الحلقة الرابعة:

د. عزام: الشيخ عبد السلام ياسين، كنت قد حدثتني في المراجعة السابقة عن اعتقال بعض إخوانكم من أعضاء الإرشاد، ذلك كان في عام 1989م وكان ذلك العام هو بداية الحصار الذي فُرض عليكم، واستمر ما يزيد عن 10 سنوات تقريبا، كيف كانت ظروف هذا الحصار؟ حوصرت في بيتك، إقامة جبرية؟

الإمام: لا أخرج منه، وكانت منةَ من الله عز وجل أن يتفرغ المرءُ للعبادة والذكر والقرآن والكتابة، والكتابة، فجُلُّ ما كتبت كان من بركة ذلك الحصار.

د. عزام: هذان الكتابان العدل والإحسان كتبا في تلك الفترة؟

الإمام: أظن بعد[1]

د. عزام: بعد؟

الإمام: أظن!

لكن جل ما كتبته فكان من بركة ذلك الحصار، خاصة ما كان من تبتل، الحمد لله بفضل الله عز وجل وقيام وصيام، صمتها كلها والحمد لله

د. عزام: ما شاء الله

الإمام: صمتُ عشر سنوات متتالية بدون انقطاع

د. عزام: كل يوم؟

الإمام: نعم، نعم، كل يوم، صيام متواصل، وهذا من فضل الله عز وجل، وهذا لا يتاح للمرء إذا لم يكن هنالك نوع الإكراه، لا شأن لي، أنا في الدار محبوس مع أهل البيت، والسلام.

د. عزام: وكيف كنت تتواصل مع إخوانك في الجماعة؟

الإمام: كانت هنالك رسائل، رسائل تُسرب.

د. عزام: وكانت دائما البيت محاصر؟

الإمام: محاصر

د. عزام: سبحان الله

الإمام: حراسة مشددة.

د. عزام: في شخص واحد قال لي إنه كان يُسمح له بزيارتك.

الإمام: من هو؟

د. عزام: وهو يحبك ويعزك

الإمام: أحبَّه الله

د. عزام: المقرئ الإدريسي

الإمام: المقرئ الإدريسي، ذلك الرجل الشَّهم، أولا إدريسي وأنا إدريسي فالنسب قريب.

د. عزام: (يضحك) والأقربون أولى بالمعروف.

الإمام: نعم، لأن المولى إدريس الأكبر هو الذي جاء فارا من موقعة فخ.

د. عزام: أي نعم ذكرت لي ذلك.

الإمام: التي وقعها العباسيون لبني عمهم الحسنيين، ففر من موقعة فخ وجاء إلى المغرب وأسس دولة الأدارسة، فمن الناس من يقول إن فلانا ضد العلويين لأنه إدريسي ويريد أن ينازعهم الملك!

د. عزام: ينازعهم الملك (يضحك)

الإمام: يريد أن…

د. عزام: طيب، هذه الجماعة، جماعة العدل والإحسان، نقرأ عنها أنها من أكثر الجماعات انضباطا، أنها واسعة الانتشار، يعني حتى الخصوم يقولون ويُقرون بأنها واسعة الانتشار، كيف تعمل هذه الجماعة؟ هل لها بناء معين؟ هل لها جسم؟ أم هي ملتمة حولك فأنت الشيخ وهم المريدون؟

الإمام: هذا لا يمكن، هكذا يظن الناس، أن هنالك رجلا هو يأمر وينهى، هُراء هذا هراء، هنالك تنظيم يعني هرميا بشكل من الأشكال، هنالك أولا في القاعدة هنالك أسر تربوية، الأسرة التربوية تتكون من خمسة أشخاص إلى عشرة، وهنالك نقيب أسرة يسمى نقيبا…

د. عزام: هذا نظام الإخوان المسلمين تقريبا؟

الإمام: تقريبا، الأسماء هي.. النقباء ﴿وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾ (الأعراف:155) سماهم نقباء، فيعني نحن نعترف بفضل الإخوان المسلمين اعترافا مطلقا، ونحبُ ذلك الرجل العظيم الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين محبةً من القلب، فإذا هنالك تنظيم هرمي، هنالك الأسرة القاعدية، هنالك الشُّعبة، هنالك الجهة، وهنالك الإقليم وهكذا…

د. عزام: ومنتشرة الجماعة في كل القطر المغربي؟

الإمام: في كل قطر المغربي نعم.

د. عزام: هل لكم وجود خارج المغرب؟

الإمام: مكثف، وهذا ما يذهل القوم، وما يؤلبهم علينا، لأن كانوا يظنون أننا عفريتٌ أسكنوه في قوم وأغلقوا، فإذا بهم جماعة منتشرة في الشرق والغرب، وأخيرا أخيرا منذ يومين جاءتني رسالة من أخٍ لنا من سوريا، وكنت أظن أنه لا يوجد لنا إخوان في سوريا، هنالك إخوان في السعودية، وهنالك إخوان في الإمارات، وهنالك إخوان في إسبانيا كثير، وفي إيطاليا و…

د. عزام: كلهم مغاربة؟

الإمام: لا أقول كلهم ولكن جلهم، وفي فرنسا، وفي هولندا وفي…الحمد لله كان هنالك انتشار واسع، وهذا مما يقضُّ مضاجع القوم، هؤلاء خرجوا من أيدينا[2].

د. عزام: أثيرت في الفترة الأخيرة شيخ عبد السلام قضايا أنا الحقيقة ما قرأت عنها ما يكفي كي استوعبها، ولعلها مناسبة كي أسألك عنها مباشرة حول الرؤى، وأنك رأيت رؤيا، وأن فلان رأى رؤيا، وأن الرؤيا عندكم لها منزلة مهمة ودور مركزي ما حقيقة هذا الأمر؟

الإمام: أولا اسمح لي تسميني شيخا، قلْ أستاذا، أنا كنت أستاذا، وعلَّمتُ في الابتدائي والثانوي وال…

د. عزام: تفضل أن أقول لك أستاذ أم شيخ؟

الإمام: لا لا، شيخ لا.

د. عزام: الأستاذ الشيخ

الإمام: هذا مقام عظيم، إذا قلت أستاذ فهذه مهنة مارستها ولا أزال، فإذا السؤال هل…

د. عزام: هذه الرؤى

الإمام: نعم الرؤى، أولا: الرؤى هي من صُلب الدين، والقرآن الكريم لأمر ما قص الله عز وجل علينا قصة يوسف عليه السلام، وقص الله علينا قصة إبراهيم الخليل الذي رأى رؤيا، ورؤيا الأنبياء لا تقارن برؤيا الآخرين، ولكن قال: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ﴾ (الصافات:104-105) فقام إلى ولده ليذبحه… القصة في القرآن الكريم.

د. عزام: الرؤيا بالنسبة للنبي وحي؟

الإمام: نعم وحي، الوحي لاشك فيه، وأول ما بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة، كان لا يرى رؤيا إلا كانت مثل فلق الصبح، فنحن في مسألة الرؤيا كنا أغرارا إلى حدٍّ ما، في وقت معين كنا ننظم لقاءات يوم الأحد، وكنا نبتها حية في الأنترنت في الشبكة العنكبوتية، نبثها مباشره، فيأتي الإخوان يقصون علينا، رأيت كذا، ورأيت كذا، ورأيت كذا، وهذا والحمد لله عندنا رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم شيء متواتر ويكاد يكون خبز يومنا، فلان رأى النبي صلى الله عليه وسلم، بينما المؤمنون يعظمون هذه الرؤيا ويقولون من رأى النبي صلى عليه وسلم هذه بشارة عظيمة، فنحن تأتينا من هذه البشارات ما شاء الله من جملة البشارات التي جاءت من عدد لا يكاد يحصى من الإخوان والأخوات، بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ستكون في 2006م سيكون أمر عظيم في المغرب، فنحن بثثنا هذا في الشبكة، هكذا مباشرة، وكان من الناس من يتنصتون ويتصنتون ويُحصون الأنفاس فقالوا ما هذا؟ ونحن لم نخترع شيئا، أنا ما رأيت رؤيا 2006م، أنا شخصيا.

د. عزام: آه، لم تكن

الإمام: لكن من رأى هذه الرؤى كثير جدا كثير

د. عزام: وهل حدث ما يؤكدها في 2006؟

الإمام: هنالك أمر هو التربية الإلهية، الله عز وجل يمحص المسلمين وفي القرآن الكريم ﴿وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران:141)، فوقع للصحابة تمحيص أيضا، الله تعالى قال: ﴿لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ﴾ (الفتح:27) فلما تأخر الفتح (فتح مكة) سيدنا عمر قال لأبي بكر ما هذا؟ ما كان ما كنا ننتظره، قال شد بغرزي، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمسك بغرزه، والغرز هو الذي يضع فيه راكب الناقة رجليه، قال تماسك إنه رسول الله، وإن الله لا يخلف الميعاد، كان تأخر فتح مكة، كان فتح الحديبية يسمى صلحا، وهو صلح عظيم، وتساءل الصحابة أهو فتح هو؟ قال نعم هو فتح، وبعد صلح الحديبية انتشر الإسلام انتشارا كبيرا، كانوا ينتظرون غير ذلك، كانوا يظنون أنهم يدخلون مكة فاتحين، جاء هذا بعد ذلك في عام أو عامين، كذلك نحن جاءتنا هذه البشائر قلنا الحمد لله تأخرت لكي يمحص الله

د. عزام: لكن أليس الأولى في مثل هذه الحالات أن يسارع الناس ويتعجلون في تأويل الرؤى، لأن الرؤيا قد تكون لها معانٍ؟

الإمام: نعم إن كنتم للرؤيا تعبرون.

د. عزام: يعني الأفضل أن يكون الدرس من هذه للناس أنه من رأى رؤيا فليستبشر بها خيرا لكن لا يبنى عليها حتى لا يتسبب في حرج.

الإمام: نعم، ما كان هنالك حرج، والحمد لله رب العالمين، كان الأعداء ينتظرون منا أن هذه الجماعة ستتزلزل ستندثر وستتفرق شذر مذر عندما جاء 2006 ولم يقع شيء، كان العكس بقي الإخوان ثابتين “ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين”.

فنحن لم نخترع شيئا ولم نقل شيئا، كنا أغرارا حقيقة، عندما كنا نبث مباشرة على الشبكة، كنا نبث رؤانا، هذا لا نفعله الآن، تعلمنا الدرس.

د. عزام: جيد، الحمد لله، طيب، حدثني قليلا عن المنظومة الوعظية

الإمام: نعم

د. عزام: لاحظت أن لك أكثر من منشور أو كتيب فيه نظم

الإمام: نعم

د. عزام: المنظومة الوعظية قلت لي لها قصه

الإمام: قصة، نعم

د. عزام: نعم ما قصتها

الإمام: المنظومة الوعظية، عثرت على بيتين من الشعر للإمام البخاري لم ينظُم غيرهما، فأعجبني جرسهما، وأعجبتني قافيتها ورويهما، فنظمت على غراره، هذه طرافة الأمر، بقي هنالك منظومات أخرى في “قطوف”.

د. عزام: نعم هنا واحدة “قطوف”.

الإمام: هنالك سلسلة إلى رقم 6

د. عزام: هذه الثالثة

الإمام: الثالثة نعم هنالك فيه من الشعر، قل من النظم، أنا لا أسمي ذلك شعرا، لأن روح الشعر…

د. عزام: (يضحك) هو نوع من الشعر أليس كذلك؟

الإمام: هو نظم على كل حال، له وزن وله قافية وله نكهة…

د. عزام: قطوفي دانيه الحكم

الإمام: قطوفي دانيه الحكم، مفاعلة، لا، فعل فعل أظن متدارك

د. عزام: وما أنا بالشاعر الهائم

الإمام: فاعلن فاعلن فاعلن، نسيتُ حتى الأوزان

د. عزام: من الشعر حكم رواه البخاري، عن المصطفى السيد القائم

الإمام: صلى الله عليه وسلم

د. عزام: عليه الصلاة والسلام. ألا كل شيء خلا الله زور

الإمام: أي باطل

د. عزام: كلام وهو لبيد الذكي الفاهم (يضحك)

الإمام: يقول النبي صلى الله عليه وسلم أصدق كلمة قالها الشاعر

ألا كل شيء ما خلا الله باطل… وكل نعيم لا محالة زائل

وكل أناس سوف تدخل بينهم … دويهية (دويهية هي الموت صغرها لتعظيمها) تصفر منها الأنامل عندما يموت.

د. عزام: يا سلام!

الإمام: فإذا أنا عثرت على بيتين للشعر من الإمام البخاري فأعجبني فنظمت عليه على قافيته وإن شئتَ أن تقرأ لنا بعضه جزاك الله خيرا

د. عزام: لعلي لا أخطئ

الإمام: لا حاشاك أن تخطئه، وكتبتُ لها مقدمة انتقدتُ فيها الشعر الذي ليس له من هدفٍ إلا الدنيا ومتعتها ولا يتحدث عن الآخرة، فقلتُ الشعراء ينبغي أن يُذكِّروا الناس على كل حال، أسميتها المنظومة الوعظية.

د. عزام: نعم البيتان اللذان أشرت إليهما يقولان: قال الإمام البخاري:

اغتنم في الفراغ فضل ركوع فعسى أن يكون موتك بغته

كم صحيح قد مات قبل سقيم ذهبت نفسه النفيسة فلته

يعني يأتي العسكر ويقول: قفوا الإمام: جميل

د. عزام: جميل! والله

الإمام: فأنا نسجتُ على منواله

د. عزام: تقول:

وعزيز في سربه مطمئن سلتته منه المنية سلته

كم خطيبٍ فوق المنابر يشدو أسكتته للآجال أية سكته

كم رئيس على العباد تمطى مدَّدته الـمَنون جيفة ميته

د. عزام: يعني يكون في الدنيا عامل!

الإمام: رئيسا

د. عزام: فرعون، سبحان الله!

فاغتنم فضل ليلة ونهار وكأنْ مضجع الفراق رأيته

الإمام: الموت

د. عزام:

وكأن قد سمعت نَوْحَ البواكي وكأن علقم الفجيعة ذُقته

الإمام: هكذا

د. عزام: يا سلام!

وكان الأكفان قد أحضروها وكأن الغسال يخفت صوته

وكأن الفؤوس للأرض تهوي شقت القبر عرض شبر قدرته

حملوا النعش مسرعين خفافا هو ذا موعد التوسد جئته

طرحوا أنزلوا وواروا شُخيصا ذهبت نفسه النفيسة فلتة

د. عزام: الله!

الإمام: فإذا هكذا، أعجبني هذا الكلام الإمام البخاري رحمه الله فذهبت معه، ثم إنني في ما أكتب في هذه الأنظام، هذه المنظومات، أرتبها حسب ما سميناه الخصال العشر، لا أطيل، ولكن انظر مثلا كيف تحدث هنالك عن الاقتصاد.

د. عزام: الخصال العاشر هنا مكتوبه؟

الإمام: مكتوبة، يعني واحدة تلو الأخرى

د. عزام: اسمح لي أذكرها؟

نعم

د. عزام: الأولى الصحبة والجماعة

الإمام: نعم

د. عزام: والثانية الذكر

الإمام: فإذا هذا نظم، وعظ، ولكنه مرتب هذا الترتيب

د. عزام: ثم الصدق

الإمام: الصدق

د. عزام: ثم البذل

الإمام: البذل

د. عزام: ثم العلم

الإمام: ثم العلم

د. عزام: ثم العمل

الإمام: ثم العمل

د. عزام: ثم السمت الحسن

الإمام: السمت الحسن

د. عزام: ثم التؤدةـ فالاقتصاد فالجهاد

الإمام: التُّؤدة إن سمحت، ثم الاقتصاد ثم الجهاد

د. عزام: ثم الجهاد.

الإمام: متى يقترن ما هنالك من الاقتصاد….. كيف يجتمع الحديث عن الاقتصاد مع الوعظ؟ مع التذكير بالآخرة؟

د. عزام: هو إذا كان فيه صدق وفيه…؟

الإمام: نعم هذا ما قلته لكنه مكتوب هنالك

د. عزام: هذا في الاقتصاد تقول:

راحل أنت تائها أو بقصدٍ عن مصير الأخرى سهوت وذكرته

راحل أنت مرغما أو رضيا بلقاء المولى الكريم اعتقدته

راحل أنت يا أخي فتجهز رحلة أين زادها هل حمدته

عملا صالحا ونية صدق واتكالا على الإله ارتجيته

خير زاد اتخذته هو تقوى الله إن باجتهاد عُمر عبدته

ثم لم تتكل على جهدك القاصر بل فضله عليك اعتمدته

د. عزام: تقصد الاقتصاد؟

الإمام: هو القصد من الدنيا إلى الآخرة

د. عزام: من الدنيا إلى الآخرة أي؟

الإمام: اقتصد قصد.

د. عزام: وليس الاقتصاد l’économie نعم

الإمام: ولكن هنالك حديث عن الزاد، تزود فهذا رابط…

د. عزام: وآخرها تقول:

واغتنم عمرك النفيس لتقوى… أمة بالجهاد فيما سعيته

ثم تدخل على الجهاد

الإمام: نعم

د. عزام: (يضحك) هذا متى بدأته في أثناء فترة الحصار أم قبل؟

الإمام: لا أدرى، نسيت ذلك

د. عزام: هذا مطبوع سنة 1996م

الإمام: 1996م، هذا كتب قَبل ذلك.

د. عزام: تكلمنا أيضا عن المنهاج النبوي، لم نتكلم عنه، ذكرنا المؤلف، هذا في وقت سابق قبل ذلك. حتى أن الطبعة الثانية في عام 1989م؟

الإمام: نعم

د. عزام: هذا المنهج النبوي هل يعتبر هو منهاج جماعة العدل والإحسان؟ هل هذا ما تقصده؟

الإمام: سآتيك منه بذكر.

د. عزام: تفضل

الإمام: عندما بدأنا العمل هنا سكنت في سلا، كنت أسكن في مراكش، أنا ولدت في مراكش، وكبرت في مراكش، وجئت إلى سلا، لماذا جئت إلى سلا؟ مراكش مدينة في الجنوب يسكنها من عباقرة هذه الأمة شخصان، أشخاص كثيرون، لكن منهم يوسف بن تاشفين، الرجل العظيم الذي زاد في عمر مكث المسلمين في الأندلس ما شاء الله، وكان فارسا مغوارا، وكان وكان وكان له من الفضل ما لا يحصى، هنالك أبو العباس السبتي هذا يسمونه “رجل الصدقات” رجل سبق إلى هذا الميدان سبقا، ولا يزالون، فكان ينفق ويعطي ويجمع الأموال من الأغنياء ويعطيها للفقراء، هنالك كثير من الرجال العظام. انتقلت إلى سلا لأن مراكش هامشية في الجنوب. وأريد أن أكون في مكان في وسط البلد، فانتقلت إلى سلا، جئت إلى ميدان مسكون، الحركات الإسلامية كثيرة…

د. عزام: موجودة.

الإمام: موجودة، فلان هنا وفلان هنا، الشبيبة هناك، فكنت أنوي وأفكر أن نجمع كلمة الإسلاميين في المغرب، فكنا نعقد اجتماعات يحضرها رؤوس الحركات المتعددة، منهم الطلائع، ما يسمى الطلائع، الأستاذ…

د. عزام: عصام العطار؟

الإمام: عصام العطار نعم، كان هنالك من الطلائع، ومن الخيار، كلهم كانوا خيرين، فكنا نجتمع لعلنا نوحد الكلمة، فمن قائل نبدأ الآن نفعل كذا، نؤسس مجلسا يجمع الكلمة، نعطي لهؤلاء مقعدا، ولأولئك مقعدين، ولغيرهم. كنا نتحدث. فأنا من أول الأمر كنت أقول لهم يا إخواني إنه لا يمكن أن نمشي أو أن نسير وأن نخطو خطوات دون أن تكون لنا نظرة مُسَبَّقة عما نريد.

ما نريد أن نفعل؟ ما موقفنا من الحكم؟ ماهي التربية التي نريد؟ الخطوات الأخرى، فكان مِن بعض الإخوان رحمهم الله، لا يزالون أحياء.

د. عزام: رحم الله من بقي ومن توفي، (يضحك).

الإمام: كان يقول لي أنا اعطوني ربع ساعة أدخل إلى تلك الحجرة وآتيكم بمنهاج، أنا عندي منهاج كنتُ أفكر فيه منذ سنوات، لكي أرتب الصحبة والجماعة أولا ثم الذكر ثانيا ثم…، كان هذا هاجسي منذ سنوات، فكان هذا المنهاج شيئا متكاملا شاملا، ينظر إلى الجانب التربوي، وإلى الجانب التنظيمي، والجانب السياسي، فلذلك سميناه المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، فالإخوان يقولون أنا آتيكم بمنهاج!

فإذا كان سوء تفاهم في المصطلح، وكانوا في الحقيقة كلهم كانوا رجالا أخيارا، ومن هم الآن من أصبح كذا، ومن أصبح كذا، ومن تزعم كذا ومن خاض تجارب، وفق اللهُ الجميع.

د. عزام: الشيخ عبد السلام ياسين، كنت تقول لي إن هذا الكتاب “المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا” كان وليد حوار بينكم وبين جماعات إسلامية أخرى عاملة في الساحة المغربية على أمل توحيد العاملين على منهج واحد، فأنت اجتهدت في هذا الكتاب كمنهج لجماعة يتفق عليها الناس؟

الإمام: ليس هذا بالضرورة، هذا يحتوي على أفكار كنت نبذتها هنالك نبذاً في كتاب الإسلام غدا، وفي كتاب الإسلام بين الدعوة والدولة، وهذا كان في السبعينات في 1972 أو 1973م، كنت رتبت ذلك، ثم جمعته في المنهاج النبوي، فأنا لم أكن أنتظر أن يتبنى غيرنا هذا المنهاج، لكن كنت مقتنعا بأنه إن لم نبدأ برسم الخطوط الرئيسية للسير فلا يمكن أن نسير بعيدا، هذا كان أمري، وإلا فلم يكن هذا وليد جلسة أو جلسات مع الآخرين، لا، كان هذا فكرا تمخض في مدة.

د. عزام: في تجربتك أنت؟

الإمام: هكذا.

د. عزام: طيب الآن في ما تبقى لنا من وقت أودُّ أن تحدثني لو سمحت عن هذين الكتابين. أنا عندما زارني الإخوة في لندن قبل عامين أو نحو ربما أكثر نسيت والله الوقت متى، يعني علمت بصدور الكتابين وما كان يخطر لي في ذلك الوقت أن ألتقيك وأسمع منك مباشرة.

الإمام: و”تسمع بالـمعيدي خير من أن تراه”

د. عزام: (يضحك)

الإمام: كما يقولون.

د. عزام: أنا يعني تشرفتُ باللقاء بكم والاستماع منكم فإذا تكرمت تقص علينا قصة هذين الكتابين الذين يحملان اسم الجماعة، جماعة العدل والإحسان.

الإمام: نعم طيب، هنالك كتاب ثالث كتاب يكون في هذا المقدار من الأهمية عنوانه “تنوير المؤمنات”

د. عزام: صدر؟

الإمام: صدر، ولا أراه هنا، لم يحضروه.

د. عزام: “تنوير المؤمنات”؟

الإمام: تنوير المؤمنات

د. عزام: موجه للأخوات يعني؟

الإمام: للأخوات والإخوان أيضا

فيه من الأمور الاجتماعية، والآداب الاجتماعية والتربوية، وكان هذا إنصافا للنساء.

د. عزام: والإخوة في حاجة إلى توجيه فيما يتعلق بالتعامل مع النساء؟

الإمام: كان الأخوات والإخوان أيضا في حاجة إلى توجيه في هذا الميدان، كيف ينصفون المرأة؟ وكيف لها حظا من الله عز وجل؟

د. عزام: نعم

الإمام: فإذا المرأة، فهنالك نساء صابرات، ولكن الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ (الأحزاب:35)، فإذا المرأة هي أختُ الرجل في كل شيء، فيما أعد الله لها.

د. عزام: النساء شقائق الرجال

الإمام: هن شقائق للرجال، فكان هنالك فراغ في هذا الميدان، كان أبو شقة رحمه الله كتب في هذا الموضوع كتابا نفيسا ولكن بأسلوب غير الأسلوب الذي كتبت به، أنا كتبت بأسلوب أقول حركي أو…، وهذا هو الكتاب الثالث الغائب هنا.

د. عزام: نعم

الإمام: أما كتاب “الإحسان” الذي صدر في مجلدين، وهو كبير، وتحدثت فيه عن التربية الروحية، من هم الصوفية؟ ولماذا؟ وكيف التقرب إلى الله عز وجل؟ فيه خلاصة وعصارة تجربتي مع الشيخ العباس رحمه الله. وفيه توجيه وفيه وفيه وفيه، في كثير في هذا الميدان.

د. عزام: هذا المجلد الأول، وفيه مجلد آخر؟

الإمام: هذا فيما يتعلق بالتربية، كنت عقدت ندوة صحفية –هذا اسمها– وحضرني ناسٌ كثيرون منهم المغاربة ومنهم الفرنسيون ومنهم… قالوا ها أنت خرجت من السجن، فما العمل؟ قلت لهم النقطة الأولى التربية، قالوا: النقطة الثانية؟ قلت لهم: التربية، والنقطة الثالثة: التربية، والنقطة الرابعة: دائما تربية تربية تربية، وهذا ما تحتاج إليه الأُمة من يوقظها من غفلة النائمين تحت سياط الحاكمين والنائمين في غفلة اللاهين عن الآخرة وعن الله عز وجل، كان هذا همي دائما، فكتبت كتاب الإحسان هذا موضوعه، أما كتاب العدل جاء بعد ذلك، كتاب العدل والعنوان الصغير الإسلاميون والحكم..

د. عزام: الإسلاميون والحكم

الإمام: ماذا عساهم يفعلون هؤلاء؟ ماذا عساهم؟ ذلك أنه في أوهام الناس –كما قلت في الجلسة السابقة– أن الإسلاميين يريدون بالأمة الرجوع إلى الوراء، والوراء عندهم الوراء التاريخي إلى حضرة الجهل، فأنا حاولتُ أن أقول هكذا ينبغي أن يكون الإسلام، إذا حكم الإسلاميون، هذا العنوان الثاني العنوان الصغير “الإسلاميون والحكم”، وفصلت فيه كيف ينبغي أن تنظم الدولة ومضى هذا، وانتهى الأمر.

د. عزام: يعني هذا، هو في التزكية، وهذا في الإدارة؟

الإمام: قلْ في الحكم

د. عزام: إدارة الحكم

الإمام: نعم الحكم، ذاك في التزكية، وهذا في الحكم، وثالثهما وهو كتاب تنوير المؤمنات وهذا مهم جدا بشهادة الآخرين، ولنا أخ[3] من أنبل ما يكون الإخوان عكف على ترجمته للإنجليزية وقد أنجزه الآن.

د. عزام: هذا العلم الذي ينتفع به

الإمام: هكذا نعم

د. عزام: وددت أن أسألك فيما يتعلق بقضية الحكم، أنت تعلم أن كثيرا من الجماعات الإسلامية والحركات الإسلامية ترى أنه إذا لم يمكن تحقيق النموذج المثالي فلا أقل من محاولة إصلاح بعض الخراب الموجود في النظام السياسي، ومن هذا الباب هم يشاركون في الانتخابات، يشاركون في العملية السياسية لدرء بعض المفاسد لجلب بعض المصالح.

الإمام: نعم، أنا الاحظ في موقعكم الفضائي، أرى هنالك الشخصيات من الناس الذين يتزعمون العمل الإسلامي في بلد كذا أو بلاد كذا، ويروجون هذا الكلام، عندنا هنا في المغرب جماعة التوحيد والإصلاح، وأصبحت الآن انضوت تحت جناح…

د. عزام: أنشأت حزبا

الإمام: أنشأت حزب العدالة والتنمية

د. عزام: نعم

الإمام: يعني، انظر، انظر إلى الاسم “العدل والإحسان” “العدالة والتنمية” كأن الناس يظنون أننا عندما نتحدث عن الإحسان هو أن نحسن إلى مسكين يسأل خبز ليلته أو عشاءه.

د. عزام: ليس هذا المقصود من الإحسان

الإمام: ليس هذا هو المقصود

د. عزام: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك

الإمام: على كل حال، على كل حال، فهذا فكرٌ رائج، نقنع بما هنالك، خذ وأطلب، ولكن أقول لك يا أخي إذا أخذت، ما أدراني أن ذلك الأخطبوط –أخطبوط الدولة– سيلمني إليه لـمًّا، وسيأخذ بتلابيبي إليه وسأصبح لعبة في مدرجه، سَمِّ هذا المدرج برلمانا أو إدارة أو أو أو، فنحن لا نقول بهذا، لا نقول به، فلذلك يسموننا متطرفين، يقولون بالفرنسية extrémistes “متطرفون”، ونطلب ما لا يطلب، يعني وكان الخضوع للحاكم القائم واجبا، سياسيا ودينيا وفكريا، من العلماء رحمهم الله، غفر الله لنا ولهم، ولكن نسمي الأشياء كما هي “علماء البلاط” من علماء البلاط هنا في المغرب وخارج المغرب.

د. عزام: لكن جماعة التوحيد والإصلاح، هم لا يقولون ذلك، هم يقولون إنّ إصلاح المفاسد يكون من الداخل نعم إصلاح المفاسد أولى من عدم عمل شيء.

الإمام: نعم، على كل حال، نحن نحترمهم ونحبهم ونحب سيدي أحمد الريسوني تعرفه الدكتور؟

د. عزام: نعم

الإمام: الذي أصبح فقيها الآن

د. عزام: فقيه وعالم

الإمام: فقيه الآن، ومفتي وكذا، أحبه محبة كبيرة وكان هو من الناس الذين نجلس إليهم قبل المنهاج، في حديثنا عن المنهاج، كان هو هذا السيد وهو رجل محبوب من آل البيت، فيعني لا غبار على هذا الأمر، ثم أن تلعب مع الأفعى تأكُلك الأفعى.

د. عزام: (يضحك).

الإمام: تأكلك، تلدغك لدغه قاتلة أو تسممك…

د. عزام: لكن ألا يمكن أن نعتبر أن كل هذا في دائرة الاجتهاد

الإمام: نعم، نعم

د. عزام: فمن اجتهد فأصاب فله أجران

الإمام: نعم، نعم

د. عزام: ومن اجتهد فأخطأ فله أجر

الإمام: يا أخي هذا وعظ، نعم، نعم، وهذا حق من اجتهد فأخطأ، ولكن عندما كان المسلمون في حاجة إلى الاحتفاظ بوحدة الأمة نزى بنو أمية على الحكم، وسكت العلماء، نحن نعذرهم، معذورون، لأنهم كانوا يتلافون، يخشون أن تكون الطامة أكبر.

د. عزام: هم رأوا الاقتتال والفتنة وسفك الدماء.

الإمام: نعم، أرادوا الاحتفاظ على وحدة الأمة، على بيضة الأمة كما يقولون، يعني يقصدون ببيضة الأمة تلك التي يضعها المقاتل على رأسه لكي تحميه من الغير، فكانوا يريدون أن يحافظوا على وحدة الأمة وبيضتها.

د. عزام: بنو أمية عطلوا الشورى، لكن لم يعطلوا الشريعة، ظلوا يحكمون بالإسلام، هذا يختلف عن العصر الحديث، العصر الحديث تعطلت كل القضايا؟

الإمام: لكن يا أخي، لو نظرت بتأنٍّ وتؤدة وتفكير واستجلاء لما وراء الأحداث لرأيت أن الشيء الذي كان يحدث في قصور بني أمية يتقاطر دماً وصديداً معنويا على الأمة معنوياً وفعلياً، من جملة الأشياء التي كنت عنها في غفلة واستفدتها أخيرا، منذ أسابيع، كنت أنظر في كتاب التاريخ، لمؤرخ مغربي، يتحدث عن القصور ومَن في القصور، والحكم العاض، يتحدث هكذا، فنبهني جزاه الله خيرا إلى شيء كنت عنه غافلا، ذلك أن هؤلاء الحكام كانوا يتزوجون بالجواري والنساء ويخلفون بناتٍ ورجالا، ويتوالد هذا النشء، ثم يؤول الأمر إلى قتال بين الإخوة، ومن قتل أباه، وواحد قتل ابنه، والآخر قتل ابن عمه، وتقوم دويلات…

د. عزام: مآسٍ!

الإمام: مآسٍ، سبب هذا كله يرجع إلى الحكم الوراثي، لأنه بأي حق أن تأخذ الحكم وعصا السيادة وتحرمني من هذا لأنك ابن فلان الأَمة وأنا ابن الحُرة مثلا…

فتقوم كما وقع للأمير المامون في العهد العباسي، وقع هذا كثيرا، فكانوا يلدون كثيرا، وتُربى هذه الأجيال في القصور، التربية في أحضان الجواري ومن اهتم بـ.. وتحدَّث أنت أيها الواعظ المسكين، تحدث عما ينبغي أن تكون عليه تربية الأطفال، والعناية بالأطفال، وتعليم القرآن للأطفال، الناس في غفلة، يوما قرأت كتابا كُتب باللغة الفرنسية لامرأة عاشت في القصر الملكي[4].

د. عزام: هنا في المغرب؟

الإمام: نعم في المغرب، عاشت في القصر، تعرف دواخل القصر، فهذا في زمن الحسن رحمه الله، وأقولها من قلبي خالصا رحمه الله، فتصف ما كان هنالك من هدايا، ومن أموال، ومن أشياء، أشياء، فكنت أتأسف لهذا المسكين، الملك، مسكين، الملك غارق من أخمص قدميه إلى قنة رأسه غارق في الأشياء، أشياء: هدايا وأمور وذهبية وسيارات، وله سيارة كذا وكذا، سيارة كذا، وفولفو volvo كذا وكذا، وسيارة السباق كذا وكذا. فرثيت لحاله واتعظت والحمد لله.

فهؤلاء الناس هم الضحية فأنا أعتبر هؤلاء الوارثين، الملوك الوارثين… ضحية تربية.

د. عزام: هو ما ينبغي، وهذا الخطأ الذي وقع في مطلع تاريخنا، ما ينبغي أن يؤول أمر الأمة إرثا يتقاتل عليه الورثة؟

الإمام: نعم

د. عزام: هذا أمر الأمة جميعا

الإمام: هذا مخالف للقرآن الكريم ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى:38)، ولعلي تحدثت عن كتاب كتبته في الشورى وسياق الشورى

د. عزام: نعم هذا هو؟

الإمام: حاضر معنا؟

د. عزام: نعم الشورى والديمقراطية هذا هو.

الإمام: الشورى والديمقراطية نعم، لذلك بعض الناس يقولون ديمقراطيتنا هي الشورى، فوجب أن نبين ما الفرق بين هذه وتلك.

الإمام: لأن الناس عندهم أن الديمقراطية هي غاية ما يرمي إليه الناس في تنظيم مجتمعاتهم، لكن الديمقراطية لا تحدثك عن الله، فهي مرفوضة أصلا، هنالك آليات، فكما نستعمل هذا الكأس، وكما نستعمل ما اخترعه المخترعون من الغرب نستعمل هذه الآلات، فإذا كانت الديمقراطية آليات لتنظيم الحكم حبذا، ولكن نحافظ على اللب.

د. عزام: نعم اللُّب الفلسفي لأن الديمقراطية نشأت في مجتمعات تريد أن تنأى بنفسها عن الله. فلبها الفلسفي

الإمام: وثني

د. عزام: معادٍ للدين بشكل عام

الإمام: وهذا ما قُلناه في جلسة سابقة، هنالك السوق في أثينا تسمى الأكورا، هو مكان اجتماع العامة، عامة الناس، بينما الشورى ولدت في المسجد، ومعها معاني المسجد، وتلك الأخرى ولدت في السوق، ومعها السوق، وفيها معاني السوق فالانتخابات…

د. عزام: ومع ذلك فلا غضاضة في أن نستفيد فيما يمكن الاستفادة منه

الإمام: نعم

د. عزام: لن يؤثر على اللب

الإمام: اللب إذا كان هذا ممكن جيد ولكن،

د. عزام: هي الديمقراطية الآن بصورتها الغربية فيها عور وفيها نقص، غير متاحة للمسلمين، لا يسمح بها، وعندما يفوز الإسلاميون كما حصل في الجزائر، وكما حصل في فلسطين ترفض وينقض عليها

الإمام: وكارثة جبهة الإنقاذ في الجزائر درس كاف لهذا الأمر

د. عزام: نعم

الإمام: يعني يأتي العسكر ويقول: قفوا، الذي يحكم هو القوة والسيف، فمنذ قام على رأس سيدنا الحسين بن علي، ومعه بعض من أبناء الصحابة رضي الله عنهم، وقال واحد من بني أمية، لا نذكرهم، رحمهم الله جميعا وغفر لنا ولهم، قال أحدهم أوقف الحرسية على رأس كل واحد من هؤلاء الذين رفضوا أن يبايعوا يزيد بن معاوية، قال “من قال برأسه هكذا قلنا له بسيفنا هكذا”[5]، ولا يزال هذا السيف المسلط على رقاب الصحابة مُسلطا على رؤوسنا حسيا ومعنويا.

د. عزام: أين المخرج؟

الإمام: المخرج هو الصبر والتربية، التربية ثم التربية ثم إيقاظ الأمة، نسأل الله اللُّطف، لا ينبغي للمسلم أن يكون مستيئسا ﴿قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (الزمر:53)، لا نيأس، الأمة بخير والحمد لله، وفي يقظة، كل هذه الكوارث التي برزت من حضرة القضاء والقدر، الله تعالى قدر هذا، فلما يكون الإنسان غافلا عن الله عز وجل يرى بعين الأعور، يرى بعين واحدة ما يحدث في الكون، فيقول لماذا يُقتل المسلمون؟ لماذا يضطهد وتقتل المسلمات في غزة؟ ولماذا يقع هذا في العراق؟ ولماذا؟ يا سيدي، هذا مُلك الله. ولكن هذا كلام الحقيقة، حق، وهناك الشريعة، الشريعة تأمرك بأن تُغير المنكر.

فإذن تغيير المنكر، كيف تفعل؟ فمن الشباب من يقول: أنا أريد أن أقاتل، أقتل وأفجّر نفسي غضبا وحنقا، هذا خروج عن الجادة، يعني أنا أجُود بنفسي لكي أقتل 10 من الصهاينة ومن غيرهم، ولا أتحدث عن الصهاينة لأن مسألة أهل غزة هم أدرى بشعابها. أنا أتحدث عن الآخرين، يُفجرون أنفسهم لكي يغيروا المنكر.

د. عزام: والناس يلجؤون إلى هذه الأساليب من شدة ما فيهم من ألم ومن كرب ومنة حصار؟

الإمام: نعم

د. عزام: العالم الظالم هذا الذي…

الإمام: نعم هذه طاقة مكبوتة، لكن هذه الطاقة المكبوتة يجب أن ترشد لكي تصب في مجرى البناء، لا في مجرى الهدم. ها أنت قتلت 10 أو 20، أنا لا أتحدث عن غزة، هم أدرى بشعابها.

د. عزام: وضع فلسطين يختلف

الإمام: وضع آخر

د. عزام: لكن أظن أنت تقصد الذين قاموا بأعمال هنا في المغرب، وفي غيرها

الإمام: المغرب وخارج المغرب

د. عزام: هذه أعمال مؤذية وفيها ظلم، فيها اعتداء على الأبرياء

الإمام: المسلمون لا تنقصهم الغيرة على الدين، لا تنقصهم الحماسة لنصرة الدين، ولعل الله عز وجل يبعث لنا من يوقظنا، أولئك الذين كتبوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدثوا عنه بكلام، كاريكاتير، والاستهزاء والسخرية في الجرائد، فقام المسلمون، واستيقظ المسلمون، لكي يدبُّوا عن دينهم، لكي تنبثق فيهم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكي تشتعل فيهم الحرقة على دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن في قلوبنا نكون مطمئنين. الله يفعل ما يشاء وما من شيء أبرزه الله تعالى لهذه الوجود إلا وله حكمة، عرفها من عرفها وغاب عنها من غاب عنها، ورحم الله ابن عطاء الله السكندري، هذا من تلامذة سيدي أبي الحسن الشاذلي، ابن عطاء الله السكندري وله حكم، تعرف الحكم العطائية؟ الحكم العطائية شيء نفيس جدا، قال: “ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الكون غير ما أظهره الله”.

د. عزام: يا سلام!

الإمام: هذا حق، هذه الحقيقة، ولكن الشريعة تقول لك قم، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، وألا تكون ملعونا ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ (المائدة:78-79)، فإذا الشريعة تقول لك قُمْ وامُر بالمعروف وانهَ عن المنكر وأمر الله يجري.

د. عزام: الشيخ عبد السلام ياسين أنا شاكر جدا لاستضافتك

الإمام: أنا أيضا

د. عزام: لاستضافتك لنا في بيتك العامر، نسأل الله تعالى أن يمد في عُمرك

الإمام: مع الصّحة والعافية إن شاء الله

د. عزام: وأن يجعل لكم نصيبا في تمكين الإسلام والمسلمين.

الإمام: وأنتم بارك الله فيكم، فإنكم تساهمون مساهمة فعالة في موقعكم هذا الحر، الذي يقولها كلمة صريحة في وجه الظلمة شهادة لله تشهدونها.

د. عزام: نسأل الله أن نظل على ذلك.

الإمام: أنتم تشهدون شهادة الحق، فأنتم على ثغرة من ثغور المسلمين، أيَّدكم الله بنصره وزادكم تألقا وفضلا في الدنيا وجزاء في الآخرة.

د. عزام: آمين، إن شاء الله

الإمام: لأننا لا نعمل لدنيانا، عندما نقول زادكم الله تألقا، يعني هنا في الدنيا لكن تألقا لكي تفيدوا الناس.

د. عزام: آمين، إن شاء الله

الإمام: فأنتم تساهمون في إيقاظ الأمة، جزاكم الله عنا خيرا.

د. عزام: جزاك الله خيرا. شكرا جزيلا.

[1] تم تأليف كتاب الإحسان سنة 1988م وطبع في طبعته الأولى سنة 1998م، وتم تأليف كتاب العدل سنة 1990م وطبع في طبعته الأولى سنة 2000م.
[2] يقصد أنهم خطوا طريقا دعويا لهم.
[3] إشارة إلى الأستاذ فاروق بواس رحمه الله الذي ترجم الكتاب.
[4] لعله يقصد مليكة أوفقير (Malika Oufkir) بنت الجنرال محمد أوفقير، ولدت بمدينة مراكش سنة 1953 وهي كاتبة مغربية تعرضت للاختفاء سابقًا بسبب أحداث الانقلابات سنة 1971 و1972م، من كتبها “السجينة”(la prisonnière).
[5] “من قال برأسه هكذا، قلنا بسيفنا هكذا”، تلخص حكم بني أموية عموما، وهي جزء من خطبة لعبد الملك بن مروان جاء فيها “ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف… [من] قال برأسه هكذا قلنا بأسيافنا هكذا”، السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر. تاريخ الخلفاء، مطبعة السعادة، مصر، ط 1، 1952م، ص 190.

أضف تعليقك (0 )

مقالات ذات صلة