ارتقى شهيدا بعدما وضع الحجر الأساس مع إخوانه المجاهدين لمرحلة مهمة من مراحل ظهور هذا الدين، منعطف مبارك عنوان بداية «وعد الآخرة»، هذا اللقاء المحتوم بين الحق الإسلامي والباطل الصهيوني اليهودي، قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة﴾ [سورة الإسراء:8]. يقول الإمام ياسين “إن كان من تفاصيل «وعد الآخرة» أن نقاتل اليهود وراء الحجر والشجر إلا شجر الغرقد، فإن «وعد الآخرة» مواجهة بين الإسلام كله تمثله الأمة المستخلفة بعد خلاصها من الفتنة وتحررها من كل عبودية لغير الله…
حلت ذكرى السابع من أكتوبر، بعدما عدّ الناس مرور العام الأول يوما بيوم، ذكرى سلطت الضوء الكاشف، لنعرف حقيقة من ينتمي للأمة ويحمل همها، وقام مساندا لأم قضاياها فلسطين الجريحة، وهي عنوان لمظلومية ترزح تحت نيرها أمة الإسلام لمدة طال أمدها.وليكتشف الناس والعالم من باع نفسه وقضيته، عندما احتشد الاستكبار العالمي المساند للَّقيطة “إسرائيل” مطوقا المنطقة، ومعلنا بلسان حاله شعاره البائس «معنا أو مع الإرهاب».
لقد بدأت الدعوة الإسلامية برجل واحد صنع على عين الله، نشأ فقيرا يتيما، وتجلت في شخصه الكريم قيم الأمانة والصدق والوفاء والكرم…يافعا وشابا مكافحا، فلما أزف أوان النبوة سرت من نور قلبه نسمة الهداية سرا إلى قلة قليلة من عشيرته وأصحابه فلما اشتد عود الدعوة جاء الأمر بالصدع وكان ما كان من تطاول المشركين وإمعانهم في أنواع الأذى وصنوف البلاء، قال ابن إسحاق رحمه الله: “لما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام كما أمر الله لم يردوا عليه حتى ذكر آلهتكم وعابها فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته…
إن اختيار اليهود لأرض فلسطين لتكون وطنا قوميا لهم، لم يكن في واقع الأمر وليد ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما أفرزته من اضطهاد وقمع وتشريد للعنصر اليهودي، ولم يكن اختيار فلسطين بدافع جغرافي أو سياسي أو اقتصادي، وإن كان حضور هذه الدوافع موجودا لكون فلسطين ومنذ القدم كانت محط أطماع خارجية كثيرة نظرا للموقع الجيوستراجي الذي تتميز به منطقة الهلال الخصيب عموما من إمكانات فلاحية وثروات بحرية ومعدنية وفلاحية كبيرة، وتعد فلسطين جزءا من هذه الرقعة الجغرافية الزاخرة بالثروات، لذلك كانت محط أطماع اليهود المتطلعين لدولة إسرائيل التاريخية من النيل إلى الفرات.
في بحثنا هذا سنرصد فهم الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله للقضية، وكيف نظر إلى الرؤية…
فما نراه من مجازر الكيان الصهيوني في حق الأبرياء العزل، وما يفعله هذا الكيان المشؤوم في أمتنا عموما وفي حق إخوتنا في غزة على وجه الخصوص لا ينبغي أن يكون سببا لضعف يقيننا ولجبننا وعجزنا، بل يجب أن يقوينا، فإن الاستعلاء لا محالة سيحصل للمؤمنين الموقنين في نصره المستفرغين الجهد في سبيل إعلاء كلمته، وستخفق على رؤوس المجاهدين بإذن الله رايات النصر في الدنيا ولافتات السعادة في درجات الآخرة.
إن القضية الفلسطينية ليست قضية الإنسان المظلوم المغتصب في أرضه ومصير حياته، المحروم من تقرير مصير كرامة العيش تحت سقف سماء الحرية السماوية وفوق أرض أجداده ووطنه التاريخي، بل هي قضية أمة شهد تاريخها انكسارا في فلسطين فكان له وقع على كل البلاد العربية والإسلامية، وصل إلى حد تصفية القضية الفلسطينية أو ما يعرف بصفقة القرن بمباركة دول عربية، فضاعت فلسطين لأسباب تاريخية، وحدث جرح عميق في جسم الأمة، فرض التفكير في المخرج من هذه الأزمة التاريخية العميقة.
وهي جزء من الشام المبارك، بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له: «اللَّهمَّ بارِكْ لنا في شامِنا وفي يَمَنِنا»[3]. وأهلها هم الطائفة المنصورة بإذن الله، لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحقِّ، لعدوِّهم قاهرين، لا يضرُّهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لَأْواءَ، فهُم كالإناءِ بين الأَكَلةِ، حتى يأتيَهم أمرُ اللهِ وهم كذلك، قالوا: يا رسولَ الله وأين هم؟ قال: ببيتِ المقدسِ وأكنافِ بيتِ المقدسِ»
فنقرأ له رحمه الله ورفع قدره أن: «قضية فلسطين بداية المواجهة الحاسمة بين الحق والباطل، بين الجاهلية والإسلام. مع الجاهلية تنَبؤٌ يهودي بمملكة صهيون الألفية. ومع الإسلام وعد الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالنصر المبين، وبالخلافة على منهاج النبوة، وبظهور هذا الدين على الدين كله ولو كره المشركون، ولو كره الكافرون».[1] بهذه الكلمات الجامعة المانعة لخص الإمام رحمه الله مآلات المواجهة، بين الحق الفلسطيني وباطل بني صهيون وما يأفِكون.
فأن تتسيّد الأكذوبة الفجّة هناك في الإعلام الغربي المتحيّز منذ بداية القصّة، وأن تُدبَّج الأضاليل الباطلة هنا في أوطان العرب ما بعد التطبيع، وأن يجري السعي الحثيث لصناعة “حقائق مصطنعة”، ومحاولة زرعها -عبر بروباجندا الإعلام والثقافة- في الوعي الجمعي للأمة، كل ذلك لن يصمد أمام الحقائق الصلبة والأصول الراسخة التي تَشُدّ القضية برمتها إلى أصل الحكاية.
شكلت القضية الفلسطينية نقطة ارتكاز في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، وهو يبسط المنهاج النبوي لتحرير الأمة وبناء الخلافة، حيث خصص لها مساحة كبيرة فيما كتب ومكانة عليا فيما نظر، ومجالا فسيحا في ما عمل وشيد، لكن للأسف لم يحظ فكره في هذا المجال بالدراسة والبحث. ولذلك أتوكل على الله محاولا فتح هذا الباب والوقوف على هذا الثغر،
إن تحقيق وحدة الأمة باعتبارها مطلبا من مطالب الشريعة إلى جانب مطالب أخرى…
عندما نبحث في موضوع فلسطين الحبيبة في فكر الإمام المجدد فإننا نبحث في موضوع…
نقصد بالانكسار التاريخي الفتنة التي نشبت بمقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه…
حَرِيٌّ أَن تُفاخِرَ بِانتِصارٍ…وَتَلهَجَ في ابتِهاجٍ وَافتِخارِ…
أَرَى رَمَضَانَ ذَكَّرَنَا الْجِهَادَا … وَأَوْرَى فِي حِمَى الْأَقْصَى الزِّنَادَا…