مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

مقالات في رثاء الإمام

الأستاذ محمد عبادي: هكذا علمنا هذا الرجل رحمه الله

0
الأستاذ محمد عبادي: هكذا علمنا هذا الرجل رحمه الله

(في افتتاح حفل الذكرى الثانية يوم الأحد 14 دجنبر 2014)

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

أُجدِّد ترحابي بدوري بمن كان معنا البارحة وبمن لحق بنا اليوم، ونقول لكم مرحبا أهلا وسهلا، أسال الله تعالى أن يكون حضوركم معنا تغشاه الرحمات والبركات والسكنات والفيوضات الربانية، وأﻻ ننصرف إﻻ وقد قِيل لنا قُوموا مغفورا لكم. فمرحبا بكم جميعا إخوانا وأخوات، وخصوصا أُمُّنا خديجة زوج الراحل رحمه الله وعائلتها وأبنائها وبناتها.

لماذا نحيي هذه الذكرى؟

بالنسبة لأبناء وبنات وأبناء جماعة العدل والإحسان الإمام المجددرحمه الله محبتُه تسكن قلوبنا فلا نحتاج إلى يومٍ في السنة لنستحضر شخصه وسيرته وشمائله ومواقفه، لأنه حاضرٌ معنا في دعاء الرابطة وفيما خلَّفه بين أظهُرنا من كتبٍ قيمة وفيما دعانا إليه ووصانا به، نجدُه مجسداً في إخواننا وأخواتنا لأنهم ولأنهن ورثن منه الشيء الكثير. إذن فما الداعي لإحياء هذه الذكرى؟

المرشد رحمه الله أثناء حياته الدعوية وُجهت إليه سهامٌ شتى وانتقادات لا حصر لها ولا عد، شُوهت سمعته نِيل من عرضه، وُصف بالتخريف وبالتبديع وبالتجهيل وبكل النعوت القبيحة، فحُرِمت الأمة وحُرِم المغاربة من اﻻستفادة مما كان عليه من أخلاق، ومما أثله من تجديدٍ في الدين فاحتاج الأمر أن نحيي ليس يوماً في السنة ولكن أياما وليالي لننفض الغبار عن هذا الرجل الرباني لنُريه للناس كما كان ولن نستطيع، لأننا نحن أيضا معرفُتنا به معرفةٌ سطحية. ﻻ يعرف أولياء الله إﻻ الله أو مَن كان مثلهم. كُنا نزوره بين فينةٍ وأخرى فنجدُه قد قطع أشواطاً في الهِمَّة واليقين في الله وفي اتساع معارفه وفي استبشاره، فكان في ترقٍّ دائم بحيث نجد عبد السلام آخر غير عبد السلام الذي رأيناه وجلسنا معه في الحصة الماضية. عندما نتحدث عنه هو كان رحمه الله لا يبالي بشخصه ولا يحب أن يَشتهر بين الناس، هو عاش للأمة عاش لله سبحانه وتعالى عز وجل.

نتحدث عنه لنشر المنهاج النبوي، فهو لم يكتب المنهاج النبوي إلا بعد أن تجسد فيه المنهاج النبوي علماً وعملاً، والمنهاج النبوي هي السيرة النبوية، هي السُّنة المـُعرفة وليست السُّنن. هناك في الأمة من يحيي سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه رحمه الله كان يجسد السُّنة التي قال فيها الحبيب صلى الله عليه وسلم: “من أحيى سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة”.

يمكن أن نتحدث عن الفضائل وعن المزايا وعن مكارم اﻷخلاق المجردة دون أن نعرضها مجسدة في مَن تشربها واستوعبها، ولكن يبقى أثرُها ضعيفا. اﻷمةُ منذ بعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تعيش مع القرآن. في مساجدنا نقرأ القرآن صباح مساء، هل يصطبغ الناس بروح القرآن وبمعاني القرآن؟ لو كان القرآن كافيا ليتقمصُّه الناس لما احتاج الأمر أن يبعث الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم. العرب يُتقنون اللغة فكان يكفي أن يرسل إليهم الكتاب. ولكن الله تعالى الذي أنزل الكتاب أرسل رسوﻻً يجسد هذا الكتاب، فالصحابة شرِبوا معاني القرآن ونورانية القرآن وروح القرآن من شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذا نجد الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز يأمر حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يذكر أنبياءه فاذكر في الكتاب إبراهيم واذكر في الكتاب إدريس، واذكر في الكتاب اسماعيل، واذكر في الكتاب مريم… عشرات الآيات، ثم بعدها الله سبحانه وتعالى يقول: هذا ذكرٌ، عندما تذكر هؤﻻء فأنت تذكر الله. وقد ورد في مسند الإمام أحمد: “ألا إن أوليائي من خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم”، وبذكرهم تتنزل الرحمات، فنحن نذكر هذا الرجل الذي أكرمنا به الله سبحانه وتعالى عز وجل لنتعرَّض لنفحات الله.

