يُتحدّث عنه وأن يُسْعى لتحقيقه، وهو مصير الإنسان الأخروي، هب أن البشرية تخلصت من الظلم، من الفساد استعادت حريتها وكرامتها، ووفر لها أسباب العيش على أحسن ما يرام، هذا تكريم لجسم الإنسان والإنسان جسد وروح، ها أنت وفرت لهذا الجسم متطلباته، فما هي متطلبات الروح؟ من يحدث هذه الروح عن مصيرها؟ عن وظيفتها التي خلقت من أجلها؟ من يخلصها من أسر الهوى من أسر النفس؟ تحرير الإنسان لا ينبغي أن ينحصر في تحريره من قيود عبودية العباد فحسب، ينبغي أن نحرر عقله من الأوهام من الخرافات من المبادئ الضالة من العقائد الفاسدة، وأن نحرر قلبه من سيطرة الهوى، من الكبر من العجب من الأنانية من الغطرسة من حب الدنيا، ليس هناك منهاج مطروح على الساحة يتناول أهم ما ينبغي أن تعالج به مشكلة الإنسان، هذا الرجل الذي نحيي ذكرى وفاته اهتم كثيرا بهذا الجانب المادي، ولكنه اهتم أكثر بالجانب الروحي لا تكاد تقرأ صفحة من صفحات كتابه دون أن يحدثك عن مصيرك، عن الله، عن الاستعداد ليوم القيامة، هذا المنهاج الذي وضعه ليس وليد لحظة، لحظة تأمل وتفلسف، وإنما هو ثمرة سنوات من التبتل والتوجه والبكاء على الله والانطراح بين يديه، وثمرة سنوات من الإقبال على كتاب الله قراءة وتدبرا وتطبيقا، ومن المطالعة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أضف إلى ذلك ما منحه الله سبحانه وتعالى من اطلاع على تاريخ البشر قديمه وحديثه، فكتب هذا المنهاج بروحه بمشاعره بكينونيته كلها، وجاء والحمد لله تعالى عز وجل متميزا بخصائص تضمن له النجاح إن وَجد من يحمله بحق وبصدق وبقوة فهو ليس “المنهاج الياسيني” كما عبر أحد الأفاضل يوم الجمعة، إنما هو منهاج نبوي، ذاتية صاحب الذكرى فيه لا تكاد تذكر، إلا في تحيينه، تحيين تنزيله وأما لبه ومحتواه فهو منهاج نبوي، سنة نبوية، طريقة سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فجاء هذا المنهاج يحمل نفس الخصائص التي تحملها شريعة الله من الشمولية، يتناول الإنسان بشموليته، عقلا وفكرا وروحا بعلاقته بربه بنفسه بأوضاعه الاجتماعية السياسية الاقتصادية متصفا بالوسطية لا غلو فيه، متصفا بالواقعية، ليس فيه ما لا يمكن تطبيقه، متصفا بالمرونة، قابلا للتغيير فيما هو من قبيل الاجتهاد، ويقول رحمه الله: “أن ما في المنهاج من نصوص قطعية فلا مجال لتغييرها، أما ما فيه من رأيي واجتهادي فهو قابل للتغيير”، ويقول: “إن العقل الذي لا يتطور حجر يتيمم عليه”، وهو منهاج مرن يتصف بخصوصيات، منهاج إنساني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن شريعة الله شريعة الإنسان، (ولقد كرمنا بني آدم)، ما شرعه الله سبحانه وتعالى عز وجل كله خير ورحمة وبركة؛ لأن الله تعالى يتعامل مع عباده حسب أسمائه الحسنى، أسماء الجمال، الله رحيم حنان منان جواد كريم قريب مجيب لطيف، فيعامل خلقه بناء على أسمائه وصفاته، فالذين يدعون اليوم لفصل الدين عن الحياة، يريدون أن يحرموا البشرية من رحمة الإسلام من هداية الإسلام من حقيقة الإسلام ولا يدرون المساكين أن طبيعة البشر هي التي تتطلب هذه الرحمة وإلا عاش الإنسان المعاناة والألم دنيا وأخرى، ونبحث لهم عن الأعذار؛ لأنهم وجدوا الإسلام مشوها وتستعمله السلطات من أجل ترسيخ إديولوجيتها؛ ولأجل استعباد الناس، فكره الناس الإسلام نعذرهم ولكننا ندعوهم إلى أن يراجعوا أنفسهم وأن يستفيؤوا بظل الإسلام ورسالتنا لنا ولإخواننا أن هلمّوا إلى العدل والإحسان، نطرح منهاج العدل والإحسان للمسلمين جميعا، نطالبهم أن نشترك جميعا في مشروع العدل وفي مشروع الإحسان ونعرض كذلك على غير المسلمين مشروع العدل، إن رفضوا أن يستجيبوا لنداء الله سبحانه وتعالى، فلا أقل من أن نتعاون معهم على مشروع العدل، ولكن إخواننا المسلمين نناشدهم أن يشاركونا في مشروع العدل والإحسان، فهذا المشروع لم يكتبه مؤلفه لجماعة العدل والإحسان، وإنما طرحه للأمة جمعاء ففيه إن شاء الله تعالى ما يستفاد وما يخرجها من هذا المأزق المتردي.

سنستمع في هذين العرضين إلى لمحات من هذا المشروع في جانبه النظري وفي جانبه التطبيقي، في جانبه النظري هو كتاب شعب الإيمان، وفي جانبه التطبيقي هو سيرة الإمام رحمه الله سبحانه وتعالى عز وجل، فأنت تطالع هذا الكتاب وتطالع فيه الخصال العشر، الصحبة والذكر والصدق والبذل والسمت والعلم والعمل والتؤدة والاقتصاد والجهاد؛ فكأنما هذه الصفات تراها تتحرك لأنه تقمصها وأصبحت جزءا من كيانه، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع، أقول قولي هذا وأستغفر الله والسلام عليكم ورحمة الله .

 

أضف تعليقك (1 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد