post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

&nbsp;&nbsp;&nbsp; التفكير المنهاجي نظرٌ مُسْندٌ ومُسَدَّدٌ، مُسْنَدٌ بمنهاج النبوة الذي يُمَثِّلُ النموذج التطبيقي للقرآن، ويؤسِّس بذلك لتلازمية الشِّرعة والمنهاج مصداقا لقوله تعالى: [لكل جعلنا منكم شِرعة ومنهاجا] (سورة المائدة: 50)، ومُسدَّدٌ بالفقه الجامع المستَمَدِّ في كلياته وجزئياته منهما في استفادة نبيهة من الحكمة البشرية أنى وجدت، وممن صدرت، وقراءة واعية لمجاري الأقدار في العالم.



&nbsp;&nbsp; والتفكير المنهاجي وإن كان تنظيرا يضع تأسيسا نظريا يستند إلى الماضي، ويستحضر الحاضر، ويستشرف المستقبل، فإنه ألصق بالتنزيل؛ ذلك أن الرؤية المنهاجية التي ترسم مدى أرحب وأوسع وأعمق وأطول، تحمل خاصية الإجرائية التي تُحَوِّلُ ما نُظِّرَ له إلى إنجازات عينية في أرض الواقع. لذلك فالحاجة ماسة لقواعد تؤطر الفهم والعمل، والخطاب والممارسة، يمكن عرضها في شكل ثنائيات مَيْسَمُها التوازن والتكامل والتساند.



<h1 class="wp-block-heading">الأمر الشرعي والأمر القدري</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp; فاتحةُ القواعد المؤطرة للتفكير المنهاجي ثنائيةُ الأمر الشرعي والأمر القدري التي تقعِّدُ لنَظَرٍ مُزْدَوَج ينظر إليهما بعينين، وقراءةٍ مُتزامنةٍ تجمعهما في نَسَقٍ واحد، فمن أغْمَضَ عيناه عن الشرع مكتفيا بإبصار القدَر، أو العكس كانت قراءته ناقصة<a href="#_ftn1" id="_ftnref1">[1]</a>.



&nbsp;&nbsp;&nbsp; لقد دعا القرآن الكريم إلى الاهتداء بالأنبياء وخاتمهم<a href="#_ftn2" id="_ftnref2">[2]</a> -صلوات الله عليهم وسلامه- في تنزيل الأوامر الشرعية على واقع الناس في تلمذةٍ تُمثل &#8220;خروجا عن نطاق الشرائع الوضعية&#8221;<a href="#_ftn3" id="_ftnref3">[3]</a>، ولا تلغي الأسباب الأرضية ولا طبيعة النفوس البشرية مُزايلة للتفسيرين المادي والسيكولوجي، إذ &#8220;لسنا ونحن ننظر إلى سنة الله بمنظار القرآن والحديث مع التفسير المادي ولا مع التفسير السيكولوجي للتاريخ، لأن هذا الأخير يهمل الأسباب الأرضية، ويعطيها التفسير القرآني النبوي مكانتها من زاوية تأثيرها سلبا وإيجابا على شعور الناس وسلوكهم&#8221;<a href="#_ftn4" id="_ftnref4">[4]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">التغيير الأنفسي والتغيير الآفاقي</h1>



&nbsp;&nbsp; يُؤَصِّلُ هذه القاعدة الربانية في التغيير قوله تعالى: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم] (سورة الرعد: 12)، فيزدوج فقه التغيير الأنفسي بفقه التغيير الآفاقي في &#8220;آفاق الرؤية القرآنية النبوية الهادية أنفُسِياً إلى الربانية، إلى الإيمان والإحسان والذكر والجهاد، الهادية آفاقيا إلى الخلافة الثانية على خط مستقيم بالثقة في الله تعالى وتبارك وموعوده، متعرجة ملتوية مشتبكة على خطوط سنة الله وحكمته في الأرض&#8221;<a href="#_ftn5" id="_ftnref5">[5]</a>. ولا تغيير بدون تعبئة، و&#8221;التعبئة جهاد نفس، إصلاح ذات قبل مناداة غيرٍ&#8221;<a href="#_ftn6" id="_ftnref6">[6]</a> ليصلُح في ذاته ويتغير ليخوض مسيرة التغيير والبناء نحو &#8220;مستقبل نقترحه نحن على التاريخ، ونصنعه، ونخترعه على هدى من الله وبإذنه&#8221;<a href="#_ftn7" id="_ftnref7">[7]</a>، في احترام لقوانين الله في الاجتماع والتاريخ، وإعداد للقوة، واستعداد للآخرة في مسرح الحياة الدنيا<a href="#_ftn8" id="_ftnref8">[8]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">الاستفتاح الغيبي والاستفتاح الميداني </h1>



&nbsp;&nbsp; إن تطبيق القاعدة السابقة رهين باستفتاحين، الاستفتاح الغيبي دعاءً لله واستمطارا لمدده، ووقوفا في محراب العبودية له، واستنصارا له، واستدرارا لعونه وتوفيقه<a href="#_ftn9" id="_ftnref9">[9]</a>، والاستفتاح الميداني عملا دؤوبا، وإنجازا عينيا مسؤولا ومشهودا، وصبرا ومطاولة سلمية مُغَيِّرة، ذلك أنه &#8220;ينبغي مع توقع المدد الإلهي الخاص أن نتزود بالصبر، ونعول على المطاولة، ونتوغل في الواقع بحزم في غير عنف ولا تسرع، ونوغل في الدين برفق. من يريد أن يغير الواقع في لحظة، ويرفع الموجود بضربة ليحضر مكانه &#8220;حلا إسلاميا&#8221; جاهزا مكتملا فإنما هو حالم أو مجنون&#8221;.<a href="#_ftn10" id="_ftnref10">[10]</a>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp; إن الجمع بين التوفيق الإلهي بوصفه مددا غيبيا، والعمل الميداني بوصفه كَبَدا واقعيا تحدٍّ حقيقي أمام أجيال التغيير والبناء، فلا الانتظارية البليدة العاجزة تفيد، ولا التواكلية المستقيلة تُجدي، إنما يُجدي ويُفيد فعلٌ ناجزٌ يُحول الترجي إلى عمل بانٍ للفرد والمجتمع والأمة، لأنه &#8220;لا يؤسَّسُ المستقبل الآمِلُ كرامةً آدميّةً للإنسان في هواء النظرية، وسماء الترجّي. الأملُ الباني المؤسِّس لمستقبل هو ذاك الذي يعَمِّق في التّربة ويؤصِّلُ الجذور ليضَع القواعد على أرضية الفطرة الإيمانية، على مَتينِ العقل المتلقّي بالانقياد والطاعة والتسليم ما جاء به الوحي وبلغته الرسل عليهم السلام عن رب العزة خالقنا وإلهنا&#8221;<a href="#_ftn11" id="_ftnref11">[11]</a>. ولنا الإسوة الحسنة بالدعوات النبوية التي انتصرت &#8220;بالتأييد الإلهي الذي يظهر في التاريخ على صورة روح جديدة تسري في المؤمنين وتصوغ منهم جندا يطيع الله والرسول، وينبذ كل إله غير الله، ويقطع كل ولاء غير الولاء لله ورسوله&#8221;<a href="#_ftn12" id="_ftnref12">[12]</a>، مُوقِّعين مشاهد انتصار خالدة. وما الانتصار لدين الله ومقدساته والأقصى مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر -استفتاحا غيبيا وميدانيا- في غزة العزة والضفة بفلسطين عنا ببعيد في فصل جديد من فصول التاريخ وقعته معركة &#8220;طوفان الأقصى&#8221;. 



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="#_ftnref1" id="_ftn1">[1]</a>&#8211; يعتبر الإمام عبد السلام ياسين أن &#8220;القراءة السننية الكاملة هي القراءة الصحيحة. إنها قراءة سنة الله، الأحداث التاريخية المتسلسلة واقعها الظاهر، وقدر الله من وراء سُجُف الغيب هو الحق، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك كله، ناظرا هنا وهناك، هو العلم&#8221;. عبد السلام ياسين، سنة الله، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ط 2، 2005م، ص 92.



<a href="#_ftnref2" id="_ftn2">[2]</a>&#8211; للجمع بين اتباع شرع الله، ونموذجيتهم في التربية والتعبئة والجهاد، ولاتساع الأفق بالتعرض للقدر الموعود. ينظر عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط 2، 2018م، ص 44.



<a href="#_ftnref3" id="_ftn3">[3]</a>&#8211; تمام القول: &#8220;وبقلع جذور البلاء فقط ينتظم أمرنا وفق سنة الله وموعوده، بنواظم سنة الله وموعوده، وضوابط شرع الله، وروادع حدود الله، خروجا عن نطاق الشرائع الوضعية، وقومة على نواظم التطورية المزعومة، وتكذيبا لمنطقها&#8221;. عبد السلام ياسين، سنة الله، مرجع سابق، ص 46.



<a href="#_ftnref4" id="_ftn4">[4]</a>&#8211; المرجع نفسه، ص 41.



<a href="#_ftnref5" id="_ftn5">[5]</a>&#8211; المرجع نفسه، ص 258-259.



<a id="_ftn6" href="#_ftnref6">[6]</a>&#8211; <a href="https://siraj.net/ar/books/%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AC-1/pages/">عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات</a>، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط 4، 2018م، 2/343.



<a href="#_ftnref7" id="_ftn7">[7]</a>&#8211; عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع، إستانبول، ط 5، 2022م، ص303.



<a href="#_ftnref8" id="_ftn8">[8]</a>&#8211; عبر عن ذلك الإمام ياسين بثنائية &#8220;القبول الإيماني يصل دنيانا بآخرتنا ويربط مصيرنا في الآخرة بأعمالنا هنا. والاحترام العملي يثبت أقدامنا على الأرض، ويضع في أيدينا وسائل القوة التي أمِرْنا بإعدادها&#8221;. عبد السلام ياسين، سنة الله، مرجع سابق، ص 8.



<a href="#_ftnref9" id="_ftn9">[9]</a>&#8211; يقول الإمام ياسين رحمه الله: &#8220;احترام نواميس الله في الكون وسنته في التاريخ مع صعود النيات إلى الملك الحق مفاتيح لأبواب السماء، بها مع الصلاة والدعاء تتنـزل السكينة وتغشى الرحمة وتَهب رياح النصر برفرفة أجنحة الملائكة&#8221;. المرجع نفسه، ص 9.



<a href="#_ftnref10" id="_ftn10">[10]</a>&#8211; المرجع نفسه، ص21.



<a href="#_ftnref11" id="_ftn11">[11]</a>&#8211; عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، ط 4، 2018م، ص 109.



<a href="#_ftnref12" id="_ftn12">[12]</a>&#8211; عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، مرجع سابق، ص 42-43.

قواعد التفكير المنهاجي

ثلاثيات المنهاج النبوي

صورة تخيلية للإمام الغزالي بالذكاء الاصطناعي

الإمام الغزالي: المنقذ من ضلال السفسطة

معالم منهجية في قراءة كتب الإمام

الإمام الغزالي بيداغوجيا : تعريف وملاحظة وتمرين

قضايا فكرية

قواعد التفكير المنهاجي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الأطفال والشباب في سياق رقمي رؤية منهاجية

قواعد التفكير المنهاجي

كيف نجدد الصلة بالقرآن بعد رمضان؟

الصحبة النبوية اصطفاءٌ وارتقاءٌ

تذكير بأصول دعوة العدل والإحسان

البر بالوالدين

مقالات ذات صلة