post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

في مثل هذا اليوم (13 دجنبر 2012) قبل سنتين، رحل الإمام المجدد ومؤسس جماعة العدل والإحسان الأستاذ عبد السلام ياسين، الذي وضع اللبنة الأولي لتأسيس الجماعة مع صاحبيه الأستاذين محمد العلوي وأحمد الملاخ رحمهم الله رحمة واسعة. بكت السماء والأرض على فراقك سيدي. وكيف لا تبكي عليك الأرض وقد عمرتها بالركوع والسجود! وكيف لا تبكي عليك السماء وقد كان لتسبيحك وتكبيرك فيها دوي كدوي النحل! رحل الإمام وبكى عليه مُصلاه من الأرض التي كان يعبد الله عليها، وأبواب السماء التي كان يُصعد فيها بأعماله. في هذا اليوم أسلم الروح لبارئها سبحانه، لتستقر إن شاء الله في جنان الخلد مع النبيئين والصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا. في هذا اليوم مات رباني هذه الأمة، ولعل الله عز وجل أن يجعل في الإمام المجدد مثله خلفاً فقد كان العالم الراسخ في العلم والدين. فقد كان يحمل في قلبه الكبير هموم الإسلام والمسلمين، ورحم الله من قال: إن النفوس إذا كانت كبارا تعبت في مرادها الأجسام- الشاعر المتنبي [ref].[/ref] 
كان الإمام رحمه الله ربانيا فقد اتفق على وصفه بذلك كل من عرفه أو كتب عنه، وصدق من قال: (ألسنة الخلق أقلام الحق)، و عن أبي ذر رضي الله عنه قال: &#8220;قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه قال تلك عاجل بشرى المؤمن.&#8221; [ref]- صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب[/ref] قال الله تعالى أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. [ref]- سورة يونس، الآيات 62 &#8211; 64[/ref] كان رحمه الله من العلماء الربانيين الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم وقد وقف سداً منيعاً أمام الفساد والمفسدين على اختلاف رتبهم، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ،-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: &#8220;أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ، أَنْ يُقَالَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكَّرَ بِعَظِيم&#8221;، [ref]- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا[/ref] ويقول الإمام ابن قيم الجوزية-رحمه الله- في شأن العلماء الرَّبانيين- بأنهمورثة الرسل وخلفاؤهم في أممهم، وهم القائمون بما بعثوا به علماً وعملا ودعوة للخلق إلى الله على طرقهم ومنهاجهم، وهذه أفضل مراتب الخلق بعد الرسالة والنبوة .. وهؤلاء هم الربانيون وهم الراسخون في العلم وهم الوسائط بين الرسول وأمته فهم خلفاؤه وأولياؤه وحزبه وخاصته وحملة دينه.) [ref]- طريق الهجرتين 1/516[/ref] رحل الإمام المجدد وقد ورث النبي صلى الله عليه وسلم علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ، لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما وَرّثوا العلمَ، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ)&#8211; رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 6297 قال العلامة المناوي رحمه الله في فيض القدير: لأن الميراث ينتقل إلى الأقرب وأقرب الأمة في نسبة الدين العلماء الذين أعرضوا عن الدنيا وأقبلوا على الآخرة وكانوا للأمة بدلاً من الأنبياء الذين فازوا بالحسنيين العلم والعمل وحازوا الفضيلتين الكمال والتكميل)، فالميراث يُؤخذ من أهله ولا يُؤخذ من غيرهم، وأعلم الناس بالميراث وتفاصيله هم أهله الوارثون له. رحل الإمام المجدد ولم يغتر بالدنيا وزخرفها أو اللهث وراء مطامعها وشهواتها على حساب دينه ودعوته. قال تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ. [ref]- السجدة 23[/ref] رحل الإمام المجدد وترك لمحبيه فيضا من العاطفة يغمرها دفئا وحنانا، والأهم من ذلك كله أنه ترك مشروعا متكاملا يصطلح عليه بالمشروع المنهاجي تربية ودعوة وسياسة. رحل الإمام وقد كان القرآن مصدره الأول، الذي يستمد منه ويعتمد عليه ويرجع إليه، ويستمتع به، ويعيش في رحابه، ويستخرج منه اللآلئ والجواهر. رحل الإمام وقد كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أسوته في هديه وسلوكه وحياته كلها، واتخذ سيرته نبراسًا له في تعبده وزهده وإعراضه عن زخارف الدنيا وزينتها. رحل الإمام وقد حباه الله بخصال شخصية قلما تجتمع في إنسان واحد، وقد أهلته هذه الخصال الشخصية والمواهب التي حباه الله بها لأن يصبح المجدد الوارث الكامل. كان العالم العامل المعلم للناس الداعي إلى الله على بصيرة. قال سيدنا علي رضي الله عنه في وصيته المشهورة لكُمَيل بن زياد يصف فيها الربانيين: أولئك هم الأقلُّون عَدداً الأعظمون قدراً، بهم يحفظ الله حججه حتى يودعها نُظراءهم ويزرعها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الإيمان فباشروا روح اليقين، واسْتَلانوا ما استوعره المترفون، واستأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلَّقةٌ بالملأ الأعلى، يا كميل أولئك أمناء الله في خلقه، وخلفاؤه في أرضه، وسُرُجُه في بلاده، والدعاة إلى دينه، وا شوقاه إلى رؤيتهم، أستغفر الله لي ولك.) [ref]- أخرجه أبو نعيم في الحلية 1/79-80، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/182 &#8211; 183 (176)، والمزي في تهذيب الكمال 24/220[/ref] رحل الإمام المجدد وقد قضى عمره مدافعا عن أقدس قضايا المسلمين في هذا العصر، وهي قضية فلسطين، قضية الأقصى المبارك والقدس الشريف. رحل الإمام المرشد والقائد وبقيت مدرسة العدل والإحسان تحمل رسالة الحق والقوة والحرية، وتتوسع على امتداد العالم بأسره. رحل الإمام ولم يترك محبيه حائرين، بل ترك لهم مدرسة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن ربها أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [ref]- ابراهيم 24 &#8211; 25[/ref] مدرسة العدل والإحسان نور يهتدى بها في الطريق إلى الله تعالى .. ونبراس يستضاء بها في السير إلى الدار الآخرة. هذا غيض من فيض مدرسةِ الإمام، المدرسةِ التي أتعب نفسه من أجلها حتى أينعت وترعرعت فأنبتت نباتا حسنا، وملأت الدنيا إيمانا وعملا بالقرآن. ها نحن يا سيدي، نشهد أقلام المفكرين تنكب على إعادةِ دراسة مشروعك المنهاجي تربية ودعوة وسياسة، ويُدهَشون عندما يكتشفون، كأنهمْ يقرؤنه لأول مرة. عامان على الفقد ويكبر الحنين ويعظم الشوق. ونلت يا إمامنا العظيم ما اشتهيت .. إلى السماء سيدي قد ارتقيت.. إلى جوار الله سيدي.. لقد علوت. رحم الله الإمام المجدد رحمة واسعة

التزكية والدعوة

رحل الإمام وبقيت مدرسته

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

رحل الإمام وبقيت مدرسته

مقالات ذات صلة