مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

المدرسة المنهاجية وحوافز التغيير

0
المدرسة المنهاجية وحوافز التغيير

مقدمــــة

في تاريخ تجارب التغيير نظريات وتجارب عملية يؤطرها التحليل المادي والصراع الأرضي، ولا دين سوى تعاليم توصف أنها أفيون للشعوب ووسيلة صرف عن التغيير، وآلية تثبيت لسلطة الحاكم باسم الله، وأخرى تأسست على حمية القوم والعرق… وفي الجانب الآخر أناس قعدت بهم الإرادة عن مجابهة حاكم سعى جهده في أرضنا لتدجين الإسلام وتأويل نقله ليوافق هواه في التسلط بلا حسيب والتوريث بلا رقيب ، جهد أنتج إسلاما منسحبا من ميدان السياسة والمدافعة ومسلمين خرافيين ـ قيل ـ إيمانا بالقدر، ولكل اختيارٍ خلفية و باعث أو دافع أو حافز..

يتساءل الأستاذ ياسين عبد السلام ياسين قائلا :ما يُحركُ الناس؟ من يحرك؟ ماذا في ضمير الرجال الذين يقودون الحركة ؟ ما يدور في جذع الأدمغة المفكرة ؟ ما سِرّ صِحّة الصحيح وعلة العليل في الحركة؟ أي مِثالية تُلقي بظلالها على الموكب المتحرك ؟ ما يعطل حركة هذا وهؤلاء فيتأخرون خطوة وخطواتٍ عن الركب ؟ ما يجمع الناس في العمق ؟ ما يفرقهم ؟ تجمعهم وطنية؟ وتجمعهم طبقة ؟ مصالح ؟ فكر ؟ عقيدة ونية استشهادية ؟… لكل مستوىً من الإدماج حركية تناسبه، وقِرانٌ خارجي يتحكم في اتجاهه ويصارعه….) [1] ليخلص إلى أن روح الحركية والقدرة إنما هو الباعث المتجذر في قلوب الرجال، من غضبٍ على عدوٍّ غاشم، أو مطمَحٍ تعلقت به آمال، أو إرادةٍ ألهَمَتْها عقيدة، أو زحفٍ نهضت له أمة لها في الكون رسالة.) [2]وبالنظر لتلك التجارب من هذه الزاوية، نجد أن بواعث التغيير عند المحلل المادي، حسابات الخبز والشغل والصحة والتعليم… مؤسسة على الصراع الطبقي، روحها الكفر بالدين أفيون الشعوب ومانعهم من التحرر، وما يصنع كل ذلك من غضب يقوى وينظم ليوجه في اتجاه انفجار ثوري عنيف، عقيدة الحتمية التاريخية تحيي في محللنا المادي جذوة الصراع وتضرم ناره، أما المسلم المدجن المنسحب في زاوية الإيمان بالواقع قدرا فلا حافز له، قتلت خرافيته روح الجهاد لديه …

يدعو المنهاج النبوي في توصيفه مرحلة تكوين الأمة وسط الأمة المتبنية مهمة التغيير، إلى تربية المؤمن المتشبع بروح الجهاد، المحيي عزمته، المؤمن الذي تنادي فيه حوافز الإحسان والإيمان والإسلام، ليهب لساحات النزال ، صناعة للتاريخ والآخرة، مؤمن تضعه سنة الله تعالى اليوم في مركز عملية التغيير، فبأي حوافز يخوض النزال؟

نجلس تتلمذا، إلى المنهاج النبوي، يحدثنا عن تفاصيل هذه الحوافز، كما يفهمها ويقترحها على الحركة الإسلامية، عن ترتيبها في وعي المؤمن وموقعها من حركته وخطته وسيره في اتجاه التغيير.

نجلس تتلمذا، علَّنا نجد ما به نداوي العلل، ونسد الخلل..

1ـ الحوافز السامية :

يصف الأستاذ المرشد قيام الإمام الحسين عليه السلام ضد نظام العض الأموي بالقومة النموذجية، وإن كانت دموية، وانتهت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وسَبْي بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم… فكيف نوفق بين النتيجة التي تبدو في حسابات الربح والخسارة المادية كارثية وبين اعتبارها قومة نموذجية واعتبار القائم فيها إمام الأمة جميعا؟ السر في هذا الاعتبار، أن قومة الإمام الحسين عليه السلام كانت قومة لله صافية، حافزها الغضب لله ، يقول السيد المرشد:قومة لله صافية لأن الله أهل أن نبذل في سبيله أنفسنا حيث أمرنا) [3] هي قومة مبادئ، مجردة للحافز السامي وحده، حسابات الربح والخسارة والقوة والتفوق العددي تؤسس على كون الحركة لله وبالله وفي الله أساسا ..

وبقراءتنا للخط السياسي لحركة التغيير الإسلامية الذي يقترحه الأستاذ ياسين، نجد أنه يلح أيما إلحاح على صناعة هذا الحافز وتقويته بحديثه عن أهميته ومعانيه وأسبابه ونتائجه في كل مناسبة، حتى أنه يمكننا القول أن معيار أصالة الحركة الإسلامية وانتساب فعلها للمنهاج النبوي عند الأستاذ ياسين هو مدى مركزية الحافز السامي بتصورها وفعلها التغييري، وبقلوب رجالها ، يقول الأستاذ ياسين عاطفة سامية، همة متجردة لله. حافز سام هو المناسب لأمثال الإمام علي كرم الله وجهه وبارك جنده، وهو الذي وجد نفسه في مصاف القتال وجها لوجه مع عدو في الجاهلية، فيمسك ولي الله سيفه مليا، ثم يثني على المشرك فيقتله، فلما سأله جاره في الصف عن وقفته أجاب أنه تريث حتى يصحح النية كيلا تكون ضربته انتقاما من عدو شخصي…) [4] ، ومن مظاهر هذا الحافز السامي حب في الله وبغض فيه وحب لرسوله صلى الله عليه وسلم وما يلي ذلك من ذكر للموت والآخرة، حوافز سامية، الأصل أنها تقرب لله تعالى وطلب لرضاه وصناعة للمنزلة عنده سبحانه وما سمت بغير هذا القصد ، ومن بركاتها التغلب على عنت ومشقة الطريقوليكن ذكر الموت وما بعدها حافزا، بعد محبة الله ورسوله، لنستهين بما نلقاه من بلاء في جهادنا، وما لا بد منه من بذل أنفسنا وأموالنا استشهادا في سبيل الله.) [5] وإقبال الأمة والتفافها حول الطليعة المؤمنةثقة الشعب رأس مالك، وقابليته للبذل والجهاد في سبيل الله متى استيقظ إيمانه وتنور وعيه رصيدك. فإن كانت ثقتك أنت بالله عز وجل وصدقك معه، وتصديقك لموعوده حافز تحركك كان مما يؤيدك الله به في قومتك من يؤلفهم حولك من المؤمنين والمسلمين. من يؤلف قلوبهم بالإيمان.﴿هو الذي أيَّدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم﴾(سورة الأنفال، الآيتان :62-63)) [6]حوار مع الفضلاء الديموقراطيين صفحة رقم 13[/ref] . من بركاتها اليقين بوعد الله حين يفقد الأمل بين الناس، فيصير اليقين بدوره حافزا على الصبر على البلاء ومظهرا للعبودية لله تعالى يهب به سبحانه الإمامةوجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [7] إمامة وسيادة في الدنيا واستخلاف في الأرض مطلوب عند ذوي الحوافز السامية لا لذاته، بل لكونه أمر الله تعالى وموجب حسن المعاد والزلفى عندهوإن الذي يناجي ربه بالليل يطلب حسنى المعاد والزلفى عند الله فذلك الطلب لُبُّ حياته وغايتُها. حتى إذا أصبح في صف الجهاد انبعثتْ له مسألة ثانية تابعة للأولى مرتبطة بها فهي حسنى بهذا الارتباط لا بنفسها، وهي مسألة النصر والخلافة في الأرض.) [8] وهي الناقوس المنادي في نفوس المنتشين بالفتح :” فسبح بحمد ربك واستغفره” تذكيرا بفضل الله وتأييده…

