post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

معجزة الإسراء والمعراج: سياق ودلالات:
تعد المعجزة من الوسائل الإلهية لتثبيت ومواساة قلوب الأنبياء والمرسلين وإثبات صدق دعواهم، كما هي الحال بالنسبة للكرامات في حق الأولياء والصالحين. يقول الأستاذ المرشد رحمه الله: المعجزة للنبي والكرامة للولي. المعجزة هي &#8220;كل أمر خارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة عند تحدي المنكرين له، على وجه يبين صدق دعواه&#8221; هكذا عرفها علماؤنا. أما الكرامة فخارقة يظهرها الله على يد عبد مستقيم. أما إذا ظهرت الخارقة على يد كافر فاسق فهي ما يسمى بالاستدْراج. روى الشيخان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: &#8220;ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثلُه آمن عليه البشر. وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي. فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة&#8221; [ref]الإحسان، ص:400[/ref] . لقد اشتد عناد مشركي مكة فوقفوا في وجه الدعوة الجديدة وقفة المصر المكابر، فلجأ النبي الكريم &#8211; بعد الله عز وجل – إلى ثقيف لعلهم يقبلون بالوافد الجديد. لكن حكمة الله اقتضت أن يجد النبي صلى الله عليه وسلم من الإنكار أصنافا، ومن الأذى ألوانا. فلجا – كعادته – إلى مولاه بهذا الدعاء: &#8220;اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت ارحم الراحمين، ورب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى قريب يتجهمني، أو إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي غضبك، أو يحل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك&#8221;. ووافق هذا الحدث أمر صعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهو فقدان نصيره في الدعوة و مؤنسه وقت الشدة، إنها السيدة خديجة رضي الله عنها، و التي واسته بنفسها ومالها. في هذه الظروف، وبينما النبي صلى الله عليه وسلم يكابد مشاق الدعوة وتقلبات الزمن، جاء النداء الإلهي والنوال الرباني، بالإسراء إلى المسجد الأقصى، ومن ثم العروج إلى السماوات العلى. هناك التقى النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ينتظرونه، والملائكة ترحب به، وأرجاء الكون تفتح أمامه فرحا وابتهاجا بقدوم خير الخلق، وحبيب الحق. هناك رأى رسول الله صلى الله عليه وصلى الله عليه وسلم من آيات ربه ما به أنساه معاناة الدعوة وجفوة الأهل والعشيرة. لقد رحب به ربه و حباه. يقول الله سبحانه  سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير [ref]الإسراء، الآية: 1[/ref] . ويكون فهمنا للدين سقيما إن نحن عددنا السيرة العطرة – ومعجزة الإسراء والمعراج منها &#8211; تاريخا من التاريخ، أو خبرا من الأخبار، أو غيبا مضى، يجب أن يطوى ولا يروى. ولم نقف عند تفاصيلها، نتعلم ونفهم، ليكون سلوكنا في هذه الحياة أسلم، قال المولى جل وعلا: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [ref]الأحزاب، الآية: 21[/ref] . يقول الأستاذ المرشد رحمه الله: ويا أهلَ الصرامة المنهجية لا تَعْجلوا علينا أنْ قلّدْنَا سَلَفنا وتشبثنا بأصلنا وجِئنا بحجتنا &#8220;الغيبية الماضوية التقليدوية&#8221;، فليس لنا بعد الله وآياته ورسوله مِن مَبدإٍ. مِن آياته تعالى سُنّتُهُ في التاريخ وفِعلُه في العبادِ. لا ننكر الواقِعَ، ونحنُ من جُملته وأنتم، وما حولنا وما حولكم، وما تطورت إليه أوضاع العالم وما تتطور، ولا حبةٌ في ظلمات الأرض ولا رَطبٌ ولا يابسٌ إلا في كتاب مبين. لا ننكر ولا نكفُر آياته في الكون، بل نومن بها ونشكر كما نومن بآياته المُنزلة على رُسله، المُفَصَّلة في كتابه المحفوظ، وفي سنة رسوله محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين. وبعد الدنيا الآخرة، وبعد الموت البعث والنشر والموقف والحساب والميزان والصـراط والجنـة أو النار. هذه صرامَتُنا، صرامةُ العقيدة ثبتنا الله عليها[ref]العدل، ص: 21[/ref] وهكذا فإننا نجد أنفسنا بهذه المناسبة الجليلة أمام دلالات و دروس عظيمة، نقتصر منها على الآتي:
