مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

التزكية والدعوة

أسباب الاختلال في شخصية المسلم

أسباب الاختلال في شخصية المسلم

أسباب الاختلال في شخصية المسلم 

يؤكد الأستاذ الإمام عبد السلام ياسين على دور التربية الإيمانية في إصلاح الفرد، فهي قطب رحى الإصلاح؛ ولهذا ينبغي الاعتناء بها، وإعطائها مكانتها التي تستحقها، فبها ينمى الإيمان والطموح، ويصعد الفرد من خلالها صعودا إراديا ومستمرا، ويقترب بذلك من الكمال، وهي قدح زناد في القلب والعقل، إشعال فتيل، تعبئة طاقات فردية لتندمج في حركية اجتماعية. [1]

ويرجع الأستاذ جوهر اختلال شخصية المسلم إلى ابتعاده عن مقصد القرآن الكريم وهدفه وهو التربية الإيمانية، فلا تكاد تجد جهازا علميا أيا كان مستواه إلا وتجده قد حاد في مفهومه ومقصده عن هذا الهدف، ولذا يوصي بتنوير العقل بالعلم وتزكيته بالتربية[2]، وقد عدد جملة من الاختلالات أوجزها في الآتي: 

سيادة الفقر فبالفقر يستسيغ الإنسان ما لا يستسيغ الإنسان السوي في حال اليسر، أحرى إذا كان هذا الإنسان ما زال صبيا، فهنا يعتبر الفقر خطرا يهدد إعادة تشكل شخصيته، والمحافظة على فطرته، يقول الأستاذ: “البؤس الاقتصادي والاجتماعي يولد الانحطاط الخلقي والضلال الروحي. لن تجدي إذن محاولة إحلال سلطان الفطرة مجددا وتربية الناس على الاستقامة الروحية والخلقية ما لم تجتث الجذور المادية للداء. سيظل الإعلان عن برنامج إعادة التأهيل الخلقي إذا لم يواكبه الانكباب على الحياة اليومية للطفولة مجرد نزهة خيالية رائقة”.[3]
انتشار الجهل بمستويين: أحدهما العوز المعرفي الناتج عن حرمان فئات من المجتمع من التعليم، “فشوارعنا آهلة يوما بعد يوم بشباب عاطل، يعاشر ويلوث طفولة لفظها نظام تعليمي عاجز سقيم في ديارنا”[4].والثاني: العوز الأخلاقي الناتج عن ضحالة التربية/التزكية حتى عند أولئك الذين تلقوا قسطا من التعليم النظامي أو غير النظامي أو هما معا، فكثير من مؤسسات التعليم في العالم الإسلامي عتيقة كانت أم حديثة، تعلم لكنها لا تزكي، تلقن لكنها لا تربي؛ تقدم معارف باهتة لم يزنها ألق قيم ولا مهارات، وقليلا ما تجدي المعارف إذا انقطع الحبل السري بينها وبين الإيمان والإحسان.[5]
الظلم السياسي والمجتمعي السائد منذ القدم، ولكن يظهر بشكل أكثر استفزازا اليوم، ظواهر من البطش الاستبدادي والغبن الاجتماعي المجسد في الاستعلاء والاستكبار من الحكام على مجتمعاتهم، ومن فئات بعض المجتمعات على بعض. يقول الأستاذ: “كانت علاقات المسلمين بعضِهم ببعضٍ دائما علاقاتِ تراحم، باستثناء علاقة الحاكم بالرعية التي فسدت في وقت مبكر. لكن منذُ هجم علينا الاستعمار داخلَتْنَا فرديةُ الجاهليين الأنانيةُ، فنَزَعَ منا الاستعمار حريتنا باعتبارنا أمة، ونزع منا حرياتنا أفرادا أثناء حكمه المباشر، وبعد انْسِحَابه وحكم أذنابه. كان التفاوت الطبقي بيننا قبل الاستعمار، في أوساط الرعية، في حدود معقولة. لكن بعد انسحابه الصوريِّ وحكم الطبقات المفرنجة، ظهرت الطبقية الفاحشة. وانزوت علاقات التراحم بين المستضعفين نتيجة لبؤسهم، فإن الفقر يكاد يكون كفرا، وإنَّ العُدْمَ والفاقَةَ يُقسيان القلوب”.[6]
ويحذر من نمط التصنيع والعيش في المجتمعات المبنى على اقتصاد السوق، التي من أهم خصائصها الانتفاع على الغير، “إن الفردية الجافة تهددنا بفساد العلاقات الإنسانية أكثرَ مما هي فاسدة. ومن شأن التصنيع على النمط الغربي، والتنمية عليه، والحكم، والتنظيم الاجتماعي، أن يشجع الفردية الأنانية أو الجزئية كقِطَع الغيار. وباتباعنا لديننا وتعاليمه فقط، وبابتكارنا لنمط التصنيع والتنمية، والحكم والتنظيم الاجتماعي، على ضوء كتاب الله وسنة نبيه، لا نكون رأسماليين أنانيين، ولا قطع غيار في آلة الدولة الشيوعية، ولا أدوات فارغة لا معنى لها في دولة فاشية.[7]

