post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

أبواب الخير في رمضان 2/1 :
1.  العزمات وتجديد النية
حل بنا شهر <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86/">رمضان</a> وجاءنا المطهر، موسم الخير والمكرمات الربانية، لنا في كل وقت من أوقات ليله ونهاره مغنم، ليله ليل القائمين والمتهجدين التائبين المنكسرين بين يدي رب غفور رحيم، ونهاره ميدان ذكر الصائمين الواقفين عند حدود مولاهم عز وجل. وحقيق بالمؤمن والمؤمنة أن يغتنما خيرات هذا الشهر الكريم، ويلتمسا فضل كل عمل فيه بدءا بالفرائض ثم النوافل، ويطرقا كل أبواب الخير في ظل هذا الشهر الفضيل والضيف الكريم.
وأساس مبدأ الإقبال على كل عمل استحضار النيات العظيمة وتجديدها، فإنما تعظم الأعمال بعظم النية المستودعة في القلب، والإخلاص لله عز وجل وإرادة وجهه الكريم سبحانه. وقد كان الصالحون رضي الله عنهم يضربون أكباد الإبل بحثا عمن يعلمهم «حسن النية»، حتى تصح لهم بدايات السلوك إلى الله عز وجل. و«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ -وَفِي رِوَايَةٍ بِالنِّيَّاتِ- وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[1]، فليس للمرء من العمل إلا بقدر نيته فيه.
رمضانُ حلَّ فيا عزائمُ صمِّمي&#8230;.واجفُوا المنام معاشرَ الرُّقادِإن كان أبلى فيكُمْ الإيمان ما&#8230;.جَنَتِ اليَدانِ بنَزْوَةٍ وتماديفهلال أبركِ مطلعٍ في عامِكُمْ&#8230;.يدعو العُصاةَ لتَوْبَةٍ ويُناديقُوموا فلبُّوا للصيام أوامراً&#8230;.وتزوَّدُوا فلَنِعْمَ عقبَى الزَّادِ[2] 2.  حاسبوا أنفسكم
عمرك رأس مالك. وإن أشد حسرات الناس ساعة احتضارهم ويوم القيامة على ما ضيعوا من أوقات، لم يعمروها بذكر له تعالى أو علم ينفعهم تعلموه فبذلوه. فكن بوقتك -أخي وأختي- شحيحا أن تضيعه فيما لا ينبغي لك، فإن للزمن قيمة لا يدركها إلا من أدركه الموت. ولات حين مناص. حاسب نفسك على كل لحظة صرفتها في غير علم اكتسبته أو عمل أثبته أو ورد للذكر اجتهدت في تحقيقه.
وليس أحد أعلم بمواطن غفلته منك، ولا بصنوف الملهيات عن الخير منك، فاعرف لشهر رمضان حقوقه وحدوده، فـإن «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَعَرَفَ حُدُودَهُ، وَتَحَفَّظَ مِمَّا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ فِيهِ، كَفَّرَ مَا قَبْلَهُ»[3]. أقبل على ربك بالافتقار إليه وقف عند بابه بسائح الدموع، واذكر جميل ستره وقبيح فعلك، وابك على مولاك واذكر ما كان منك من ماضي الغفلة والتيه والضحك؛ وكيف &#8220;يضحك مستجمعا من قيل له في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾؟ التبسم لإخوتك والبِشر والتبشير حق المسلمين عليك، لكن محاسبة النفس في حقوق الله هي واجبك نحو الله. قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا». والعاقل من جعل دَيْدَنَه محاسبة النفس صباح مساء، يستغفر ربه لزلاته، ويحمده على نعمائه، ويستغفر ويبكي ويتوب ويتفكر ويذكر&#8221;[4].
3.  رمضان شهر القرآن
أعظم الذكر القرآن الكريم. وهذا رمضان شهر القرآن أقبل، وللصالحين والصالحات فيه عزمات في تلاوته وحفظه وتدبر آياته. فـ&#8221;القرآن! القرآن! القرآن! ما أروع أن يشد المؤمن والمؤمنة معاقد العزم ليحفظ القرآن ويجمعه ويحافظ عليه. ما أحسن أن يبسط المرء ساعد الجد والإرادة إلى كسل نفسه وغفلة حسه يخاطبها ويؤنبها ويدفع بها&#8221;[5].
ينبغي لنا لزوم كتاب الله تعالى لزوما خاصا في هذا الشهر الكريم، لما في ذلك من عظيم الأجر والثواب، كما أكد ذلك حديث سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه حيث قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ «أَلَم» حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»[6].
4.  مراتب الصائمين
ليست همم الناس سواء في إقبالهم على ربهم عز وجل ولا كان مقصودهم جميعا من عبادته على كل أحوالهم إخلاص العمل له تعالى وإرادة وجهه، بل تتنازعهم في ذلك حظوظ النفس وخطراتها ونزغات الشياطين ووساوسها وغمرات الغفلة وحُجبها.
 ولما كان الصوم أحق العبادات بإخلاص النية للمعبود سبحانه؛ إذ نسبه الله عز وجل إليه خاصة فقال: &#8220;كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به&#8221;[7]، كانت مراتب الصائمين فيه متفاوتة، فإنهم في &#8220;الصيام على ثلاث درجات: صوم العوام، وصوم الخواص، وصوم خواص الخواص. أما صوم العوام: فهو الإمساك عن شهوتَي البطن والفَرْج، وما يقوم مقامَهما من الفجر إلى الغروب، مع إرسال الجوارح في الزلاَّت، وإهمال القلب في الغفلات. وصاحبُ هذا الصوم ليس له من صومه إلا الجوع، لقوله ﷺ: «مَنْ لم يَدَعْ قولَ الزُور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أنْ يدع طعامَه وشرابَه» . وأما صوم الخواص: فهو إمساك الجوارح كلِّها عن الفَضول، وهو كل ما يشغل العبد عن الوصول، وحاصلُه: حفظ الجوارح الظاهرة والباطنة عن الاشتغال بما لا يَعْنِي. وأما صوم خواص الخواص: فهو حفظ القلب عن الالتفات لغير الرب، وحفظ السر عن الوقوف مع الغير&#8221;[8].
5.  قيام الليل وحفظ اللسان
أن أهم ما يميز شهر رمضان الكريم امتداد فيوض الخير في كل أوقاته؛ صوم بالنهار وقيام بحقوق الناس وسبح فيما تحبب الله إليك به من فرائض العبادات ونوافلها، والتماس ما تقرب به إلى الله عز وجل من شعب الإيمان. وطوبى لمن أحيى ليل شهر رمضان وسعى إلى نيل فضله العظيم.
ينبغي للمؤمنين وللمؤمنات -فرادى وجماعات- التشمير عن ساعد الجد لاغتنام أجر ليالي الشهر الكريم؛ فعن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ».[9] وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ: «إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا، أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، كُتِبَا فِي الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ»[10].
ومن كان ليله ليل مناجاة لمولاه وتغنٍّ بآي البشارة والوعيد، لا يجمل به أن يجعل لسانه منطلقا بما لا طائل تحته من الكلام، وليكن تأسيه في ذلك بخير الخلق ﷺ بترك فضول الكلام والثرثرة ولزوم حصن الصمت ذكرا وتفكرا في نعم مولاه وفضله عليه. فعن سِمَاكٍ قَالَ: &#8220;قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَكُنْتَ تُجَالِسُ النَّبِيَّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَكَانَ طَوِيلَ الصَّمْتِ&#8221;[11]. ونصح صحابته رضي اللَّه عنهم وإخوانه من بعده بحفظ ألسنهم وإلجامها عن الخوض مع الخائضين في أحوال الناس وأعراضهم خصوصا في شهر الصيام، فـ«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».[12]
ويرحم الله الإمام عبد السلام ياسين حيث توجه إليك بلسان الناصح المشفق:
عَلَى قَدَمِ الصِّدْقِ قِفْ وَاثْبُتِ&#8230;.وَفِي ثُلْثِ اللَّيْلِ قُمْ وَاقْنُتِلِسَانَكَ فَاحْفَظْ وَقُل طَيِّبًا&#8230;.مِنَ القَوْلِ أَوْ فَاحْتَشِمْ وَاسْكُتِوَكُنْ فِي السُّكُونِ وَفِي الحَرَكَاتِ&#8230;.مِثَالَ الفَتَى المُتَّقِي المُخْبِتِ[13]
[1] . <a href="https://siraj.net/ar/read?id=1075&amp;page=311">ياسين، عبد السلام (2018) شعب الإيمان (ط. 2). ج1، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر. ص.311.</a> [2] . ياسين، عبد السلام (2018) قطوف (ط. 1). ج2، قطف: 128، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر. ص. 57. [3] . مسند الإمام أحمد، رقم: 11524. [4] . ياسين، عبد السلام (2018) الإحسان (ط. 2). ج1، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر. ص. 269. [5] . ياسين، عبد السلام (2001) الرسالة العلمية (ط. 1). وجدة: مطبوعات الهلال. ص. 11.   [6] . سنن الترمذي، رقم: 2910. [7] . صحيح البخاري، رقم: 5927. [8] . ابن عجيبة، أحمد (2002) البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، تح: أحمد عبد الله القرشي رسلان. (ط. 2). ج1، بيروت: دار الكتب العلمية، ص. 214. [9] . سنن الترمذي، رقم: 3549. [10] . سنن أبي داود، رقم: 1309. [11] . مسند الإمام أحمد، رقم: 20810. [12] . صحيح البخاري، رقم: 1903. [13] . ياسين، عبد السلام (1992) شذرات (ط. 1). فرنسا. ص. 48.

التزكية والدعوة

أبواب الخير في رمضان 2/1

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

أبواب الخير في رمضان 2/2

أبواب الخير في رمضان 2/1

مقالات ذات صلة