هو الإمام عبد السلام بن محمد بن سلام بن عبد الله بن ابراهيم، كان مولده صباح يوم الإثنين الرابع من ربيع الثاني سنة 1347 هجرية الموافق للتاسع عشر من شتنبر/أيلول 1928 ميلادية. كان أبوه رحمه الله فارساً من فرسان قبيلة “أيت زلطن”، ينتمي إلى أسرة شهيرة في الجنوب تدعى آيت بهي، وهي التي كان لها صيت وذكر في تاريخ المغرب. كان من رجال هذه الأسرة – وهم أشراف أدارسة أصلهم من ناحية بلدة تسمى “أولوز”[ref]أولوز: منطقة صغيرة تابعة لإقليم تارودانت، تبعد عن مراكش حوالي 200 كلم إلى الجنوب.[/ref]بل من أشهرهم “القائد عبد الله ولد بهي”[ref]يلتقي به نسبه في الجد الرابع.[/ref] الذي كانت له الرئاسة على اثنتي عشْرة قبيلة وكان له أعمام وأقرباء رؤساء. فلما قتله السلطان محمد بن عبد الرحمن، ظلت الأسرة تحت وطأة الملاحقات.
كان والد الإمام يعمل فلاحاً، ثم خرج من بلده “حاحا” مضطرّاً لِما كان يحيط به وبأسرته عامة من مؤامرات مخزنية؛[ref]المخزن رمز للسلطة المستبدة في تاريخ المغرب.[/ref].فقد أُخبر بأن “القائد”[ref] مسؤول السلطة المحلية[/ref].عزم على اغتياله رغبة في طي صفحة من صفحات أسرة مجاهدة. فكان من أمره رحمه الله أن خرج اتقاءَ المكيدة، واستقر آخر الأمر في مراكش، وتزوج على كِبَر، وقد تجاوز الخمسين، من ابنة عمومته الحاجة رقية بنت أحمد رحمها الله.[ref]توفيت يوم فاتح جمادى الأولى 1407 هجرية. [/ref]
نشأ الإمام في بيئة بدوية وحضرية في آن واحد؛ فعلى الرغم من إقامة الأسرة الصغيرة بمدينة مراكش،[ref]كان الإمام وحيد والديه بعد وفاة أخته الكبرى.[/ref]فقد كان اتصالها بالبادية مستمراً، وكان الطفل يتردد على البادية ويرى كيف يعيش الناس فيها قريبين إلى الفطرة، مندمجين في حياة منسابة انسياب الماء العذب في ساقية ممتدة، لا تعوقها حواجز المدينة ومنغصاتها الاجتماعية. وكان لاتصال الطفل بالبادية وأجوائها البيئية والاجتماعية، أبلغ التأثير في حياته.
ومع هذا وذاك، كان الإمام يكابد في طفولته أمراضاً كثيرة تركت جروحاً غائرة في أعطاف ذاته الكريمة؛ قال موضحاً:“نشأت في أمراض متعددة كثيرة في حضن أسرة بدوية التكوين على كل حال، قليلة الوسائل. كان التطبيب بالنسبة إليها أعشاباً من هنا وهناك، فمررت في طفولتي بأمراض شديدة”[ref]عبد الكريم العلمي ومنير الركراكي، حوار شامل مع الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين، دار العدل والإحسان للنشر، الطبعة الأولى 2014، ص 16.[/ref]
وعلى لسان الإمام رحمه الله تتدفق معاني الإيمان الفطري الراسخ في وجدان الطفولة: “كان جَد والدتي من أمها رحمهم الله جميعا مؤذنا في قريته. فمنذ عقلتُ وأنشودة شلحيَّةٌ تداعِبُ أذني. لا يزال رَنينها في أسماعي إلى الآن. لا يزال حنان الأم ولُطفُ العناية ممتزجا بالنغمة والكلمة والوزن والإيقاع. سمعت الجدة رحمها الله من المؤذن، وسمعت الأم رحمها الله من الجدة، وسمعتُ ووَعيتُ.[ref]عبد السلام ياسين، حوار مع صديق أمازيغي، مطبوعات الأفق-الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1997، ص 298.[/ref]
أضف تعليقك (3 )