تغير أنماط العيش، وأنظمة الحياة، وأوضاع المجتمعات، وما صاحب ذلك التغير بشتى أبعاده، من تبدل في الرافعات الاجتماعية (العلم والخلق قديما، المال حديثا) ومن اقتضاء حثيث لقيم قديمة جديدة، كأخذ أسباب القوة، هذه القيم لم يتأهل المسلمون، لا تربويا ولا ثقافيا ولا سياسيا لاعتناقها. يقول الأستاذ الإمام: “من الأسباب التي جعلتنا لقمة سائغة لنهّابي الأمم، وموضوعا لقانون السوق والغاب، ومتخلفين في عالم المستضعفين. السبب المشار إليه جملة في قوله تعالى: ﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [8]، يتعين في ضرورة التنمية والتصنيع. ننظر إلى التصنيع من وجهتين اثنتين: إحداهما ضرورة أن يتصنع المسلمون في إطار تنمية متكاملة، إذ لا قوة بلا صناعة قوية، ولا رخَاء يرجى لأمة تأكل ما لا تحرث، وتشتري ولا تبيع،[9] التصنيع ضرورة. واكتساب وسائله اقتحام عقبات. لكن التصنيع ضرورة لصحة الأمة، وخطر على صحة الأمة. كما تلتهم الآلة في المعمل عضو العامل إن غفل طرفة عين أو استهان بمنطق الآلة، كذلك توشك آلة التصنيع ولوازمها أن تلتهم منا الروح فنبقى كبعض الأشباح الهائمة في الدنيا الرجراجة المرتجة بعويل الجائعين وضجيج المصنعين. والله الولي لا غيره.[10]
تضاؤل دور البيت في التربية نتيجة لعوامل منها: ما تنقله وسائل الثورة الرقمية من مشاهد تفتك بضمير الإنسان ونوازعه العلوية، وغياب أي برنامج تربوي وتوعوي. يقول الأستاذ الإمام: “وَلَغَتْ البرامج التلفزيونية في حَرَم الأسرة فزادتها تفكيكا، وشَكَّتْ خرطوم مُنَوَّعاتها المبتذلة النجِسة في أحشائها، وسَرقَت الأطفال من أمهاتهم وآبائهم، وقتلت الوقت فلم يبق لواجب الاتصال الحميم بين الآباء والأبنـاء فرصة ليتصل حبل الفطرة. سبق التلفزيون إلى النفوس الطرية فَنَفثَ فيها من سمومه قبل أن تُتاح الفرصة للكلم الطيب ليصلح بذْرُها ونَماؤُها وثبات نبتها وإثمار فرعها. الأسرة المفكَّكَةُ، والإعلام الخليع، وتخلي الأمهـات والآباء عن واجب التربية الفطريَّة، وجهلهُن وجهلهُم بأصل الدين. لم تَرْضَعْ الأجيال من الأجيال دَرّ الفطرة ولَبَن هداية الوحي وسداد العقل الخاشع لله، المتفكر في آيات الله، العارف بعظمة الله، وبالمعاد إلى الله. وهكذا تبقى الأرضيَّة النفسية خاليةً قاعا صَفْصفاً من غِراس الإيمان، حتى إذا جاءه نداءُ الفلسفة الملحدة أنبتت أشواكَ الشك وحنظلَ الكفر وعَلْقَم الإلحاد”.[11]
سوء أداء المدرسة، بل هندسها الاجتماعية الهادمة، وفشلها بالجملة في الجمع بين إكساب المعارف وغرس الإيمان والإحسان، فالدرس الديني في المدرسة هو إما درس وعظي تلقيني ضئيل الجدوى، لا يتجاوز المطلوب منه حفظ نصوص والإجابة على أسئلة في الاختبارات أو الكف عن الضوضاء داخل قاعة الدرس مثلا، وإما درس مضاد للتربية الإيمانية يمرر برفق من خلال نصوص وممارسات حاملة لدروس خفية أو جلية، هادمة للقيم، وعادة ما يعتبر التلميذ العلم عبئا يجتهد في حمله لكي يتخلص منه في أقرب فرصة، ويستمرئ الارتكاس في طور آخر من أطوار الأمية والتقاعد المعرفي المبكر، ولهذا يوصي الأستاذ الإمام: مهندس المدرسة وبانيها على أن يضع نصب عينيه مواصفات الشخصية القرآنية المطلوب تخريجها، هذه الشخصية تنجمع فيها العلوم حول نواة العلم، أي يوجه فيها القرآن الإنسان.[12] كما يحث على التركيز على الكيف الخلقي بدل الكم: “وتبقى الواجهةُ الأساسيةُ، واجهةُ التربية والتعليم. هذه لا يقاس النجاح فيها فقط بكم الخريجين من المعاهد العلمية التقنية إن كان الخريجون سيبقوْن عاطلين لانهيار الاقتصاد أو لسوء التنسيق بين ما تخرجه المدارس وما تستطيع استيعابه عجَلَة الإنتاج. إنما النجاح بالكيف الخلقي الإيماني المشارِك المسؤولِ الذي يتحلى به جيل كامل أصاب طويلا أو قصيرا من التكوين المدرسي”.[13]

[1]– انظر ياسين، عبد السلام، حوار الماضي والمستقبل، ص 100.
[2]–  انظر ياسين، عبد السلام، سنة الله، ص 45.
[3]– ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، ص 193.
[4]– نفسه، ص 194.
[5]– انظر ياسين، عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، ص536.
[6]– ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، بيروت، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2009م، ص 112.
[7]– السابق، ص 112.
[8]– الأنفال: 61
[9]– ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، بيروت: مطبعة الأفق، ط1/2003م، 1/111.
[10]– نفسه، 1/112.
[11]– ياسين، عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، ص536.
[12]– ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، 2/232.
[13]– ياسين، عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، ص 572.

المصدر: صناعة الإنسان في مشروع التغيير في نظرية المنهاج النبوي، مؤتمر التغيير في نظرية المنهاج النبوي عند الإمام عبد السلام ياسين، مفهومه وإشكالاته وقضاياه، إسطنبول 16 ـ 17 يناير/ كانون الثاني 2016

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد