post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الحمد لله الذي تلطف بعباده، وتعبدهم بالتطهر ظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على سيد المتطهرين حسا ومعنى وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين رضوان الله عليهم أجمعين.



&nbsp;&nbsp;&nbsp;من عظمة الإسلام تشريع أحكام وتعاليم وقواعد ربانية في سموها وقدسيتها نبوية في بيانها وتفصيلها، تنظم السلوك البشري الفردي والجماعي، لتكون في مجموعها منظومة تشريعية متناسقة ومتوازنة، ومنهج حياة كامل وشامل لا يهتم بمجالات الحياة العامة فحسب، بل يولي عناية بمجالات الحياة الخاصة، ومن ذلك العناية بالطهارة والنظافة.&nbsp;



<h1 class="wp-block-heading">في معنى النظافة</h1>



النظافة هي الطهارة والنقاء من الأدران والأوساخ وكل مستقذر، وتشمل نظافة الأبدان والثياب والبيوت والمرافق المختلفة، حفاظا على جمال المظهر وحسن الهيئة، وسلامة البيئة والمحيط. ولا تقتصر النظافة على الجانب الحسي والمادي بل تتعدى ذلك لتشمل الجانب المعنوي بصفاء القلب ونقائه وحسن النية والقول، ما يعكس جمال النفس اتصافا بمكارم الأخلاق وجمال القلب حرصا على سلامته وحفظا للفطرة التي فطر الله عليها الإنسان. ولأهمية النظافة والطهارة جعلها الإسلام من الأحكام الشرعية والقيم الدينية التي ترتبط بعقيدة المسلم والمسلمة وإيمانهما، وبتدينهما الفردي والجماعي في بعده الاجتماعي والحضاري.



<h1 class="wp-block-heading">في تأصيل النظافة</h1>



قال الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ (البقرة: 220)، فنال مقام الثناء والمحبوبية التوابون من ذنوبهم على الدوام، والمتطهرون التطهر الحسي والتطهر المعنوي. ولقد دعا القرآن الكريم إلى التطهر لأداء الصلاة بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ (المائدة: 7)، وقال عز وجل آمرا نبيه الكريم ﷺ بتطهير الثياب: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ (المدثر: 4-5).



<a></a>&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;وقد وجه المعلم المربي ﷺ&nbsp;أمته إلى الطهارة والنظافة في أحاديثه الشريفة، فندب إلى العناية بخصال الفطرة، وحث على الاغتسال يوم الجمعة، وعلى العناية بنظافة الشعر والفم، فكان يستاك قبل كل صلاة، ولم يفته ﷺ الاهتمام بنظافة البيئة والمحيط حين أمر باتقاء الملاعن الثلاثة، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: &#8220;اِتَّقُوا المَلاعِنَ الثَّلاثَةَ: البُرازُ في المَوارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّريقِ وَالظِّل&#8221; (رواه أبو داود)، كما جعل الطهور شطر الإيمان، وإماطة الأذى عن الطريق من شعبه لتدل على مشاركة المؤمن والمؤمنة في الحياة العامة بإزالة الأذى الحسي والمعنوي.&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;فمن الإحسان العناية الفائقة بالنظافة والطهارة استيفاء واستكمالا لشروطها الشرعية، لكونها سبيلا للطهارة القلبية، يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين: &#8220;لا تفتح طهارة بدنية ناقصة باب الصلاة وباب الدين وباب الإيمان وباب الإحسان كما لا يفتح الأقفال مفتاح مقطوع الأسنان&#8221;<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_edn1">[1]</a>، وقال: &#8220;تكمل الطهارة الشرعية بالنظافة العرفية&#8221;<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_edn2">[2]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">في عناية المؤمنة بنظافة بيتها&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;</h1>



إن نظافة البيت مسؤولية مطلوبة من المرأة، يعينها الرجل، ومن باب الإحسان أن تتصدى المؤمنة لهذه الخصوصية بإتقان، حاملة من مشقة ذلك مثلما يحمل الرجل من مشقة الكد خارج البيت، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: &#8220;أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ، وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، &#8230;وَالمَرأَةُ رَاعِيَةٌ عَلى بَيتِ بَعلِها وَوَلَدِهِ، وَهِي مَسؤُولَةٌ عَنهُم&#8230;&#8221; (متفق عليه)، فالمرأة نقية أنيقة لا تهمل نفسها أو أفراد أسرتها أو بيتها، ولا تنساهم في غمرة الأعباء التي تحملها على عاتقها، إيمانا منها بأن رضى زوجها وأفراد أسرتها من رضى ربها. فبيت المؤمنة والمؤمن قبلة للضيوف من الأقارب لتمتين روابط القرابة والرحم، وقبلة للمؤمنات والمؤمنين والواردات والواردين ممن ترجى استجابتهم للدعوة لتوثيق صلات الأخوة الإيمانية،&nbsp;&nbsp;فتطهيره وتنظيفه وفتحه مع فتح القلب واجب ديني، واقتداء بنماذج الكمال والاستقامة الذين ضربوا المثل في ذلك بدءا من البيت النبوي النموذج في النظافة واحتضان الدعوة وتربية الأجيال، ومرورا بالبيت الأرقمي وسائر البيوت الأرقمية على امتداد الأجيال، قال ﷺ: &#8220;إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ , نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ , كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ , جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ , فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ , وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ , تَجْمَعُ الْأَكْبَاءَ فِي دُورِهِمْ&#8221; (رواه الترمذي).&nbsp;



يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;نعم بيت المؤمنة ينبغي أن يتسع ويتسع خاطرها للواردين على الدعوة&#8221;<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_edn3">[3]</a>، فتبذل المؤمنة طاقتها وجهدها، وتسخر ملكاتها وقدراتها في حسن القيام على شؤون مملكتها، لتجعل من بيتها خير البيوت وأسعدها، وأكثر استقرارا وارتقاء وبركة، أسند الثعلبي أن عليا رضي الله عنه قال: &#8220;طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يجلب الفقر&#8221;، وقال ﷺ: &#8220;لَا تَدخُلُ المَلائِكَةُ بَيتًا فِيهِ الكُناسَةُ&#8221; أي وساخة أو ما تكنسه بالمكنسة تضعه وراء البيت وتضع فوقه المكنسة، كما أن غسل الإناء وكسح (كنس) الفناء مجلبة للرزق.



<h1 class="wp-block-heading">في الحاجة إلى الاقتداء بالكاملات في خدمة البيت</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;تبحث المؤمنة عن الكمال في كل أمورها، لتكون شامة بين الناس، تحرص على النظافة الكاملة لبيتها، لكل ركن من أركانها، وتهتم بالطعام والشراب، وتغطي الأواني عملا بالوصية النبوية: &#8220;غَطُّوا الإِناءَ وَأَوكِئُوا السِّقاءَ&#8221;، وتقتدي في خدمة بيتها بالنماذج الكاملة من بيت النبوة وبيوت الصحابيات رضي الله عنهن.



خرجت الصحابية أسماء بنت يزيد الأنصارية من عند رسول الله ﷺ مكبرة مهللة، حين أخبرها المبعوث رحمة للعالمين أن ما تقوم به في خدمة بيتها من تنظيف وطهي وتربية الأبناء، تعادل حضور الجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنائز والحج بعد الحج والجهاد في سبيل الله، إنها معادلة نبوية مرقاة الصعود في مدارج الإيمان.&nbsp;



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;أما سيدة نساء الجنة فقد كانت رضي الله عنها تطحن حتى مجلت يداها (انتفختا) وأثر حبل القربة في نحرها الشريف وأغبرت ثيابها من الكنس. فاطمة الزهراء رضي الله عنها التقية النقية حين اشتكت قال لها ﷺ: &#8220;اتَّقي اللهَ يَا فَاطِمَة، وَأَدي فَريضَةَ رَبِّكِ، وَاعمَلي عَمَلَ أَهلِك&#8221; (رواه الشيخان)، وعلمها الأذكار دبر الصلاة، وأن تقولها إذا آوت إلى فراشها، تسبح ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر مثلها. خريجة بيت النبوة الشريفة العفيفة اختارت أن تمد يد العون لزوجها علي رضي الله عنه حبا وكرما، فأشفق عليها وطلب من الرسول ﷺ أن يساعدها بخادمة، فوجههما إلى الخالق عز وجل تسبيحا وحمدا وتكبيرا وطلب عون، ولم يسعفهما بخادمة.



وما أجمل صبر أمنا خديجة رضي الله عنها وتحملها المشقة صعودا إلى النبي ﷺ في أعلى جبل، وما أعظم المكافأة والثواب من الله عز وجل في لحظة القيام بخدمة زوجها. سلام من الله عليها ومن جبريل عليه السلام، وبيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب.



وقد حضر رسول الله ﷺ حفلة عرس عروس أم أسيد وخدمتها للحضور بنفسها، فأتحفته ﷺ بثمرات بلتها وقدمتها إليه في تور مصنوع من حجارة.



<h1 class="wp-block-heading">ختاما</h1>



لئن كانت النظافة والطهارة أمرا شرعيا حض عليه القرآن وحثت عليه السنة النبوية الشريفة، فإنها بالاقتداء بخير نساء طلعت عليهن الشمس تكتسي أهمية قصوى في سلوك المؤمنة إلى الله، فالنظافة والطهارة مفتاح العبادة، وسمت الدعوة.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_ednref1">[1]</a>. ياسين، عبد السلام. تنوير المؤمنات، ج 1، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط4، ص 286.



<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_ednref2">[2]</a>. المرجع نفسه، ج 1، ص 287.



<a href="applewebdata://7236A315-CB6E-4379-915F-F34E16745DC0#_ednref3">[3]</a>. المرجع نفسه، ج 2، ص 123.

المرأة والأسرة

النظافة خدمة للبيت وسمتا للدعوة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

النظافة خدمة للبيت وسمتا للدعوة