<h2>قدر رسول الله:</h2>
أكدت معجزة الإسراء والمعراج مكانة وقدر سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ربه عز وجل، حيث بلغ مكانا لم يصله ملك ولا إنس ولا جان. لهذا جاءت النصوص الشرعية حافلة بالدعوة إلى تعظيمة وتوقيره، وحذرت من سوء الأدب معه. قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ [ref]سورة الحجرات، الآيات:1-3[/ref] . إننا بحاجة إلى فقه محبته صلى الله عليه وسلم لأنه وسيلتنا إلى الله عز وجل. يقول الحبيب المرشد: قال الإمام القرافي رحمه الله معبرا عن فقه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;معرفة أحواله صلى الله عليه وسلم واجبٌ من قبيل الاعتقاد، لا مجرد العمل&#8221;. معرفة أحواله وشمائله صلى الله عليه وسلم واجبة لنحبه على علم، كما أن معرفة أقواله وسنته واجبة لنتخلق ونعمل. حبه عقيدة، والعمل على سنته بِنِيَّةِ الاتباع برهانُ سلامة العقيدة. كلما ازددنا -نحن الآخِرين- معرفة بأحواله وشمائله ازددنا محبة فيه كما تدرج الصحابة رضي الله عنهم في ذلك[ref]تنوير المؤمنات، ص: 11[/ref] .
<h2>الدعوة إلى الله:</h2>
أخبرتنا السيرة العطرة – ومعجزة الإسراء والمعراج من جملتها &#8211; أن دعوة الناس إلى الله عز وجل مهمة لا ينهض بها إلا من استرخص الثمين، وأقبل على الله المعين، ووطن نفسه على الصبر واليقين، وبكلمة واحدة فالدعوة إلى الله لا يستطيعها إلا عبد الله الذي امتلأ قلبه بالله معرفة ومحبة وذكرا، ونور الله عز وجل فؤاده بما وفقه إليه من إقبال عليه بكل ما وهبه الله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار، فأصبح نورا يسير في الناس يدل على الله بحاله قبل مقاله، بل يدل بمجرد النظر إليه[ref]حوار مع الأستاذ عبد الكريم العلمي: الأنشطة الدعوية في الصيف/الأربعاء 20 يوليوز2011[/ref] .
<h2>مكانة الأقصى:</h2>
يشكل المسجد الأقصى نقطة محورية في معجزة الإسراء والمعراج، حيث أسري بالنبي صلى الله عليه إليه دون غيره، في إشارة إلى قدسية هذا المكان. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى&#8221; [ref]صحيح البخاري ومسلم[/ref] . إن معيار يقظة ووحدة الأمة يتجلى في مدى تحرر هذا المكان من سطوة الظالمين والمفسدين في الأرض. وإن الوضع الذي يعيشه الأقصى اليوم، ليكاد يختزل الصورة التي عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولا تحرير يرجى لذلك المكان الطاهر إن لم تتخلص عقول وإرادات وقلوب العباد من أغلال العض و الجبر و التبعية.
<h2>عظم شأن الصلاة:</h2>
الفريضة الوحيدة التي فرضت على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات هي الصلاة، ولعظم شأنها استدعي لها النبي الكريم جسدا وروحا. فمن حفظها يكون قد فهم الدرس، ومن ضيعها يكون لما سواها أضيع. قال الله تعالى:إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً [ref]النساء، الآية: 103[/ref] . وثبت عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع) أخرجه [ref]مالك في الموطأ[/ref] . يقول الأستاذ المرشد رحمه الله: إقامة الصلاة ليسَ مجردَ أدائها، بل القيام بشرائطها، من أول شرائطها تشييد أركان الإسلام في حياة التائب من شرك أو من إسلام وِراثي بالٍ. ثم الانتهاء عن المنكر لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. بانتهائه وكفه نعلم هل هو مقيمٌ للصلاة أم منافق مُندس[ref]كتاب العدل، ص:177[/ref] .
<h2>عالمية الرسالة:</h2>
في إمامة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء من قبله إشارة إلى أن العمل في التقرب إلى الله سبحانه يجب أن يكون على شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أي عمل يخالف الهدي النبوي يعد باطلا، يقول المولى سبحانه: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ref]سورة آل عمران، الآية:85[/ref] . لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه غضب حين رأى مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيفة فيها شيء من التوراة، فقال &#8211; عليه الصلاة والسلام &#8211; :  &#8220;أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آتِ بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي&#8221; [ref]رواه أحمد و الدار مي وغيرهما[/ref] . وقد أخذ الله تعالى العهد على أنبيائه بإتباع آخرهم وعدم مخالفته فقال سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ [ref]سورة آل عمران، الآية:81[/ref] . وهكذا فإن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث لقومه خاصة كما هو الشأن بالنسبة لغيره من إخوانه الذين سبقوه، بل بعث للناس كافة لأنه لا نبي بعده. يقول عز من قال: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا [ref]سورة الأعراف، الاية: 158[/ref] . وقال أيضا: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ref]سورة الأنبياء، الآية: 107[/ref] . بيد أن هذه الحقيقة تفرض علينا أن نتعامل مع الآخر بفقه دقيق، وفهم صحيح، يجمع ولا يفرق، يصل ولا يقطع، يبشر برحمة وعدل وإحسان الإسلام، قبل أن ينذر. يقول الأستاذ المرشد رحمه الله: وينبغي أن نَتَحرّر من هذا الفقه التاريخي لنؤَسس على قواعد التبليغ النبوي ونحمل للناس الدعوة في أسواقهم ومنتدياتهم وقبائلهم وبواديهم وحواضرهم كما كان يفعل محمد صلى الله عليه وسلم.)فقهنا عندئذ يقسم العالم إلى أمة استجابة هم المسلمون اليوم، وإلى أمة دعوة هم سائر الناس والأجناس. المسلمون اليوم فيهم الفتنة ناشِبة، والكافرون اليوم لعل منهم أشدَّ الناس عِداء &#8220;لهذا الشأن حتى يقَعَ فيه&#8221;. بيننا وبين هؤلاء المروءة والرجاء أن يهدي الله ربنا بنا رجلا واحدا أو امرأة.)هل معنى هذا أن نغيِّب أكثرَ مما هي غائبة فريضة الجهاد؟ لا، وإنما معناه أن الذي أمرنا بالجهاد أمرنا قبله بإعداد القوة إعداداً طويلا، علمنا بالمِثال والمقال أن الجهاد أصناف أولها الدعوة والتبليغ والحكمة والموعظة الحسنة ومجادلة الناس بالتي هي أحسن[ref]كتاب العدل، ص: 527.[/ref] لا تكاد دروس معجزة الإسراء والمعراج تنتهي. و يدركها ويعمل بمقتضاها من نور الله قلبه بذكره، والإقبال عليه، والافتقار إليه، ووفقه لصحبة صالحة، توقظ همته وترفع إرادته، ليطلب &#8211; مع الرجال &#8211; عزة الأمة وريادتها، حتى تكون بحق خير أمة أخرجت للناس. والحمد لله رب العالمين.

معجزة الإسراء والمعراج: سياق ودلالات

معالم التربية والجهاد في ذكرى الإسراء والمعراج

التزكية والدعوة

معجزة الإسراء والمعراج: سياق ودلالات

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

معجزة الإسراء والمعراج: سياق ودلالات

مقالات ذات صلة