post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<div class="page-wrapper">
<div>
<div class="own-size page p52 even">
<div>
<p class="normal_p  "><span class="p">محاضرة باللغة الفرنسية </span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">ألقاها الإمام عبد السلام ياسين في الرباط يوم الجمعة 27 يونيو 1980.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">ترجمها إلى العربية: أحمد الملاخ ومحمد بشيري.</span></p>
<hr />
<p class="normal_p  "> <span class="p">في النقطة الثالثة من حوارنا هذا أسمح لنفسي بأن أحدثكم عن موضوع يشغل بال كل مثقف فخور بتميزه ومستعد لتحمل الأذى في سبيل تأكيد هذا التميز. وهكذا أطرح مشكل الأصالة والمنهاج، ومكانتنا في العالم، ورسالة الإسلام العالمية، والشخصية الإسلامية الفردية والاجتماعية السياسية.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">فهؤلاء الذين يعلنون أصالتهم من بيننا ويتفلسفون في التعبير عنها، أولئك الذين يتصفون ضمن الرجال الحركيين -أو بالأحرى الرجعيين- والذين يستغلون هذا الشعور بالأصالة مبدعين وممتطين متن عقلية وطنية، قبلية كانت أو إقليمية، لا يفعلون شيئا سوى تقليد أفكار الآخرين وصياغة كيانهم وفقها. وبذلك يستظلون بمظلة الحضارة العالمية الغربية المزعومة. وهكذا يتحرك ضميرهم داخل نفسه كهامش للشفقة الكبرى ويعرضون تاريخهم وتقاليدهم كظواهر مشرقة تحظى باهتمام التاريخ كما تراه وتزنه وتحكم عليه الحضارة الغربية التي تعتبر نفسها مركز العالم. وهكذا يقبل المتغنون بالأصالة القيام بالأدوار الثانوية على مسرح تم إعداده وتزيينه ليبرز محاسن الغرب، وهكذا يرددون ببلادة سيناريو وضعه أستاذهم في الفكر بل سيدهم الغربي.</span></p>
</div>
</div>
</div>
</div>
<div class="page-wrapper">
<div class="own-size page p53 odd">
<p class="normal_p  "><span class="p">إنني أعلم أن تعصبا قبليا وعرقيا يغلي في عروق شبابنا الباحث عن شخصية قوية كريمة، والأحداث التي تعرض لها جيراننا مؤخرا تبين أن الإحساس بالفوارق قد بلغ مداه وأنه سبب عدم الاستقرار الذي يزيد من توتر نسختنا الديمقراطية المهزوزة بحلولها الوهمية ومظاهرها الكاذبة. ديموقراطيات متعددة وتآلف حزبي شكلي يضغطان معا على شعب أريد له أن يبقى جاهلا لشخصيته. إن عدم الاستقرار كامن في تركيب شعوبنا نفسه. أجزاء اقتطعت من الجسم الروحي والتاريخي الذي هو «دار الإسلام» وتقلصت تبعا لضمور تاريخي إلى دويلات صغيرة بئيسة مرتبطة بالتحركات الإمبريالية المتناقضة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">لقد تآكلت اللحمة التي كانت توجد بيننا إلى درجة ظهرت معها البنيات الضاربة في القدم والتي كانت قد تلاشت، فظهرت فوارق السلالات واللغة والخصوصيات العرقية والإقليمية. فهذه التعرية، وهذا التفقير الوجودي الذي لحق بنا وبتطلعاتنا، وهذه التشويهات وفق النموذج الجاهلي الذي نفذ إلى أرواحنا وعاداتنا وأخلاقنا وران على مجتمعاتنا ما هي إلا عوامل رئيسية تجعل منا اليوم مقلدين قرديين وتابعين وديعين بل مجرد حضور صامتين في حلبة التاريخ الذي يصنعه الآخرون بدون مشاركتنا وعلى حسابنا.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">وطالما بقينا منهزمين نفسيا فسيحكم علينا بالخضوع لإرادة الآخرين لأن الانبعاث الإسلامي يتطلب وعيا جديدا وتحريرا للشخصية قبل كل شيء.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">لقد صيرنا المركب الإمبريالي الاقتصادي والعسكري الذي يتألف من الكتلتين الغربيتين المختلفتين هامشيين بؤساء لا وزن لنا في السوق العالمية التي تتحكم فيها القوتان الأعظم، وساعدت ضخامة هذا المركب وقوته الصناعية والمالية وإرادته في التحكم من جهة وحاجياتنا التي لا نعرف كيف </span>نحد منها ولا كيف نشبعها من جهة أخرى على الوصول بنا إلى هذا المستوى. ولن تحل الوطنيات الانفعالية الحقيرة محل القلب منا، كما أن الخصوصيات الفلكلورية واللهجات البدائية لن تحل محل روحنا الأصلية الضائعة. إن المباحث الصغيرة عن الهويات المختلفة المتباينة التي يرفعها القادة الصغار والكبار ويدرسونها للشعب تدخل السرور على قلوب أعدائنا لأنها تنقب عن حزازات قديمة وتزيد جسم الشعب شروخا.</p>
<div class="page-wrapper">
<div>
<div class="own-size page p54 even">
<p class="normal_p  "><span class="p">مثال واحد يكفي للتدليل على السلبية التاريخية التامة للوطنيات التي قسمت الأمة الإسلامية هو زرع دويلة إسرائيل في صميم قلب دار الإسلام، وعجز دويلاتنا الهشة عن إنتاج سياسة موحدة لمجاهدة القوى الجاهلية التي سمحت لهذه البيضة الجرثومية السرطانية -إسرائيل- أن تفقس وتنمو في جسم أمتنا. والعرب يتحملون الآن لعنة الوطنية علاوة على لعنات الثروات المخزية لدى البعض وسط فقر الجميع وبؤسهم وتخلفهم. وإنها لأجسام بلا أرواح هذه الكيانات التي تبحث بالتناوب عن ملجإ ودعم لدى أمريكا التي صنعت دولة إسرائيل وتعتبرها جزءا منها، أو لدى روسيا التي باركت ميلاد هذه الدولة وتفتح أمام عشرات الآلاف من الأطر المكونة باب الهجرة إلى الأرض المقدسة السليبة التي خلفها أجدادنا ليتمكن أهل الكتاب من اليهود والنصارى من عبادة الله بحرية إلى جانبنا. وبدلا من الدور القيادي الذي كنا نقوم به كحملة رسالة للعالم يحتكم إلينا طوال ألف سنة خلت إذا بدورنا هنا يقتصر على تمثيل ماجن حقير لشعوب يتيمة تحت وصاية حكام لا يتعدى أفقهم دروب الوطنيات الهزيلة ولا تتعدى إرادتهم طموحات أنانية ضيقة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">إن «ضربة كابول» كما يطلق عليها تكشف القناع عن التوسع السوفياتي وعن خيانات في نفس الوقت، وينبغي ألا يجعل منا تأييد روسيا لنا في قضيتنا ضد الصهاينة خدام أمريكا حتى ولو كانت فلسطين هي </span>قلب الإسلام. ودويلاتنا الصغيرة لانعدام مشروعيتها، ليست سوى دمى تتلاعب بها الكتلتان الجاهيليتان ضمن تصارعها من أجل الفوز. وتمثل هذه الدويلات بيادق فوق رقعة اللعب تتفاوت إرادتها ووعيها بما يفعل بها.</p>
</div>
</div>
</div>
<div class="page-wrapper">
<div class="own-size page p55 odd">
<p class="normal_p  "><span class="p">وسنظل لعبا طالما أن الأهواء البدائية والفوارق الصارخة بين دول تدعي الأخوة تقسم مجتمعاتنا وتمزقها. إن ادعاءات العرب تحمل مسؤولية القدس وحدهم، وعجزهم الفاضح عن تكوين نواة لحركة إسلامية موحدة جامعة قد أسف له كل المسلمين على الأرض، كما أن ادعاءاتهم القيام بدور الزعيم الكبير في العالم وفشلهم الذريع قد جردت هذه الأنظمة الفوضوية من كل اعتبار وتقدير في أعين الشعب الإسلامي.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">وانطلاقا من هذا الوضع فإن أعين الحكام الدمى تتطلع إلى إيران في خوف ووجل في حين أن أعين الشعوب الإسلامية ترقبها في أمل. فالمثال الرائع لقومة إخواننا الإيرانيين ووعيهم السامي بالانتساب إلى الأمة التي مصيرها الدفاع عن الإنسانية المحتقرة دون أي اعتبار للفوارق، تمثل أسس النهضة الإسلامية الجديدة، أما أولئك الذين لا يريدون أو لا يجرؤون على مجابهة هذا المستقبل ويساهمون في الجوقة التي تنظمها أمريكا ضد الخميني والثورة الإسلامية، فإنهم يقدمون الدليل على رداءة أسلوبهم في إخفاء ارتباكهم خلف مقطوعات نثرية جامحة وغير متزنة &#8211; وأما هؤلاء «التقدميون» الموجودون بيننا الذين يحتفلون على أعمدة صحفهم بهذه الثورة ليستجدوا بعض الاهتمام في الاستماع إليهم فإن بإمكانهم الدخول بقدم راسخة إلى حلبة التاريخ الذي يتكون باسم الإسلام ولصالح الإنسانية جمعاء. ولن يتطلب منهم الأمر أكثر من مراجعة معتقداتهم، فيهجرون ماركس وفرويد ليرجعوا إلى الله ورسوله، وليكونوا إلى جانب الشعب متجردين من كل الخلفيات وكل أنواع الديماغوجية.</span></p>
<div class="page-wrapper">
<div>
<div class="own-size page p56 even">
<div>
<p class="normal_p  "><span class="p">إن من فضائل الإسلام الخاصة به أن يترك باب التوبة والندم مفتوحا أمام خصومه وأعدائه بالأمس وأن يرفض تصفية الحسابات والانتقامات، بل يرفض حتى النقد الذاتي المشهر به الذي يحط من قدر الإنسان أمام المتفرجين، ويضرب صفحا عن الماضي بمجرد إعادة الخيرات المنهوبة وفتح صفحة جديدة مع الله ورسوله ومع الإخوة في لقاء جديد. ولا غرو أن المجرمين أمثال الشاه البشع ومجموعة الزبانية المتواطئين معه قد استحقوا لما ارتكبوه من شناعات المصير الذي كان ينتظرهم كمنبوذين من قبل الإنسانية لولا التغطية الأمريكية. ومسألة الرهائن لا تكون مشكلة بسبب تمرد شعب في حالة غليانه على القواعد والأعراف الدبلوماسية فقط، بل كذلك بسبب التعنت الأمريكي في علاج المصاعب بالوسائل العنيفة، فهل تفهم روسيا وأمريكا بأن الإسلام لا يطالبهما إلا باحترامه؟ وهل تكفان تحت تهديد الحرب المباشرة بينهما عن إذاية الإسلام والكيد له، بحيث تكف أولاهما عن ضمان وتسليح الصهاينة وتنسحب الثانية من أفغانستان؟ وهل تسمحان معا للاستقلال والوحدة الإسلامية أن تكون حول العالم حزام سلام؟</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">إن تاريخ الجاهليين وطبيعتهم يبينان لنا أن قانون الأقوى هو الذي يحكم العلاقات بين الناس دائما. والإسلام الذي هجم هجومه الرائع على ساحة التاريخ منذ أربعة عشر قرنا لم يعد يعني أخلاقية هزيلة وكومة من الشعوب المائعة وإنما يعني وعدا جديدا واختيارا أمام الإنسانية جمعاء لتتخلص من حضارة الأشياء، تلك الحضارة المادية التي برحت بها الأزمة والتي تقف على حافة الكارثة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">مهم ألا يجرفنا سقوط هذه الحضارة فنسقط بدورنا. المهم أن نعثر على الحكمة التي تمكننا من الإفلات مغيرين المنهاج لنفكر ولنعيد بناء الدولة والمجتمع، فنشغل هذه ونجعل الآخر يعيش في رخاء، وأخيرا لنربي الفرد الإسلامي الذي يتوفر على الكفاءات القلبية والروحية اللازمتين في المؤمن الذي يرغب في الالتحاق بالجماعة الإسلامية.</span></p>
</div>
</div>
</div>
</div>
<div class="page-wrapper">
<div class="own-size page p57 odd">
<p class="normal_p  "><span class="p">ليس هذا هو المكان المناسب ولا الظرف المناسب لأحدثكم عن المنهاج الإسلامي لأن هناك مواضيع جد ساخنة يجب أن توجه اهتمامنا وتحتكره. إن حريق الصحراء مأساة بين مسلمين، وهوحرب أهلية ومحاولة أخرى لتمزيق دار الإسلام. هناك قوميتان بل إن عددها الآن ثلاثة، لأن القوميات تنمو وتتضاعف بين المخالب الاستراتيجية للقوتين الأعظم اللتين تقذف بنا كل منهما الأخرى في الصراع الدائر بينهما.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">أما نحن الإسلاميين الموجودين بالمغرب فلا نملك الحرية للدخول إلى المسجد لنقول للشعب كيف تولد مآسي القوميات داخل عقليات متخلفة، وكيف تندمج هذه العقليات تحت تأثير الحاجة إلى السلاح والمال في السياسة المهيمنة للقوات العظمى. ليست لدينا الوسائل لنصرح أمام الجميع باستنكارنا للحروب المشتعلة بين الإخوة. وليس لنا الامتداد الكافي لندل على الحل الإسلامي الكفيل بإقرار السلام بين أجزاء شعب واحد قسمته مصائب الفوضى السياسية، التي يضمنها الدستور للجميع مع ذلك، لنقترح مشروع الوحدة الذي ينبت في قلوبنا وفي قلوب إخواننا الذين لهم نفس إيماننا بل في قلب الشعب كله وقد علا على كل حدود التفرقة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">ولا يستطيع حكامنا الذين اكتسحتهم عاصفة الأحداث وأبلتهم نار الحركة أن ينتزعوا أنفسهم لفترة من الوقت عن الظروف الآنية ليتأملوا هول هذه المآسي. فهم يصمون آذانهم عن النداء المكتوم لشعبهم الذي ضحى به في سبيل أهواء مدمرة. أما نحن فيفرض علينا أن نلزم الصمت أمام الديمقراطية المعلنة من جانب واحد والتي لا يتعدى نظرها أفق الوطنيات الضيقة المغلقة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">إن القومية ونتائجها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية تعوق سير الإنسان نحو مستقبل كريم حر. فهناك الذين يتحاربون منذ </span><span class="p">خمس وثلاثين سنة لحساب الآخرين وهم المستضعفون في العالم، وهناك الذين يتصرفون في هذه الحروب ويوجهونها منذ اندلاع الشرارة الأولى، ويغذونها ويسيرونها وفق رغباتهم، وهم المستكبرون الأقوياء الذين يريدون توسيع مجال تحركهم، وباعة المدافع الذين يرغبون في تحقيق المزيد من الثراء. لطالما قدمت أرض الإسلام والشعوب الإسلامية في إفريقيا الشمالية وفي غيرها كقرابين للوثن الجاهلي الظمآن لدماء الشعوب.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">وسيلقن الواقع المر لطبقتنا السياسية درسا مؤداه أن من مصلحتها قبل فوات الأوان أن تقدر أطروحاتنا بكل ما تملك من هدوء وجدية واضعة نصب عينها الرجوع إلى الله والتوبة النصوح.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">أبدا لن يكون العنف استراتيجيتنا، ولن يكون الكذب أبدا تكتيكنا.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">سيرد هذا الشعب الإسلامي الذي تنتهب ثرواته ويقتل بحركة لن تقع علينا وحدنا تبعات شكلها السلمي أو العنيف، فليتحمل كل مسؤوليته حكاما ومعارضة.</span></p>
<p class="normal_p  "><span class="p">إن الغد للإسلام وها هو الطوفان يحمل الكثير من الجثث السياسية. فافهموا هذا جيدا. شكرا على انتباهكم.</span></p>
</div>
</div>
</div>
</div>
</div>
</div>


من أجل فتح حوار مع النخبات المغربة 3/3

رسالة الإسلام أو الطوفان

في الذكرى 50 لرسالة الإسلام أو الطوفان

الإيمان قبل الطوفان

التعليم في مشروع الإمام عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

من أجل فتح حوار مع النخبات المغربة 3/3

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

قواعد ذهبية في تربية النَّشْء

الله ابتعثنا

نحن بالله عزتنا لا تهون

12 فبراير 1949 | ذكرى استشهاد الإمام حسن البنا

نموذج الحياة الجماعية

بين يدي “وعد الآخرة”

مقالات ذات صلة