post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

إذا كانت المباشرة والوضوح من أهم مميزات الشعر عند عبد السلام ياسين، فإن للمكون البلاغي أهميته القصوى كذلك في هذا الشعر. وجدير بالإشارة هنا إلى أننا لسنا معنيين بالإطناب في تتبع واستقصاء كل معاني ومفاهيم الصور البلاغية وأنواع التشبيهات وأصناف الاستعارات كما هي عادة من يقدم من الباحثين على مقاربة النصوص الإبداعية من هذه الجوانب, لكن حسبنا أن نشير-هنا- إلى أن هذه العناصر تشكل- من ضمن عناصر أخرى- بنية اللغة الشعرية عند عبد السلام ياسين, حيث إن مجرد الموضوع المعالج في النص الإبداعي يشكل عنصر جمال وتأثير، حسب ما لاحظه الدكتور عباس الجراري <a id="_ednref1" href="#_edn1">[1]</a>.



إن بلاغة النص الشعري عند عبد السلام ياسين مشتقة من بلاغة النص القرآني والحديثي، حيث إن للتشبيهات دورا وظيفيا في تقريب الصورة وتوضيح المفهوم للمتلقي.. أما الاستعارات والكنايات فتكاد تكون هي الأخرى دارجة أو مشتقة هي الأخرى من استعارات وكنايات القرآن والحديث النبوي، كما يتضح ذلك من هذه النماذج׃



قل الحق لا تخش الملامة واحترز *** من العجب والإدلال بثنيك عن قصد وكن مثل سيف جال في ساحة الوغى *** ولكنه بعدها صين في غمد أو الطائرات القاتلات تبوأت *** مكامنها منها تحفز للرد واضح هنا أن الشاعر يشبه الشخص الذي يصدع بقول الحق من غير خشية أو عجب، مما يمكن أن يفسد النية الخالصة في طلب وجه الله بذلك، بالسيف الذي يستعمل في القتال ثم يصان في غمده وكأنه لم يستعمل قط في أي شيء، أو بالطائرات القتالية الدفاعية التي تكمن في مطاراتها وهي في حالة التأهب للرد على العدوان.. وهو كما نلاحظ تشبيه حسي مكتمل الأركان.





وبنفس الطريقة يقرب لنا صورة الغافلين حين يقول׃



في سبات النسيان أنت طريح *** مطفأ كالسراج أطفأ زيته جاءك النور فانتحيت ظلاما *** دامسا يائسا بئيسا سكنته



فيشبه الإنسان الغافل عن الله بالسراج المطفأ لأن زيته قد نفد، والزيت هنا هو الإيمان وذكر الله الذي ينير قلوب المؤمنين، والظلام هو ظلام الغفلة والمعاصي والذنوب، وهو أشبه ما يكون بالبيت المظلم. وقريب من ذلك قوله׃



ذكر الإله صقال رين قلوبنا *** وثوى المغفل في ظلام هواه بينا تراه يصر في لذاته *** وفجوره جاء الردى فطواه



حيث يزيد على النموذج السابق تشبيهه عمر الإنسان بالورقة التي يطويها الموت وهو سادر في غفلاته، بل إن هذا العمر لن يكون ذا قيمة في غياب القرب من الله تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى الورق الذي يستنفد صلاحيته فيضحي تافها يمزق أو يرمى في سلة المهملات׃



ولكن إذا لم تفز بالإله *** وفاتك قرب وتحقيقه فعمرك قرطاس لف ذوى *** يجوز لمن شاء تمزيقه وفي الجملة؛ فإن هذه الاستعارات والتشبيهات والكنايات كلها في المتناول لبعدها عن التعقيد، ولعدم إغراقها في التجريد، حيث إن لها دورا وظيفيا في النص لإسهامها في تجلية المعنى وتوضيحه وتقريب صورته إلى الأفهام الشيء الذي يقترب كثيرا من التصوير الفني في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف.





ولابد أن نشير-هنا- إلى أننا لم نستقص كل أنواع التشبيهات والصور البلاغية في المتن الشعري المدروس, بل إننا قد اقتصرنا على نماذج نوعية دالة على طريقة اشتغال هذا المعطى البياني في بناء النص الشعري.



وفي سياق البناء البياني للنص الشعري-دائما-لا يفوتنا أن نشير إلى أن كل المتن الشعري׃ من منظومة وشذرات وقطوف ووصية<a id="_ednref2" href="#_edn2">[2]</a> تسبح أبياتها في فضاء دلالي رحب مختزلة إياه في الغالب، ذلكم هو فضاء المشروع الفكري المنهاجي المتمثل في مجموع ما كتبه عبد السلام ياسين منذ أزيد من ربع قرن من الزمان، مما جعلها ذات وحدة معنوية وانسجام داخلي. ومع ذلك فإن القارئ غير المطلع على المشروع الفكري لعبد السلام ياسين قد يعتبر هذه الأشعار مقطعات مبعثرة لا جامع بينها. والواقع أن ارتباط بعض المقطوعات ببغضها أوضح من أن يوضح، حيث يصل الأمر إلى حد استئناف المعنى في عدة مقطوعات متتالية مما يشكل وحدة معنوية، وعضوية –أحيانا- حتى مع اختلاف في الوزن والقافية.. ويكفي أن نمثل لذلك بنهاية وبداية قطفين متتاليين حيث يقول في نهاية القطف (72)׃



فصلِّ على المختار، رب، وأحيني *** لأبصر نورا للخلافة ينجلي



ثم يقول في بداية القطف (73)׃



فجر الخلافة لاح في الأفق القريب *** شمر لتخرج من تماطلك المعيب



وهذا كله يدل على أن الصنعة لم تكن تلقائية في كل الأحوال، بل كان مقصودا إليها ومتعمدة في كثير من الأحيان، وربما اتضح هذا التصنع أكثر عندما يتعلق الأمر بالمكون الإيقاعي في هذا الشعر من أوزان وإيقاعات وجرس موسيقي متأت من تكرار بعض الحروف وكذلك من الجناسات المبثوثة في ثنايا المتن الشعري.


<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity" />


<a id="_edn1" href="#_ednref1">[1]</a>الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه ص162-163. ط/1 ׃ 1979 (في سياق تناوله للشعر الذي قاله المغاربة بوحي من المولد النبوي، فقد لاحظ أنه &#8220;أبدا نابض بالحياة وبغزارة العاطفة وحرارتها، وهو بذلك قادر على أن يثير نفس الأحاسيس عند متلقيه، والسبب في ذلك عائد إلى حب الرسول ومدى التعلق به.&#8221; ) <a id="_edn2" href="#_ednref2">[2]</a>أقصد المجموعات الشعرية المذكورة أعلاه مع العلم بأن قطوف بدورها تتكون من تسع مجموعات, أما الوصية فهي متضمنة في كتيب, كان قد أعدها الشاعر نثرا ونظما للتوزيع على منتسبي جماعته وعلى عامة المسلمين بعد وفاته.

المكون البلاغي في شعر عبد السلام ياسين

هدنة بطعم الانتصار

أدب وفن

المكون البلاغي في شعر عبد السلام ياسين

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

المكون البلاغي في شعر عبد السلام ياسين

مقالات ذات صلة