post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h2>مفاتيح التغيير</h2>
لقد أجاب الإمام البنا رحمه الله إجابات حقيقية عن مفاتيح التغيير، بل قدم أنموذجا يحتذى، صحب الرجل السادة الحصافية في مبتدأ الطريق محصلا بذلك نقطة البداية نحو التحرك السليم لأجيال الصحوة الإسلامية المباركة، ألا وهو لقاء الإنسان مع الغيب، وقد حدثت لقاءات تاريخية كانت منعطفا تاريخيا في حياة الأفراد وسلوكهم لابد أن تتأملها الحركة الإسلامية مليا.
إن الحركة بعد البنا سقطت في دوامة العنف السياسي، وتيار التغفيل عن الله عز وجل، والنخبوية المقيتة، ومما حدثني به الثقة أن الإمام البنا قبل أن يستشهد أقبل عليه السياسيون والأعيان، فكان ذلك خطرا على الدعوة التي تزعمها المثقفون الذين لم يتشربوا المعاني الإيمانية، ولم يرتعوا من معين الدعوة الصافي، فكان الخطر الأكبر، ولو أن البنا حافظ على بيت الدعوة الأول لكان سيكون لدعوته أضخم مما لها، وما كان لها.
يقول الإمام المجدد رضي الله عنه في كتابه التحفة الإسلام غدا: (كان أتباع البنا الأول من المساكين، من العمال والفلاحين، يبدؤون بتواضع تلمذتهم للشيخ بتعلم الوضوء والصلاة ويجمعون القروش ليبنوا لله بيتا. ولقد كاد البيت يكون أمة منبعثة لولا أن هب مترفو الفكر والمال والجاه يجرون خلف الزعيم الناجح ويرهقون جهاده. وكان رجل دعوة ليس له أن يستعمل وازع السلطان ليعيد تربية المترفين كما فعل ماو الكافر من بعده.
وكانت المطالبة السياسية بديل الأسف عن تلك التربية المتكاملة التي أنشأها مجدد هذا القرن وإمامه رضي الله عنه وجزاه عن المسلمين خيرا.[ref]الإسلام غدا: العمل الإسلامي وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة، مطبعة النجاح الدار البيضاء، سنة 1973، الطبعة الأولى. ص456-457[/ref] وقول البنا رضي الله عنه في أواخر حياته: لو استقبلت من أمر الإخوان ما استدبرت لعدت بهم إلى أيام المأثورات. خير دليل والله أعلم. وقلت: إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: اللهم أحييني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني مع المساكين. ميزان نبوي نقيس به مصداقية دعوتنا إن الآن، أو بعد زمان، أو في مستقبل الأيام. وإنه لا علاج لهذه المنزلقات إ لا أن يقيد الله للركب الإخواني قيادة ربانية ترسم الخطة وتكتشف المنهاج.
<h2>اكتشاف المنهاج النبوي</h2>
لقد أصبح لزاما اليوم على أبناء الحركة الإسلامية اكتشاف المنهاج النبوي الذي يرفع الإنسان من مستوى العادة إلى مستوى الفطرة، يعطيه روحانية ونورانية وقوة كما فعلت الدعوة الأولى على صاحبها أزكى الصلاة والتسليم، لذلك يؤكد الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله على أهمية اكتشاف المنهاج النبوي يقول: &#8220;ليست العبرة أن نلتمس أقصر طريق للحكم الإسلامي، ولا أن نلتمس أضمن الوسائل رأي العين، فكل طريق غير المنهاج النبوي، وهو السنة، وكل وسيلة لا يقبلها الشرع أمور مرفوضة، العبرة أن نكتشف المنهاج النبوي في التربية، ذلك المنهاج الذي كان عملا باهر النتائج، خرج من مدرسته كبار الصحابة، عظماء الأمة، نخبة الإنسانية بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، العبرة أن نكتشف أسرار المنهاج النبوي، الذي نتج عنه الجهاد الخالد الذي كانت ثمرته &#8220;المعجزة التاريخية&#8221; التي غيرت العالم أعمق تغيير وأوسع تغيير وأسرع تغيير&#8221; [ref]عبد السلام ياسين، مقدمات في المنهاج،  الطبع الأولى، سنة 1973. ص 34[/ref]، إن الإخفاق الذي تحدث عنه الدكتور الترابي رحمه الله في حواره الأخير، شاهد على العصر، سببه عدم اكتشاف المنهاج النبوي في التربية، فليس المهم أن نلتمس أقصر الطرق للحكم، لكن المهم هو الظفر بالمنهاج الذي يعني وحدة التصور ووحدة الإرادة لكي لا نقف في وسط الطريق ونعلن الفشل، يقول الإمام المجدد رحمه الله: &#8221; وحدة جهاد، وحدة تصور، وحدة إرادة. بدون هذا تكون سفرتنا إلى غير رشاد&#8230; إذا شرعنا في عمل جماعي قبل أن نتفق على تصورنا للعمل من كل جوانبه، فأدنى خلاف يوقفنا، وسنختلف على كل شيء، ومن ثم نعجز عن الاستمرار&#8221;[ref]عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الطبعة الثانية، 1410هـ &#8211; 1989. ص217[/ref]، والتجربة السودانية ماثلة أمامنا، لذلك &#8220;يجب ألا يتحرك الركب في ميدان العمل قبل أن يتأكد من أن المنهاج محكم، وأنه لا خلل يخاف في الصف نتيجة لنقص في التربية أو لتفكك في التنظيم، أو لغموض في الرؤية، أو لعجز عن الإنجاز والإتقان وتحمل المسؤولية&#8221;[ref]نفسه، ص 235/236[/ref]، لأن &#8220;الخطأ في التصور المنهاجي للعمل الإسلامي يوقف تحركنا في أول منعرج تمحص فيه قدرتنا على الرؤية الواضحة لاتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بالشكل المناسب&#8221;[ref]نفسه، ص 236[/ref] كما أن &#8220;الخطأ في العلم خطير على العمل، والعمل بلا علم تخبط وجنون، والعمل في الغموض لا يسير إلى غاية صالحة&#8221; فعادة ما تضيع الجهود وتتبخر الآمال لكل خطأ جوهري في التصور والرؤية، &#8220;تضيع جهودنا لكل خطأ أساسي في النظرة، وتقويم الماضي والحاضر والمستقبل، ومهماتنا ومراحل إنجازها، وظروف تطورها، كما تضيع لكل خطأ أساسي في إعداد القوة التربوية والتنظيمية والتنفيذية&#8220;[ref]نفسه، ص 236[/ref].
وهي أمور طالما كررها الدكتور الترابي رحمه الله، في برنامج شاهد على العصر، بحيث يقول بالحرف، بأنهم لم تتح لهم الفرصة لقراءة التاريخ الإسلامي والإنساني بشكل جيد، والاستفادة من دروسه وتجاربه. ألهاهم السباق المحموم إلى السلطة عن التبصر والتبصرة. وينبغي أن يدرك أبناء الحركة الإسلامية أن سلوك العنف والانقلابية أساليب صبيانية مآلها الفشل، فعندما نتخذ العنف مطية، وتأكلنا الانقلابية فذلك الفشل بعينه. &#8220;وإن من ينقض على السلطة دون أن تكون له قاعدة مجاهدة تبلغ حدا أدنى من الامتداد، وقاعدة معنوية خلقية قوامها ثقة الشعب واستعداده، إنما يغامر بتجربة مآلها الفشل والإجهاض، مآلها الفشل عاجلا أو آجلا، كلا أو بعضا. ومن ينظر إلى الأفق البعيد –كما حدث للركب الإخواني-يوشك مع الزمان أن يسترخي، ويكل إلى الأجيال غير المسماة حمل عبئ كان الحق أن يبادر هو إليه متى فتح الله&#8221;[ref]عبد السلام ياسين، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، سنة 1994. ص10[/ref]، ولعل الدكتور الترابي رحمه الله أدرك جيدا هذه الحقيقة، لكنه أخطأ الوجهة، ولم ينتبه رحمه الله إلى خطورة التحالف مع الانقلابيين الذين لن يخلقوا إلا استبدادا، ولم يدرك خطورة الثقة في العسكر الذي لا يفهم غير لغة الأوامر، وأدرك جيدا خطورة الانقضاض على السلطة في مجتمع مفكك الأوصال.
<h2>كالخاتمة</h2>
رحم الله الدكتور الترابي، فهو فارس من فرسان هذه الدعوة المباركين، امتلأ كنفه علما، لكن الرجل مستغلق. بيد أنه رحمه الله لا يذكر نقطة البدء في حركة الإسلام الأولى على كثرة ما كتب، ألا وهي لقاء الانسان بنور الهداية في شخص حامل الهداية، وهذه قضية يغفل عنها الكثير من قادة العمل الإسلامي لهجوم الفقه النفطي تارة، والنظرة السطحية لما بات يعرف بالتصوف، ألا وإن المغناطيس الروحي للداعي إلى الله الأكبر عليه صلوات الله وسلامه كانت المحرك الأول للإسلام. وكم استمتعت بعمق الرجل واطلاعه الواسع رحمه الله وأنا أطالع كتابيه الأخيرين كتاب السياسة والنظم السلطانية، وتفسيره التوحيدي في جزئه الأول، ولي عودة إن شاء الله لأقف معه زاده الله حسنا، ويسر الله لنا وللحركة الإسلامية في السودان سبل الرشد والرشاد. آمين.
أقصد بالرائد الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، والرائد لا يكذب أهله.

مَرَّ الرائد وهذا الأثر..تأملات في العمل الإسلامي

تأملات في سيرة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

مقالات في سيرة الإمام

مَرَّ الرائد وهذا الأثر..تأملات في العمل الإسلامي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الميلاد السعيد

مَرَّ الرائد وهذا الأثر..تأملات في العمل الإسلامي

مقالات ذات صلة