هذه الحوافز الإحسانية القلبية السامية جعلها مؤسس المدرسة المنهاجية ركنا من أركان الشرط الذاتي لجماعة المؤمنين المغيرة، إلى جانب شرط التنظيم المحكم ووضوح الخط، يعتبر غيابها كارثيا تكون كارثة لا قدر الله إن تجمع المؤمنون ردا لفعل هذا الواقع المرفوض، ولم يكن لهم مشروع من ذات إيمانهم وشريعة ربهم. يمكن تصحيح الأخطاء العرضية التي لا يخلو منها عمل البشر إن كانت الأصول محفوظة، والمنهاج نبويا، دون أن تكون الكبوة سقطة نهائية. لكن إن بنينا على قواعد هشة من الحماس والغضب ضد الظلم المجردين عن الحافز الإيماني الذاتي فالجهود تذهب هدرا، ويطول بعدها شقاء الأمة بسوء تدبيرنا، تجتر مرارة خيبة أملها المعقود على الإسلام) [9]

2 ـ حوافز دنيا :

يقرر الأستاذ ياسين بعد إلحاحه في الشرط الذاتي على الحوافز السامية، أننا سنكون حالمين إن توقعنا قياما للتغيير مجردا للحافز السامي وحده، فـفي أذن الجائع لا يسلك إلا صوت يبشر بالخبز، في وعي المقهور المحقور لا يتضح إلا برهان الحرية، في الأثر: “كاد الفقر أن يكون كفرا” فمن كان شغل يومه ونهاره هَم القوت، والمأوى، والكسب والشغل، والدين، ومرض الأطفال، ومصير الأسرة، لن يستمع لعرض المبادىء العليا ولو كانت دينا يؤمن به، لا وقت له، لا استعداد، لا مناسبة.) [10] ويضيف إن عامة الناس لا تتحرك بالحافز المعنوي الصرف، أعني أن الإيمان إن دعونا إليه متجردين عن هموم الناس، فلن يتبعنا إلا القلة المكفية في أرزاقها، ولن يكون ذلك المجتمع شيئا بعيدا عن الدروشة. جعل الله الحافز المادي دعامة من دعائم الإيمان، لا اكتمال للإيمان في نشوئه وحركته إلا بها. في مقدمة خطوات اقتحام العقبة فك رقبة، وإطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة : أرأيت هذا الحنو على حالة المقهور والجائع ؟ أرأيت التهمم باليوم الشديد والمسبغة الشاغلة ؟) [11] وفي مقام آخر يؤصل الأستاذ ياسين لهذا التفاوت في الحوافز قائلا : يمتزج هذا الغضب السامي في صفوف الشعب مع الغضب الآخر، الغضب ضد الظلم. والامتزاج بين العاطفتين طبيعي ومشروع. فإن الله جلت عظمته يسائلنا آمرا :” ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها” وينهانا العزيز العليم:” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق. يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم” قتال في سبيل الله. عاطفة سامية، همة متجردة لله… ثم قتال في سبيل المستضعفين غضبا على من ظلموهم، وأخرجوهم من ديارهم. قومة لله صافية لأن الله أهل أن نبذل في سبيله أنفسنا حيث أمرنا. وغضبة على أهل القرية الظالمين، على الملإ المستكبرين. في مستوى عال من الإحسان والإيمان مؤمنون يعطون الله الثمن، ثمن الجنة ورضاه، وفي مستوى آخر مستضعفون ينتصرون، والأمر واحد. والموتة واحدة. والصف واحد. وفي الحوافز تفاوت.) [12]

3 ـ بحث عن التوازن :

على أن الأستاذ يحذر من أن تترك الساحة لقيادة الحوافز الأرضية فقط، فتلك في نظره سطحية واختزال، فلئن كان الغضب الشعبي ضروريا لتكوين الموجة العارمة والغضب الجماهيري، فإن قيادة الاعتبار الإحساني للمعركة واجب، وبذلك فقط نرقى من مستوى “الثورة” إلى مستوى “القومة ” لله ، يقول الأستاذ:المحسنون المتجردون لله قلة عددا، والعضل اللازم للقومة غذاؤه الغضب الطبعي. فليكن جهاد المحسنين، وطليعة المؤمنين، أن يحقنوا العضل الشعبي بجرعات إيمانية. وبلقاء الحافزين، وبقيادة الاعتبار الإحساني، وهيمنته، وجدارته وقدرته على ضرب المثال، نرتقي بالحركة عن مستوى الغضب الجماهيري إلى مستوى القومة لله) [13] إذ بحكم هذا الالتقاء بين معاني النضال الأرضي ومعاني الحافز الإيماني ، يقر الأستاذ ياسين أن لا بد من سريان دنيوية الصراع إلى مواقع الحافز الإيماني، فحذار أن ينطمس أمر الآخرة… فكيف نحافظ على التوازن بين وعد الدنيا ووعد الآخرة إيمانا ودعوة؟… وكيف نعارك قوما همهم الدنيا، وحديثهم الدنيا، وفاعليتهم في الدنيا، دون أن يتحول مسار حزب الله عن مطالب الآخرة، ودون أن تكون فاعليته في ساحة الصراع أقل غناء؟ هذا هو السؤال. كان الفُرس لما شهدوا جند الله، من أمثال خالد وأبي عبيدة وربعي الجندي يقولون: “هؤلاء رهبان بالليل فرسان بالنهار! ” يعجبون كيف جمع هؤلاء العرب منذ آمنوا بالله وباليوم الآخر، خصلتين متناقضتين في عرف الناس ومألوفهم. هذا التحول أحدثه الإسلام في العرب بتربية عميقة جعلتهم أوثق بما عند الله.) [14] ونختم برسالة عظيمة يبرقها الأستاذ ياسين لكل عامل للإسلام يؤكد من خلالها على الشرط الذاتي والحافز السامي الإحساني، المستمطر مدد الله وعونه بقلوب مؤمنة ذاكرة، المانع جند الله من الرضى بأنصاف الحلول الفاهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالته المزلزلة “لو وضعوا الشمس عن يميني والقمر عن شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه”يقول حفظه الله: إن انقلب الميزان، وكان طلب الظهور يمسك بالزمام، فالإيمان في تقلص، والجهاد آئل لمعاني النضال الأرضي، والخلافة المزعومة متردية إلى ملك عاض وجبري فغثائية وانهزام.

لا نمل التذكير بهذا ولن نكف عنه، فلأن نرابط في مساجدنا تائبين حامدين ذاكرين تالين مائة سنة حتى يولد إيماننا فَيَشِبَّ فيَقْوَى خيرٌ من مغامرة باسم الإسلام والقلوب فارغة إلا من طلب السيف للتسلط على العباد. لست ممن يقول بإمكان إعداد الرجال في الخدور وبين أساطين الانزواء لكنها نكتة ساقها القلم. والله المستعان.)
[15] والله المستعان ..

[1]حوار الماضي والمستقبل ص 85
[2]المصدر نفسه
[3]المنهاج النبوي ص 340
[4]المنهاج النبوي ص 340
[5]المنهاج النبوي ص 176
[6]حوار مع الفضلاء الديموقراطيين صفحة رقم 13
[7]سورة السجدة، 24
[8]مقدمات لمستقبل الإسلام ص 45
[9]المنهاج النبوي ص 221
[10]“كاد الفقر أن يكون كفرا”: مشهور من كلام إلامام على كرم الله وجهه. وقد رفع في رواية.الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية ص 13
[11]الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية ص 13
[12]المنهاج النبوي ص 340
[13]المصدر نفسه
[14]الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية ص 20
[15]مقدمات لمستقبل الإسلام صفحة رقم-45

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد