مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

السياسة والحكم

إضاءات على كتاب «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين»

0
إضاءات على كتاب «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين»
 
يستهل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله كتاب «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين» بقوله: “إن هذه الصفحات، وإن جاءت تحت عنوان حواري موجهٍ لفئة من الناس، قصدها الأول والثاني عرض القضية الإسلامية ومشروع المجتمع المسلم على جمهور المسلمين”.
يقع هذا الكتاب الذي ألفه سنة 1414 هـ الموافقة لسنه 1993م وصدر في العام الموالي (1994) -ويدور في فلك مشروع المنهاج النبوي، شأنه في ذلك شأن مؤلفات الإمام رحمه الله- في 240 صفحة، مقسما إلى مقدمة وسبعة فصول:
1. الإسلاميون والصراع السياسي؛ 5. تعليم يحررنا؛
2. أرضية للحوار؛ 6. تنمية تفك رقابنا؛
3. الديمقراطية والشورى؛ 7. حقوق الإنسان.
4. تعبئة وتغيير؛

1. الحوار اختيار مصيري

يذكر الإمام ياسين رحمه الله في مقدمة الكتاب الآدب الرفيعة في الحوار، التي كان يتأدب بها سلفنا مع الخصماء في الرأي، تقرّبا وتحببا وإيناسا وتبليغا ورفقا يمهد للتفاهم دون أن يمنع الإنصاف الذي يعطي كل ذي حق حقه. ثم يبدأ الإمام رحمه الله حواره مع الفضلاء الديمقراطيين بالاعتراف لهم بالفضل، مبينا أن لهم “فضلَ علوم، وفضلَ اهتمام بالشأن العام، وفضلَ معرفةٍ بما يجري في العالم”.
الفاضل من لا ينكر على الناس ما تقدموا به من علوم إنسانية وتقنية، فلا يغمطهم حقوقهم وإن كان الاختلاف حاصلا على مستويات أخرى. فيرى الفاضل الفضل حيث الفضل، وذو المروءة يقَيِّم المروءات، وسفيه النفس الناسُ عنده سفهاء.
 
وما عَبَّرَ الإنسان عن فضل نفسه….كمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل
 
يقر المؤلف رحمه الله بمسألتين اثنتين؛ أولاهما أن الحوار بين المشروعين الإسلامي واللاييكي اختيار مصيري؛ لأننا شركاء في هذا الوطن بل واجب دعوي لأننا حملة رسالة ودعاة، وثانيهُما أن التناقضات بين المشروعين تناقضات عميقة، ومن مصلحة الأمة أن يسهم كل أبنائها إيجابيا لنتراضى على كلمة سواء، لا على حلول وسطى منافقة.
على أن أرضية الإسلام –الكلمةُ السواء- أرضية جامعة لا تتنافى مع أرضية الوطنية، ولا مع أرضية حقوق الإنسان، ولا مع أرضية الحرية، ولا مع أرضية مناهضة الاستبداد. يقول الإمام: “ولعل من أول ما نبدأ به الحوار مع المغربين اللاييكيين الديمقراطيين أن نلتمس منهم الاعتراف بحقنا أن تكون لنا عقيدة راسخة” . وبالمثل نعترف بحقهم أن تكون لهم اختياراتهم وقناعاتهم.
 
ويؤكد الإمام رحمه الله على الأهمية القصوى لمراعاة الذهنيات والنفسيات؛ إذ “لا جرم أن من واجبنا مدَ الجسور برفق ومحبة وحدَب أمام الناس ليحتفظ الناس بسمعتهم، واعتدادهم بنفسهم، وحرمة شخصيتهم حتى لا يخجلوا من عودتهم من الخطأ إلى الصواب، ومن الشك إلى اليقين، ومن اللاأدرية العبثية إلى الإيمان بالله وباليوم الآخر”. مذكرا إيانا بأن نقتدي برسول الله الذي حافظ على الحساسيات وأبقى الزعامات.
 
وعند الحديث عن الحكم وآلياته -في فصل الديمقراطية والشورى- يبين الإمام رحمه الله تعالى أننا على الدرب مع الديمقراطيين نتنافس على ثقة الشعب من يفوز بها. نعتبر ذلك التنافس جهادا سياسيا، ويسمونه من جهتهم نضالا… وإن حدث أن اختار الشعب أن يسير مع الديمقراطيين رجعنا على أنفسنا نتهمها بالتقصير في التعريف بما هو الحكم الإسلامي، واتخذنا وسائل تتيحها الديمقراطية النظيفة لكي نشرح للناس، ونخالط الناس حتى يعرفونا على حقيقتنا.
 
ومع أن الشورى هي نظام الحكم المنشود فلا مانع من التطلع الجدي للاستفادة من مزايا «الديمقراطية»، ومن حسنات «المجتمع المدني» دون خوف أو مواربة. ولنا مع الديمقراطية نقط لقاء كثيرة، على علاتها النظرية وتفاهاتها التطبيقية هناك وهنا. وللذين يتهمون الإسلاميين بالتسلل للقضاء على الديمقراطية يجيبهم بما فُعل بالإسلاميين في الجزائر قائلا: “أنتم أصحاب السوابق لا نحن. من فعلها؟ ” ، الأمر ثقة وإلا ما يغني الحوار.
 
على القاعدة الاجتماعية يتأسس نظام الحكم وباستقرارها يكون استقراره؛ فـ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم﴾ [الرعد: 11]، وحي رباني يخبرنا أن التغيير المجتمعي المرتقب يتأسس على التغيير الفردي. يبدأ التغيير العميق في نفس الإنسان بـتوبة انقلابية رفيقة لا عنف فيها، تائبون يتخلقون ويتربون ويتلقون العلم ويتجدد إيمانهم كما يتجدد سلوكهم. ومن الصحبة وبالصحبة يبدأ التغيير فتسري حياة جديدة في الجسم التقليدي البارد للمجتمع المدني، الذي لا يذكر فيه الله. وبالتقارب والتفاهم والتعاون تتألف القوة السياسية التي ستقود مهمة التغيير، ويكون اللقاء مع ذوي المروءات من الفضلاء الديمقراطيين.
 
وللتعليم مكان الصدارة في البناء بدءا بالأسرة والمدرسة، وليست التربية الوِجدانية القلبية الإيمانية شيئا يترعرع خارج حقل التعليم؛ فإن للنفس والوجدان مسالك مشتركة مع العقل والفكر والحواس.
 
من أجل ذلك، يجمع العلم المحرر بين مطلبين: مطلبِ تحرير الفرد ومطلب تحرير الأمة. والعلم الواجب ابتداءً هو العلم بالله، فهو يحرر الفرد من هواه وأنانيته المستعلية عليه، المانعة له دون رؤية الحق حقا واتباعه، ومن ذهنيته الرعوية ومن عاداته الجارفة له صوب مستنقع الدوابية. ثم هناك العلوم الكونية، التي باكتسابها وتوطينها وبفضلها تتحرر الأمة من رِبقة التبعية للاستكبار العالمي.
 
وميزة التعليم المنشود أنه في كنف القرآن وبلغة القرآن أساسا، وأنه تعليم عملي تطبيقي أخلاقي؛ لأنه يتغيّى تحقيق عمران أخوي أو قل “تنمية” لنتفاهم. وليس التعليم من شأن الحكومة وحدها، بل هو شأن عام، يكتنفه البذل والتطوع.
 
ويربط الإمام رحمه الله فصل التنمية بما سبق، معتبرا العمل على التنمية نوعا من أنواع الجهاد، سلاحه ما سبق من علوم وتدريب وتربية، وتربية قبل كل شيء. ثم تأتي الموارد والتمويل والسوق في الاعتبار الثاني؛ فرسالة المسلمين في العالم لا بد لتبليغها من وسائل كمية صناعية مالية تأهيلية وإلا بقيت كلمة في الهواء الطلق.
واعلم أن في ذهن الحداثويين اللاييكين لا فرق هناك بين الحداثة والتنمية، وهم بذلك مقلدون ومتأخرون بقرنين ونيف يجترون نسق القرن الثامن عشر الأوربي، أو ما يدعون أنه «عصر الأنوار». فهم “حداثويون لكن متخلفون بقرنين في نمط التفكير، مشدودون منجذبون إلى نقطة منها بدأ التاريخ، فلا يصح دخول التاريخ إلا لأمة سلكت نفس المراحل، وتفاعلت نفس التفاعلات” . من لا يتنور بفولتير وروسو فهو في ظلام، وكأن الظروف هي الظروف. لا أبدا فاستعداد أوروبا إذ ذاك لنبذ دينها الكنسي لا يقابله استعداد المسلمين اليوم لنبذ قرآنهم. نقطة قوتنا هي ديننا. ثم إن طريق الحداثة والتنمية ليس واحدا يستوجب بالضرورة القطيعة مع الدين ونبذا مطلقا له.
 
لا يسعنا هنا إلا أن التذكير بما جاء في الشورى والديمقراطية، الذي يعزو فيه الإمام رحمه الله جانبا من المشكل إلى قلة انفتاح بعض مثقفينا على ثقافات أخرى؛ إذ “لو كان مثقفونا يرطنون بلغة غير الفرنسية، ويقرأون لكتاب غير فلاسفة فرنسا ومفكري فرنسا وروائيي فرنسا ومثقفي فرنسا الملتزمين، لعلموا أن معركة «التأليك» لا تُضرمها اليوم إلا الأم فرنسا الابنة البِكر للكنيسة قرونا، الثائرة على أمها منذ قرنين. في أنجلترا دخلت الكنيسة تحت جناح الدولة منذ قرون. في ألمانيا لا يزال الألمانيون يؤدون ضرائب خاصة تمول الكنيسة. هناك لا توجد معركة تأليك ولن توجد”.
 
نرجع إلى «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين» لنقرأ فيه أن القيم الدينية في نموذج اليابان مثلا كانت هي الأساسَ الذي شيدت عليه نهضتها؛ فالياباني البوذي الشنتوي يقدس الميكادو إمبراطوره الإله الذي نصب إدارة شنتوية ورجع إلى الجذور ورجال الدين وأقسم إلههم قسمه الخماسي الشهير فأصبح كسب العلوم واجبا دينيا.
وبعد أن يقارن المؤلف عدد الاختراعات سنة 1990 التي بلغت 200 ألف اختراع في اليابان في حين كان نصيب أمريكا 60 ألفا، وفي ألمانيا 30 ألفا وفي فرنسا 12 ألفا فقط! يتساءل مستغربا: ” لو كان التقليد هو الحكمة لكان الأولى أن نقلد قوى مستقبلية في ريعان شبابها، لا الأمة العجوز” .
 
وينبه بعد هذه المقارنة إلى أن مثال اليابان هو للعبرة فقط وليس مخطِطا للنية الإسلامية؛ لأن الوثنية نقيض أبدي للإسلام. يقول رحمه الله: “نرجع لنذكر الله ونتذكر أن الدنيا جسر للآخرة، وأن الدين الحق ما هو أحبولة لتحصيل التنمية. الدين خضوع للمولى عز وجل. ونخشى أن يطول السجال وتطول المقارنة، فيمسي مفهوم كلامنا وفحواه أن الإسلام أفضل وسيلة للتنمية. وهذا هُراء. هذا هراء لأنه يجعل الدين وسيلة لهدف دنيوي. والحق أن الإسلام يُصلح نيات المسلمين وأخلاقهم، ويجمع شتات همتهم، ويخلقهم ويعبِّئُهم ويوحدهم. فتكون التنمية من الوسائل، هي أهم الوسائل، لتزويد الراحل الفرد، وتسليح الجهاد الواجب على الأمة”.
 
بعد هذا نأتي إلى مضمار حقوق الإنسان، التي هي قضية الضمير الحي في الغرب، وهي دعوة كريمة لصلة الرحم الإنسانية. غير أن الإعلان العالمي لحقوق ولد عقب الحرب العالمية الثانية وفي عهد الاستعمار؛ فعكست مبادئه الفرق بين دول مستعمِرة ومستعمَرة، ومنتصرة ومهزومة. لذلك ف”التطبيق العالمي الفعلي لا يخلو من الكيل بمكيالين، وفلسطين الحبيبة شاهد أول على ذلك. والولادة الثانية للإعلان فكرية أفرزها الحَراك الثوري في فرنسا فكانت ثمة موجهات اللاييكية وطرد الدين وجهلُ حقيقة الإنسان.
فما هي كلمتنا نحن في حقوق الإنسان؟ يجيب الإمام رحمه الله: “رأس الحقوق عندنا، وأم الحريات، ومنبع الكرامة، تحرير الإنسان من كل عبودية غير العبودية لله رب العالمين لا شريك له. ومن حقه في معرفة ربه وخالقه تنبثق سائر الحقوق”.
 
ويذكر الإمام في كتابه «حوار مع الفضلاء الديمقراطيين» ملك المغرب الراحل برسالته التي وجهها إليه قبل عشرين سنة، يقول: “وإنه دائما الإسلام أو الطوفان. خاطبنا من يعلم أن للكلم معنى، وأن بعد اليوم غدا. والله المستعان “.
 
 
[1]. ياسين، عبد السلام. (1994) حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص: 4.
[2]. المصدر نفسه، ص: 3.
[3] . المصدر نفسه، ص: 21.
[4]. المصدر نفسه، ص: 23.
[5] . المصدر نفسه، ص: 68.
[6] . المصدر نفسه، ص: 196.
[7] . ياسين، عبد السلام. (1996) الشورى والديمقراطية، ص: 33-34.
[8] . حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص: 199.
[9] . المصدر نفسه، ص: 203.
[10] . المصدر نفسه، ص: 216.
[11] . المصدر نفسه، ص: 8.
 
 

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد