مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

معالم التجديد عند ذ. عبد السلام ياسين رحمه الله في قضية المرأة

0
معالم التجديد عند ذ. عبد السلام ياسين رحمه الله في قضية المرأة

مقدمة

نستهل هذا الموضوع بهذه القولة للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، أقترح أن نسير على ضوئها للاهتداء إلى ما يعين على إدراك كنه معالم التجديد في قضية المرأة، فقد وجدتها تلخص ما يمكن بسطه في هذا الموضوع. وهي قوله: “إن نساء المسلمين كرجالهم أحوج ما يكونون إلى من يعلمهم أمر دينهم، ويجدده لهم، وللمرأة كما للرجل حرية الاختيار بين الدنيا وزينتها، وبين الله ورسوله والدار الآخرة”.[1]

لقد أكد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله على أن الحاجة إلى تجديد الدين حاجة عامة تهم النساء والرجال على حد سواء، وقد اعتمد في ذلك على ثلاثة أحاديث شريفة تؤصل لمسألة التجديد، وتؤكد أن التجديد يجب أن يكون على مستويين: الأول عقدي إيماني فردي، والثاني تجديد على مستوى إقامة الدين وتحكيمه والتحاكم إليه في حياة الجماعة، إنه الامتثال لأمر الله بالعدل والإحسان. وقضية المرأة لا يمكن أن تخرج عن هذا الإطار، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه تجديد الإيمان في القلب، وتجديد الدين على الأرض.

فباستقراء كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، يتبين أنه استطاع أن يجدد النظر في قضايا المرأة على مستويين اثنين: تجديد على مستوى التشخيص والتحليل وتجديد على مستوى المعالجة وأدواتها.

المبحث الأول: التجديد على مستوى التشخيص: ربط قضية المرأة بقضية الأمة

انحطت المرأة بانحطاط المسلمين

أكد رحمه الله أنه لا يمكن البتة تشخيص حال المرأة المسلمة بمعزل عن تشخيص حال الأمة، إذ هما مرتبطان ارتباطا وثيقا: “انحطت المرأة بانحطاط المسلمين”،[2] فالقضية فيها تلازم، حال المرأة المنحدر كان نتيجة انحدار سياسي اقتصادي اجتماعي علمي.

عموم انحطاط الأمة كان من أبرز مظاهره الجزئية، اختفاء المرأة وحبسها في سجن التقاليد والعادات المبتدعة بحجة سد الذرائع، لقد أصبحت المرأة ذريعة لكل سوء واقع، ومتوقع وقوعه، فانتشرت الأحاديث الموضوعة في شأنها مثل: «شاورهن وخالفهن»، «سجنت المرأة ولم يعد لها حق التعلم والمشاركة الفعلية، بل أصبحت المرأة المسلمة مجرد سلعة في السوق، أو جارية في القصور، وفي أحسن الأحوال آلة تنتج الأطفال. هكذا وصف الأستاذ عبد السلام رحمه الله مظلومية المرأة وبؤسها ومآسيها التي عانت منها في عصور الجمود الفكري والتقليد الفقهي.

دعوات الخلاص

كان من الطبيعي أن لا ترضى النساء بهذا الوضع المبني على تقاليد وأعراف سادت المجتمع، والتي كثيرا ما نسبت إلى الدين، استغله بعضهم ليتخذ قضية المرأة معولا يحاول أن يهدم به ما ترسب من أحكام الدين، مستعينين بالنموذج الغربي المتحرر المتقدم، إنها الدعوات التغريبية الهادفة إلى تحرر المرأة، بل انحلالها لتكون كمثيلاتها الكاملات في الغرب سيدة جسدها. إنها الحرية والمساواة والكرامة مكونات الطعم الذي وضع لاصطياد الطامعات في الحياة الدنيا اللائي لهن القابلية للتمرد على كل ما ينسب إلى الدين سبب كل معاناتها، فعشن في وعاء يتنفسن فيه هواء مكوناته قضايا الإرث، وتعدد الزوجات، وضرب النساء، وحجاب المرأة، وزواج القاصرات، والنزعة الذكورية في القرآن، وجعل زمام المرأة ورقبتها في قبضة يد الرجل الذي يفوقها درجة، وسائر ما ينقمه أعداء الدين على الدين. 

نجحت الدعوات في جلب مؤيدين ومؤيدات، تحررت المرأة لتدخل في استعباد من نوع آخر يقابل الأول بل يناقضه تماما، إنه بؤس التحول وإنهن بائسات التحول والتحرير، خرجن من سجون البيوت ليدخلن سجون الإدارات والمصانع وأسواق النخاسة وأفكار وقناعات قيدتها متطلبات الحضارة المعاصرة ومغريات الحياة الغربية.

وقفة في وجه التغريب والتمييع

كان لا بد أن يتصدى ذووا الغيرة من علماء المسلمين ومفكريهم لهذه النازلة، كل حسب ما توصل إليه اجتهاده، فدخل العديد منهم إلى قاعة الجدل بمقدمات منهجية ليس فيها رائحة الإيمان بالله وباليوم الآخر، انتقد الأستاذ رحمه الله هذه الطريقة في الدفاع، وقال إنه لابد في مواجهة موجات التغريب والانفتاح من مخاطبة النسائيات بمعنى وجودهن وبمغزى الحياة الدنيا، وبمصير الآخرة، هذا هو الخطاب الذي يقي الأنفس نارا وقودها الناس والحجارة.

المبحث الثاني: معالم التجديد على مستوى المعالجة وأدواتها

وضع المرأة بين خيارين

يجب أن نبدأ بوضع المرأة أمام خيارين اثنين: إما الدنيا أو الآخرة، إن كانت تريد الحياة الدنيا وزينتها فلتتمتع ولتسرح في الأرض سرحا، وإن كانت تريد الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات أجرا عظيما. جاء في كتاب العدل: “هو خيار مطروح للمرأة بين الدنيا والآخرة. إن اختارت الدنيا وزينتها وكفرت باليوم الآخر، فعليها ما تولت من أوزار الحضارة المادية، وهي في الآخرة من الخاسرين، وإن اختارت الآخرة فلها نصيبها من الدنيا”.[3]

إنها حرية الاختيار التي كفلها لها الله تعالى للمرأة ولعباده أجمعين، لا إكراه في الدين إنما تبشير وإنذار.

إن تصالحت المرأة مع فطرتها وآثرت الحياة الآخرة، علمت معنى وجودها ضمن الموجودين، إنها ذلك الإنسان الذي أكرمه الله ونعّمه وجعل له الكون سخريا، وطلب منها أن تنضم إلى زمرة العباد أمة مطيعة، صانعة أمّة مطيعة، محققة بذلك الغايتين الكليتين من خلق الناس عبادة واستخلافا، يعمها ما يعم المؤمنين.

ربط قضية المرأة بالمصير الأخروي: “قضيتي مع ربي أم القضايا”

عمد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، إلى بيان أول خطوة يجب أن تبدأ بها المرأة، وهي تحديد قضيتها الأساس التي على إثرها تعرف واجباتها بالنظر إلى جنسها، وتطالب بحقوقها المشروعة المنزوعة منها انتزاعا. إنها القضية المصيرية التي على إثرها يحدد المآل الأخير الذي ليس بعده مآل، نعيم مقيم أو عذاب أليم.

كانت خطبة كتاب تنوير المؤمنات مقدمة لموضوع المرأة من وجهة نظر مستحضرة الطمع في الحسنى وزيادة، فإثارته للموضوع لم يرد له أن يكون مجرد توعية سياسية أو ثقافية أو غيرها مما أفرغت من هم الآخرة وهم المصير، بل أراد أن يحرك في النفس حب مواجهة “الصوت الفطري السائل عن معنى وجودي وحقيقة حضوري وغاية مروري من هذه الحياة”[4]، فقد حرص “منذ البداية على جلب الأنظار إلى قضية القضايا، المنسية المكبوتة. ألا وهي قضية مصير العبد إلى ربه”.[5]

القضية مع الله، والسؤال عن الإيمان بالله، وعن الحظ من الله، كلها أمور تُعنى بالخلاص الفردي، لكن هل يمكن تحققه دون العمل مع العاملين لتحقيق الخلاص الجماعي؟

والخلاص لن يكون إلا بالمطالبة بحق التعبد لله والمطالبة بالتحرر من عبودية سواه، والمطالبة بالمساواة في الدعوة لدين الله وحق العمل من أجل رضا الله، والحق في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبذ عنف أحكام متشددة، وأفكار عن الله مبعدة، إنه الحق في الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، والحق يتم انتزاعه بإرادة تقتحم كل العقبات، المطالب بالحق يحتاج إلى تنوير.

قضية المرأة قضية تنويرية شاملة

اختار الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، أن يعالج المسألة النسائية معالجة تنويرية شاملة عميقة لا حقوقية مطلبية جزئية سطحية، فالتنوير هداية شاملة لكل أبعاد الشخصية الإنسانية تحقق لها الكمالات المطلوبة إيمانا وعلما وعملا.

فالتنوير هداية إيمانية قلبية، وهداية عقلية معرفية وهداية عملية حركية، يتنور قلب التي اختارت أن تكون أَمَةً لله، فتجعل مصيرها الأخروي قضيتها الأساسية، يتنور عقلها لتصبح محيطة بواقعها واعية بمسؤولياتها نحو نفسها وأهلها وأمتها في البناء والتغيير، تنوير إرادتها وتحرير همتها وطاقاتها لتطمع وتتطلع إلى ذروة السنام، الجهاد في سبيل الله من موقعها وداخل خصوصياتها.

ربط قضية المرأة المسلمة بمقاصد الشريعة العامة

خلق الله تعالى الذكر والأنثى، فشرفهما معا وكلفهما معا، اختصت المرأة بالحافظية واختص الرجل بالقوامة، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾. (النساء: 34).

استعمل الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، مصطلح “الحافظية” وهي كلمة قرآنية مفتاح تدلنا على مهمة المرأة قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾. (النساء: 34)، فمهمة المرأة المؤمنة تكمن أساسا في حفظ ما يمكن أن يغيب أو يتعرض للتلف. حافظية المرأة هي: تحمل ما كلفها به الشرع “حافظية الصالحات القانتات في المجتمع المسلم لا تقتصر على شغل بيوتهن وإرضاء أزواجهن، بل تنطلق أولا من إرضاء الله عز وجل وترجع إليه”.[6]

لقد برزت معالم التجديد عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله في قضية المرأة بروزا جليا، حينما قرن حافظية المرأة بالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية الضرورية المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال والمقاصد الحاجية والتحسينية، هذه المقاصد التي قال عنها الأصوليون أنها اكتسبت درجة اليقين باستقراء الأدلة الجزئية التفصيلية.

المرأة حافظة للفطرة

إن المرأة المسلمة لها القسط الأكبر في حفظ فطرة الله التي فطر الناس عليها دين الإسلام وجودا وعدما، فالولد الذي تنجب ويتربى في أحضانها وإن كان من خلق الله وهو الهادي إلى الصراط المستقيم، إلا أنه من صنع وعمل إنسانٍ يجعلُهُ الله سببا للهداية الإنسانية. فالمرأة لا تستحق وسام الأمومة إن أنجبت وأهملت بدون تربية أو توجيه، بل الأمومة تصدق على كل امرأة أنجبت وغذت وليدها بكلمة التوحيد تِؤهله ليكون الرجل القادر على تحقيق الغاية من خلقه: عبادة الله، والغاية من وضع الشريعة الاستخلاف في الأرض، فالولد الصالح ذخر لأمه وأمته.

المرأة ومشاركتها في التغيير الشامل وصنع المستقبل

إن إقامة الدين على الأرض وتجديده والدعوة إليه يتعاون فيه المؤمنون والمؤمنات من منطلق الولاية بينهما، قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 92)، فـ“الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء، هما العمل التضامني الذي يوقف الولاية بين المؤمنين والمؤمنات على قدم. إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ركنان من أركان الإسلام، وطاعة الله ورسوله أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ولاية إيمان، تدخل الصلاة وتدخل الزكاة في طاعة الله ورسوله كما يدخل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دخولا اندماجيا لا فصل معه بين الدين والسياسة”.[7]

خاتمة

هكذا ظهر أن معالم التجديد في تناول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله لقضية المرأة، تكمن أساسا في تناولها في شموليتها واستحضار علاقاتها بقضايا تتصل بها اتصالا وثيقا، حيث ربط قضية المرأة بالمصير الأخروي وبالمقاصد العامة للشريعة الإسلامية وبقضايا الأمة، معتمدا في ذلك المنهج الوصفي التشخيصي مستحضرا التاريخ قارئا للواقع والحال، مستشرفا للمستقبل والمآل، وكذلك المنهج الاستقرائي الذي يعتمد على تصفح الآيات والأحاديث الخادمة للموضوع وجمعها وتحليلها تحليلا علميا ليكون الحكم موضوعيا، حيث لم يعتمد فقط على الأدلة الشرعية التي تؤصل لاقتصار مهمة المرأة على خدمة البيت وواجباتها نحو زوجها وولدها، وإنما نجده استحضر كذلك الأدلة التي تثبت واجباتها نحو أمتها وحقوقها في المساهمة في تجديد دينها والعمل ليكون الدين كله لله.

توصيات البحث

  • إنشاء هيئة يشترك فيها الرجال والنساء، يشتغلون معا على مشروع يتم فيه تفصيل كل القضايا التي تعرض لها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، الكلية منها والجزئية، لإبراز تصوره التنويري لقضية المرأة في شموليتها.
  • اتخاذ مقدمة كتاب تنوير المؤمنات للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، دليلا مرجعيا للتوجيه والاستبصار، لما يحمله من معاني تجديدية عميقة.
  • نشر الرؤية المتميزة للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، حول حقيقة التحرير الذي يجب أن تطالب به المرأة المسلمة، وتعمل على تحقيقه في الحاضر والمستقبل.

[1]. عبد السلام ياسين، العدل؛ الإسلاميون والحكم، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 2000م، ص: 289.

[2]. عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط 1، 1996م، 1/25.

[3]. عبد السلام ياسين، العدل، مرجع سابق، ص288.

[4]. عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، مرجع سابق، 1/5.

[5]. المرجع نفسه، 1/4.

[6]. المرجع نفسه، 1/90.

[7]. المرجع نفسه، 2/305.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد