post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

من سيرة سيّدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه | الإمام عبد السّلام ياسين
يستهل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله هذا المجلس المنعقد يوم الأحد 03 ذي الحجة 1424هـ/25 يناير 2003م بقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [سورة ق: 16]. فبأي شيء تحدث الإنسانَ نفسُه؟ تحدثه بأمور الدنيا وما تبتغيه من كسب فيها، ولا تحدثه عن الآخرة ولقاء الله تعالى.
وحقيق بالمؤمن أن يحدث نفسه وتحدثه بأمر الآخرة، ويحدث المؤمنون بعضهم عن النبأ العظيم نبأ الآخرة. وإن من الناس من ينتظر اليوم الموعود انتظار البلداء؛ بغير عمل يقدمه بين يدي مولاه، منشغلا بما لا ينفع وإضاعة للوقت في القيل والقال. فنسعى -إن شاء الله- لنكون ممن مدحهم الله في كتابه فقال: ﴿مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. [سورة الأحزاب: 23].
ثم ينتقل الإمام رحمه الله للتذكير مناقب الصحابي الجليل سيدنا طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، الذي كان من خيار المهاجرين المجاهدين الكرماء. ففي فضله قال رسول الله ﷺ: &#8220;مَن سَرَّهُ أَن يَنظُرَ إِلى شَهيدٍ يَمشي عَلى وَجهِ الأَرضِ فَلينظُرْ إِلى طَلحَةَ بنِ عُبيدِ اللهِ&#8221;. ومما ورد من الأحاديث المبينة لشأن سيدنا طَلحَةَ رضي الله عنه حديث يرويه هو نفسه، أن &#8220;أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالوا لأعرابيٍّ جاهلٍ: سَلْهُ عمَّنْ قضى نَحْبَهُ من هو؟ وكانوا لا يَجترئونَ على مسألتِهِ يُوَقِّرُونَهُ ويَهابونَهُ، فسألَهُ الأعرابيُّ فأعرضَ عنهُ، ثم سألَهُ فأعرضَ عنهُ، ثم سألَهُ فأعرضَ عنهُ، ثم إني اطَّلعتُ من بابِ المسجدِ وعليَّ ثيابٌ خُضْرٌ فلمَّا رآني النبيُّ ﷺ قال أين السائلُ عمَّنْ قضى نَحْبَهُ قال الأعرابيُّ أنا يا رسولَ اللهِ قال هذا ممَّنْ قَضى نَحْبَهُ&#8221;. وانظر إلى قول رسول الله ﷺ: &#8220;لقد رَأيْتُني يومَ أُحُدٍ وما قُربي أحدٌ غيرَ جِبريلَ عن يَميني، وطَلحةَ عن يَساري&#8221;.
وكان سيدنا طَلحَةَ رضي الله عنه كريما فياض الخير مجاهدا بماله، فقد أرسل مرة إلى سيدنا علي كرم الله وجهه جفنة من ذهب. وكان مجاهدا بنفسه أيضا؛ وفي غزوة أحد مشاهد عظيمة من فدائه لرسول الله ﷺ ودفاعه عن دين الإسلام. وبقي مجاهدا حتى لقي الله شهيدا في موقعة الجمل. وتلك فتنة عظيمة ابتلي فيها الصحابة رضي الله عنهم ابتلاء شديدا.
فعلامَ نعاهد الله تعالى؟ نعاهده سبحانه على ألا نشرك به شيئا، والرضى بقضاء الله وقدره، وبما فرض عليّ أو نهاني عنه، وبهذا نكون ممن قضوا نحبهم وعهدهم مع الله عز وجل. ولا نملّ من تكرار دعاء العهد مع الله تعالى: &#8220;اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، إِنِّي أَعْهَدُ إِلَيْكَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ، وَإِنِّي لَا أَثِقُ إِلَّا بِرَحْمَتِكَ، فَاجْعَلْ لِي عِنْدَكَ عَهْدًا تُوَفِّينِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ&#8221;.
وفي فضل سيدنا طَلحَةَ رضي الله يقول الشاعر:
وَطَلْحَةُ يَوْمَ الشِّعْبِ آسَى مُحَمَّدًا&#8230;لَدَى سَاعَةٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ وَشُدَّتِ
وَقَاهُ بِكَفَّيْهِ الرِّمَاحَ فَقُطِّعَتْ&#8230;أَصَابِعُهُ تَحْتَ الرِّمَاحِ فَشُلَّتِ
وَكَانَ إِمَامَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ&#8230;أَقَرَّ رَحَى الْإِسْلَامِ حَتَّى اسْتَقَرَّتِ
فنشد على أيدي بعضنا بعضا ونصبر كما صبر الرجال مع رسول الله ﷺ، وإن صبر المؤمن اليوم لأشد، مصداقا لقوله ﷺ: &#8220;يأتي على الناسِ زمانٌ، الصابرُ مِنهُم عَلى دينِهِ لَه أَجرُ خَمسينَ مِنكُم. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَجرُ خَمسينَ مِنَّا؟ قال: نَعَم، أَجرُ خَمسينَ مِنكُم. قالها ثلاثًا&#8221;. نصبر على ما نلقاه من الأذى والمكر، حتى نحقق العدل في الأمة، ويتحقق موعود الله سبحانه.
وأهيب بالمؤمنين والمؤمنات أن نذكر هذا الرجل العظيم في دعاء الرابطة ومعه أصحاب رسول الله جميعا والسابقون الأولون من رسل الله وصالحي الأمة واللاحقون إلى يوم القيامة، حتى نندرج في هذا السلك النوراني المتصل أبدا.
اللهم اجعلنا من أهل عنايتك رحمة منك وفضلا

الإمام عبد السلام ياسين

من مجالس الإمام

من سيرة سيدنا طلحة بن عبيد الله

أضف تعليقك (0 )

مقالات ذات صلة