post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

شرف الله تعالى شهر رمضان المعظم بنزول القرآن، فقال سبحانه: ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان﴾ (سورة البقرة: 185). وخير من شرُف بهذا التشريف، واحتفى بالقرآن خير احتفاء، هو الرسول ﷺ. وحرصا على التأسي به، يحظى القرآن الكريم بعناية كبيرة من المؤمنين والمؤمنات عبر الأجيال في الشهر الفضيل، كيف لا وهو موعظة الله لعباده الحاملة للشفاء والنور والهدى والرحمة، قال تعالى: ﴿يَآ أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَؐ﴾ (سورة يونس: 57)، كيف لا وهو ربيع القلوب، ونور الصدور، وذهاب الهموم والأحزان بإخبار الحبيب محمد ﷺ. 



   تتعدد مواعد المجالسة لكتاب الله تعالى في أيام رمضان ولياليه، لتقْوى صلة المؤمن والمؤمنة بالقرآن، ويخشعان لذكر الله وما نزل من الحق، تجنبا للغفلة، وحذرا من قسوة القلب، يقول لسان حالهما ومقالهما عند استحضار قوله تعالى: ﴿ألم يان للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحقؐ ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم ؐوكثير منهم فاسقونؐ﴾ (سورة الحشر: 15)، آن يا رب، آن يا رب. 



<h1 class="wp-block-heading">أشراف أمتي&#8230;</h1>



   تبدأ الصلة بالقرآن كل ليلة وتتجدد في الثلث الأخير من الليل، بالقيام وقرآن الفجر المشهود، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ قُرْءانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداؐ﴾ (سورة الإسراء: 78). تتجافى جُنُوب المؤمنين والمؤمنات عن المضاجع، للوقوف بين يدي الله لصلاة التهجد بعد الهجود، بتلاوة ما تيسر من القرآن، اقتداء بخير من تهجد ﷺ، وبالصالحين الذين كان دأبهم قيام الليل، وصلاة الصبح في وقتها، فكانوا أشراف الأمة بوسم الرسول ﷺ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَشْرَافُ أُمَّتِي حَمَلَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْحَابُ اللَّيْلِ».[1]



<h1 class="wp-block-heading">لو صفت نفوسكم&#8230;</h1>



    يخصص المؤمنون والمؤمنات وقتا في كل يوم لتلاوة القرآن، استجابة لله تعالى ولرسوله ﷺ الآمران بذلك، وتحصيلا للأجر، وحبا في شفاعة القرآن يوم القيامة. يحرصون على الاجتهاد في ختمه،[2] كل وهمته في تنافس أخوي، وسباق إيماني. وزيادة في الخير والفضل، تُقرأ السور والآيات الفاضلة التي وردت فيها أحاديث نبوية مُبينة لفضلها، ومُحببة في قراءتها.



     أمام كل مؤمن ومؤمنة تحد فردي لتطهير النفس وتزكيتها في رمضان وبعده، &#8220;يأتي بذكر الله. ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُؐ﴾ (سورة الرعد: 29). يأتي بحزبك من القرآن لا تلهو عنه. يأتي بلزومك الجماعة في الصف الأول. يأتي بالاستغفار والتفكر الدائم مع أولي الألباب ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ﴾ (سورة آل عمران، الآية 191)،[3] فالورد القرآني في سياق الصلاة وورد الذكر، والتفكر، تثبيت من المؤمن والمؤمنة لنفسيهما ليحافظا على صلتهما بالقرآن. وما أروع الكلمة الخالدة للإمام عثمان بن عفان رضي الله عنه: &#8220;لو صفت نفوسكم ما شبعتم من كلام ربكم، وإني أكره أن يمر علي اليوم ولا أنظر في المصحف&#8221;.



<h1 class="wp-block-heading">اقرأ وارق</h1>



     بحادي الرقي في منازل الجنان، يُشمر المؤمنون والمؤمنات على ساعد الجد في أيام رمضان لتخصيص حصص لحفظ القرآن جمعا لآيه وسوره، وتعهدا لما انفلت منها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «يَجِيءُ القُرْآنُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّهِ، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيَرْضَى عَنْهُ، فَيُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً».[4] فحري بكل من جدد صلته بحفظ القرآن وتعهده في شهر الله الأبرك، الاستمرار في عزمة الحفظ والمراجعة للمحفوظ بعد مضيه، بنية حسنة، وهمة علية، ونفس شريفة، إذ على قدر نية المرء وهمته وشرف نفسه يعطى. 



<h1 class="wp-block-heading">يتلونه حق تلاوته</h1>



&nbsp;&nbsp;&nbsp;&nbsp;بلوغا لدرجة &#8220;الماهر بالقرآن&#8221; يكون لمحبي الخيرية موعد مع حصة تحسين التلاوة، تعلما لقواعد التجويد، وتحسينا للأداء، يقول الإمام عبد السلام ياسين واصفا تغني التالي بالقرآن:



أوْ تَــلاَ مُــصْــحَـفـاً لَـهُ&#8230;.فِــي اتِّــئــادِ الـمُــجَــوِّدِ[5]



    لا تكتمل الخيرية بتعلم القرآن إلا بتعلم معانيه، والعمل به، وتعليمه، فعن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَه».[6] &#8220;القرآن القرآن! إن لم يكن ملاذَك ومرجعَك ومعينَ علمك وضابطَ عملك القرآن فلستَ هناكَ!&#8221;.[7]



<h1 class="wp-block-heading">إني أحب أن أسمعه من غيري</h1>



    تُرجى رحمة الله تعالى، ويُنتفع بالقرآن،[8] ويرقى تعلم أدائه، بالاستماع والإنصات له، في حضور قلبي، وتدبر عقلي. فما أجمل أن يكون للمؤمنين والمؤمنات موعد مع حصة الاستماع لقراءات خاشعة لخيرة القراء المهرة، استجابة للأمر الإلهي العلي ﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمونؐ﴾ (سورة الأعراف: 204)، وتأسيا بالرسول ﷺ الذي كان يحب سماعه من غيره سماع الخاشع المتأثر بكلام ربه عز وجل، فعَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قَالَ: قُلْتُ: أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي»، قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾5، قَالَ لِي: «كُفَّ &#8211; أَوْ أَمْسِكْ -»، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ».[9]



<h1 class="wp-block-heading">الإيمان والقرآن</h1>



   يُهيء ذكرُ الكلمة الطيبة لا إله إلا الله، أرضية الإيمان في القلوب، لتلقي القرآن على أثر الصحابة رضي الله عنهم الذين أوتوا الإيمان قبل القرآن.[10]. ف&#8221;النبع لا إله إلا الله، والفيض نورها، حتى يستطيع المؤمن وجماعة المؤمنين تلقي شمس القرآن، ومدد القرآن، وبركة القرآن، وحتى يستطيعوا العمل بمقتضى القرآن&#8221;.[11]. فمدار الانتفاع بالقرآن تجديد الإيمان، ذلك أنه &#8220;لا يتخذ المسلمون القرآن إماما إلا إن جددوا الإيمان في قلوبهم&#8221;،[12]. وباتخاذه إماما تشرف الأمة، ويكون لها عِز وذكر، امتنانا من الله عليها كما امتن على المتنزل عليه بقوله: ﴿وإنه لذكر لك ولقومكؐ﴾ (سورة الزخرف: 44).



<h1 class="wp-block-heading">وتثبيتا من أنفسهم</h1>



شهر رمضان موسم يغنم فيه المؤمنات والمؤمنون من كل خير، ويجددون صلتهم بالقرآن، فالموفق والموفقة من يستصحب معه بعد مُضيه مواعد المجالسة له، ومما يعين على ذلك:



&nbsp;&#8211; الدعاء بأن يجعل الله تعالى القرآن ربيع القلوب، ونور الصدور، وذكر الألسنة، وقبلة العلم، وحادي العمل.&nbsp;



&#8211; المحافظة على الورد القرآني اليومي، لختم القرآن مرة في الشهر، بمعدل قراءة حزبين في اليوم، ومن زاد زاد الله له.



&#8211; وضع برنامج يومي للحفظ والتعهد والاستماع مع مراعاة الظروف المعينة والمعيقة. ومما يثبت الحفظ، ويرقي إلى الإحسان قيام الليل بالمحفوظ.&nbsp;



&#8211; الانخراط الجدي في مدارس القرآن، ومجالس الإيمان، رجاء نيل شرف الخيرية الموعود بها من تعلم القرآن وعلمه، وبلوغ المنزلة الرفيعة يوم يقال: &#8220;اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا&#8221;.



&#8211; التعاون مع صحبة صالحة على عزمة تعلم القرآن وتعليمه، مع التحفز بمعرفة تجارب الحفظة للقرآن الماهرين به.&nbsp;



&#8211; سعي من تعلم القرآن، وأجيز فيه، إلى تعليمه وإجازة حفظته من الرجال والنساء، والشباب والشواب، والفتيان والفتيات، ليكون &#8220;مدرسة قرآنية متنقلة بين الأجيال&#8221;،[13]. تأخذ على العاتق تعليم القرآن حرفا ورسما وأداء، وحدا وروحا ونورا.



<a href="/%D9%86%D9%81%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-8-%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87">نفحات رمضانية (8) أهل القرآن أهل الله</a>



<a href="/%D9%86%D9%81%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-5-%D9%84%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A8%D8%AA%D9%84">نفحات رمضانية (5) ليل التبتل</a>



<a href="https://www.yassine.mobi/store/ar/Ayat-Fadila.shtml" target="_blank" rel="noreferrer noopener">تطبيق سور وآيات فاضلة للهواتف والألواح</a>



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



[1] أخرجه الطبراني في الكبير، رقم: 12662، والبيهقي في شعب الإيمان، تعظيم القرآن، فصل في تنوير موضع القرآن وهذا لأنها مواضع تشهدها الملائكة فمن الحق أن ينور ويطيب، رقم: 2447، واللفظ له. وهو حديث صحيح. [2] تنظر أحوال السلف الصالح في ختم القرآن، في يحيى بن شرف الدين النووي، التبيان في آداب حملة القرآن، دار السلام، ط 1، 1423هـ-2002م، ص 83-92. [3] عبد السلام ياسين، العدل، ط 1، 1420ه-2000م، ص 69. [4] أخرجه الترمذي في كتاب فضائل القرآن، باب: 18، رقم: 2915، واللفظ له. والدارمي في كتاب فضائل القرآن، باب: فضل من قرأ القرآن رقم: 3355. وهو حديث صحيح. [5] عبد السلام ياسين، قطوف 6، ط 1، 2015، قطف 448، ص 69. [6] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه، رقم: 5027. [7] عبد السلام ياسين، رسالة إلى الطالب والطالب، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1995م، ص 36.  [8] افتتح ابن قيم الجوزية كتابه &#8220;الفوائد&#8221; بقاعدة جليلة في الانتفاع بالقرآن، فبعد إيراد قوله تعالى: ﴿إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد﴾ قال: وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد&#8230;إلى أن قال: فإذا حصل المؤثر وهو القرآن، والمحل القابل وهو القلب الحي، ووجد الشرط وهو الإصغاء، وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلى شيء آخر حصل الأثر، وهو الانتفاع والتذكر&#8221;، محمد بن أبي بكر (ابن قيم الجوزية)، الفوائد، المكتبة الثقافية بيروت، ط 1413ه-1993م، ص 3، وانظر تتمة الكلام في ص 4-5. [6] أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب: خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه، رقم: 5027. [7] عبد السلام ياسين، رسالة إلى الطالب والطالب، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1995م، ص 36. [9] أخرجه البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب البكاء عند قراءة القرآن، رقم: 5055، واللفظ له. ومسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظه، رقم: 800. [10] راجع عبد السلام ياسين، الإحسان، ط 2، 1439ه-2018م، 1/331. [11] عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الشركة العربية الإفريقية للنشر والتوزيع، ط 2، 1410ه- 1989م، ص 56. [12] عبد السلام ياسين، الإحسان، 1/331. [13] عبارة لم يمل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله من التذكير بها في مجالسه، في سياق تحفيزه المتكرر للمؤمنين والمؤمنات على تعلم القرآن وتعليمه.

التزكية والدعوة

كيف نجدد الصلة بالقرآن بعد رمضان؟

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الأطفال والشباب في سياق رقمي رؤية منهاجية

قواعد التفكير المنهاجي

كيف نجدد الصلة بالقرآن بعد رمضان؟

الصحبة النبوية اصطفاءٌ وارتقاءٌ

تذكير بأصول دعوة العدل والإحسان

العدل أمُّ المصالح والمطالب 2/2

مقالات ذات صلة