إسرائيل ابتلاء مؤقت |
قال الله سبحانه وتعالى ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ. وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ﴾ (سورة آل عمران، الآية 141-137).
إن مما يمكن استخلاصه من هذه الآيات أن من سنة الله تعالى “المكملة لمعاني حكمته سبحانه في الكون وابتلائه للعباد بالسراء والضراء أن يتعاقب النصر والهزيمة ليربي الله الذين آمنوا ويمحصهم ويمحق الكافرين آخر المطاف”[1]، فالناظر في أحوال القرون الماضية يعلم أن أهل الباطل وإن اتفقت لهم الصولة، فمآلهم إلى الضعف والاندثار، وتصير حتما دولة أهل الحق عالية، وصولة أهل الباطل مندرسة.
نزلت الآيات السابقة بعد هزيمة المسلمين في أحد، لكن القرآن الكريم ليس خطابا وتسجيلا لأحداث مظروفة بزمن معين، بل هو كلام الله الحي في كل زمان ومكان، فهو يعد المؤمنين بالعلو بعد الهزيمة وبالعز بعد الذل، فهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
فما نراه من مجازر الكيان الصهيوني في حق الأبرياء العزل، وما يفعله هذا الكيان المشؤوم في أمتنا عموما وفي حق إخوتنا في غزة على وجه الخصوص لا ينبغي أن يكون سببا لضعف يقيننا ولجبننا وعجزنا، بل يجب أن يقوينا، فإن الاستعلاء لا محالة سيحصل للمؤمنين الموقنين في نصره المستفرغين الجهد في سبيل إعلاء كلمته، وستخفق على رؤوس المجاهدين بإذن الله رايات النصر في الدنيا ولافتات السعادة في درجات الآخرة.
يقول الإمام ياسين رحمه الله مبينا شروط النصر: “سنة الله أن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. إن آمنوا وعملوا الصالحات، لا إن أخلوا بالشرط الجهادي حالمين بالمدد الإلهي الخارق للعادة، وهو مدد لا يتنـزل على القاعدين بل يخص به الله من قام وشمر وتعب في بذل الجهد، وأعطى الأسباب حقها، وأعد القوة وبذل المال والنفس وحزب جند الله وجيشهم وسلحهم وتربص بالعدو وخادعه وماكره وغالبه. احترام نواميس الله في الكون وسنته في التاريخ مع صعود النيات إلى الملك الحق مفاتيح لأبواب السماء، بها مع الصلاة والدعاء تتنـزل السكينة وتغشى الرحمة وتَهب رياح النصر برفرفة أجنحة الملائكة”[2].
كل هذه أخلاق عليها يعطينا الله النصر المؤزر، وعلى أخلاق الغثائية من حب للدنيا وكراهية للموت لا يتنزل علينا قدر الله إلا بما نكره.
وإن من القدر الذي نكرهه ويتعين دفعه خذلان الرأي العام العالمي مسلمي فلسطين وخذلان إخوانهم المسلمين، قال الإمام ياسين “خذَلَ الرأيُ العام العالمي مسلمي فلسطين، وطاح شعار «حقوق الإنسان» الذي لا ترتفع صيحاتُه إنْ تكلم اليهود. وخذَلهم إخوانهم المسلمون، عجزا لما هم تحته في مشارق الأرض ومغاربها من معاناة للحكم الجبري القومي اللايكي”[3].
إن معاناة وأنين سواد الأمة المحروم المجهل لن يدوم مهما طال أمد الاستكبار، وبغى في الأرض الفساد. فما هي إلا ساعة ثم تنقضي، قال تعالى (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا) (الشرح: 5 ـ 6). هذه بشارة إلهية عظيمة، إذ كلما وُجد عسر وصعوبة فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب، لدخل عليه اليسر فأخرجه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: “واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا”[4].
فالشدائد مهما تعاظمت لا تدوم على أصحابها، ولا تخلد على مصابها بل إنها أقوى ما تكون اشتدادا واسودادا، أقرب ما تكون انقشاعا وانبلاجا، و هكذا نهاية كل ليل غاسق فجرٌ صادق.
وإن مما ينبغي تأكيده في هذه الأيام العصيبة التي علت فيها إسرائيل وطغت، أنها ستظل ابتلاء مؤقتا “ريثما يدرك المليار ونصف المليار مسلم المتشرذمون هويتهم الحقيقية، لأن الابتلاء مفهوم مركزي في الإسلام يميز الله به الذين آمنوا من الكافرين. وعد الله جلي في كتاب الله، لكن تحقيقه رهين ببضعة شروط؛ بالإيمان، بالمؤهلات السياسية والاجتماعية، بالمقاومة والاستشهاد، وبالإعداد الطويل المتأنِي إلى أن يحل يوم «التداول»، فالنصر رهين بالاستحقاق!”[5].
[1] ـ عبد السلام ياسين، سنة الله، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الثانية 2005م، ص: 10
[2] ـ عبد السلام ياسين، سنة الله، ص: 9
[3] ـ عبد السلام ياسين، الإحسان، دار لبنان للطباعة والنشر – بيروت، الطبعة الثانية 2018م، 2/389
[4] ـ البيهقي، شعب الإيمان، رقم: 9529
[5] ـ عبد السلام ياسين، الإسلام والحداثة، دار إقدام للطباعة والنشر والتوزيع – إستانبول، الطبعة الثانية 2023م، ص: 98
أضف تعليقك (0 )