مصير الإنسان بعد الموت متوقف على استجابته لداعي الله أو إعراضه. فعلم الحق ضروري له ليعلم كيف يصل إلى السعادة الأبدية عند الله.
ومصير المجتمع الإسلامي وسط التدافع التاريخي متوقف على قدرته أن يخترع الوسائل الكفيلة بتوفير معاشه ووسائل الدفاع عن نفسه.
عندما ينتبه جند الله إلى خطورة التحديات التي تواجه جهادهم يجدونها دائرة حول ثلاث ثغرات في الكيان المسلم المبعثر المنحط حضاريا، المهزوم عسكريا:
-1 الثغرة الأولى: غياب القوة الاجتماعية الوحيدة القادرة على إنقاذ الأمة عن ساحة الحكم. ألا وهي القوة الإسلامية الفتية التي انتظمت في بعض الأقطار، وهي في طريقها إلى الانتظام بإذن الله في أقطار أخرى. وعندما يكلل الله زحف المؤمنين فيصلون إلى الحكم تسد الثغرة الأولى بوجود الإرادة المؤمنة في مكان القيادة. هذه الإرادة المستنيرة بعلم الحق من كتاب الله وسنة رسوله. وعندئذ يستبدل شيئا فشيئا بقانون الوضع شرع الله، وفكر التقليد للجاهلية بعلم الإيمان، والفلسفات والإديولوجيات الأرضية بعلم الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
-2 الثغرة الثانية: فقر الأمة من الرجال المسلحين بالإرادة الإيمانية والعلوم التكنولوجية الكفيلة بخدمة تلك الإرادة وتنفيذ عزماتها حتى تتحول أماني الأمة من عالم الأحلام والشوق إلى عالم الواقع.
-3 الثغرة الثالثة: غياب التماسك بين أجزاء الأمة التي تذهب طاقاتها ومواردها وحريتها في الحروب بين هذه الأقطار الفتنوية. منافسات واضطراب وعدم استقرار. وهذه الثغرة لا يسدها إلا العلم بالله الذي يأتي نتيجة عن تربية إيمانية تصوغ من المؤمنين المشتتين جسما عضويا واحدا. نتماسك عند رجوعنا إلى علم الحق لا الأنظمة الفكرية الجاهلية.
العلوم التي يتعين على الأمة أن تطلبها، وتبذلها لأجيالها وتنشرها فيهم، هي تلك التي يحركها روح العلم بالله وبسنة رسوله. فالخير كله في الفقه في الدين، وما يأتي بعد الفقه في الدين فهو وسيلة لخدمة مقاصد الدين.
إنما الدين النصيحة، والنصيحة بذل للعلم. فتحدي الإنتاج والتوزيع، وتحدي القوة العسكرية والتكنولوجية، وتحدي الوحدة والتماسك والاستقرار، لن يجاب عنها إلا
بوضوح النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين وخاصتهم وإمامهم. لن يجاب عنها إلا بالعبودية لله. لا خير إلا في عالم ومتعلم يعملان بعملهما، فهما فقط يمكن أن يقيما الدين بإقامة النصيحة على كل مراتبها. فإن لم يكن للمسلمين إمام فالعالم والمتعلم –أي رجل الدعوة– هم الأرجى أن يعلموا الأمة كيف تتحرك لتقيم منها إماما.
ليس فقه العبادات وحده هو فقه الدين، لكنه من أهم جوانبه إن تفرع عنه علم يغير المجتمع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد».
إسلام قاعد في المسجد محوقل خير منه ألف مرة إسلام مجاهد. ففقه هذا الإسلام هو الفقه، والعبادة صلبه وروحه...”المنهاج النبوي ص-226″
أضف تعليقك (0 )