فقلتُ يمكن أن نعرض أحكام القرآن ووصايا القرآن وأخلاق القرآن ونعرض السنة المجردة ﻻ تعطي أكلها كما ينبغي. مثلا يمكن أن نقرأ مليون كتاب على الصدق والإخلاص والخشية والحب لله وخوف الله والشوق إلى والرغبة فيما عند الله، هل تكفي هذه القراءة أن تبعث فينا هذه المشاعر؟ على سبيل المثال نقرأ في كتاب الألباني رحمه الله “صفة صلاة النبي من التكبير إلى التحريم”من التكبير إلى التسليم وذكر فيه حديثا صحيحا أنه كان صلى الله عيلهخ وسلم يسمع لقلبه أزيزٌ كأزيز المرجل، إقرا هذا الحديث وكرِّره هل يحصل لك هذه الحالة إن لم تصحب من ورِث هذه الحالة بالسَّند المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن أيها الأحباب أمةُ السند ﻻ ينازعنا في الأمم أحد. في القرآن وفي الحديث وفي السُّنة الخُلقية، فلا نكتفي بالسنة القولية والفعلية، هذا يمكن أن تأخذها من الكتاب وتطبقها. ولكن أخلاق رسول الله صل الله عليه وسلم ﻻ يكفي أن تأخذها من الكتب وإنما تُتشرب من القلوب بسند متصل. ومن هنا اقتضى الأمر أن نعرض المنهاج النبوي في صورة مَن تجسد هذا المنهاج، مَن تقمص هذا المنهاج.

هذا المنهاج النبوي الذي ضمَّنه صاحبُه شُعب الإيمان، اجتهادا منه، ذكر بضعٌ وسبعون شُعبة التي من استوعبها استوعب الإيمان كله، أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ونحن نتربى على هذه الشعب، وقسمها إلى مجموعات وهو ما سماه بالخصال العشر، كل خَصلة تضم مجموعة من الشُّعب وعليها نتربى. هذه الشُّعب منها ما يهم الفرد ومنها ما يهم الأمة، منها ما يتعلق بالإحسان ومنها ما يتعلق بالعدل، منها ما يتعلق بالغاية الاسخلافية ومنها ما يتعلق بالغاية الإحسانية، وعن الغاية الإحسانية تتوقف الغاية الاستخلافية. الإمام المجدد رحمه الله كما قال عن نفسه أنه خُلق للإحسان. أتذكر في اللقاءات الأولى به سألته ماذا استفدتَ من شيخك؟ فكان جوابه رحمه الله: معرفةُ الله سبحانه وتعالى عز وجل. يُذكِّر في كتبه وفي مجالسه بالآخرة بلقاء الله بالاستعداد ليوم الرحيل. معاني الإحسان لها وجهٌ يتعلق بين الإنسان وربه، ووجه بين الإنسان والإنسان وسأقف عنده. من ارتقى في دينه من إسلام إلى إيمان إلى إحسان كيف يعيش مع الله؟ دائما في حالة حضور وخوفٍ ووجلٍ ومراقبة وذكر وخشية ومحبة ولهج بالذكر ويقين واستبشار وتصديق، يعيش العبودية. ومع نفسه كيف يعيش صاحب الإحسان مع نفسه؟ يرى نفسه ليس شيئا عبداً ذليلا حقيرا مهينا لا قيمة له. هكذا كان يرى الإمام المجدد نفسه.

مرة كنا نتحدث عن الشيخ سيدي أحمد الرفاعي رحمه الله أكرمه الله سبحانه عز وجل كذلك بمعرفة الله سبحانه وتعالى عز وجل، وكتب رسالة إلى تلميذه بعد السميع فقال: أنا حُميد اللاش اللاش إلى عبد السميع، حُميد اللاشيء اللاشيئ، عندما يتحدث إلى أتباعه يقول لهم يدعو على نفسه: حشرني الله مع فرعون وقارون وأُبي بن خلف إن خطر في بالي أني مقدم على أحدكم. نهاية التواضع. فالعارف بالله تعالى ﻻ يعطي لنفسه أي اعتبار. المرشد رحمه الله كانت تصله أقول ممن يتكلم فيه من الناس من وصفه بالخبيث، فلما وصله الخبر قال أنا أتصدق عليه فلا أحاسبه عند الله عزَّ وجل، قضى في السجن أياما عويصة صعبة وتلامذته كذلك وعلى رأسهم مَن قضى في السجن ثماني عشر سنة، وفي اللقاء الأول بعد خروجهم قال لهم: اعفوا عمن ظلمكم، لا تحملون لهم ضغينة ولا حقداً في قلوبكم. فالمحسن في علاقته مع ربه يعيش العبودية والافتقار إلى الله، وفي علاقته مع عباد الله كيف ينظر إلى عباد الله؟ بعين الرحمة والمغفرة والمحبة كما كان رسول الله ينظر إلى الناس بعين الرحمة والشفقة والحنان “لعلك باخعٌ نفسك ألا يكونوا مومنين”، فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات، يتحسر صلى الله عليه وسلم، والحبيب المرشد رحمه الله كان كذلك، سمعته مرارا يقول بالدارجة “آه لو يعرف أعداؤنا ما نُكنُّ لهم مِن خير”)، يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين.

كثيرٌ من المتدخلين جزاهم الله خيرا يتوجسون، ما هو موقفهم من؟ وعلاقتكم بنا؟ وإذا أُسند الأمر إليكم كيف تتعاملون معنا؟ فأريد أن أطمئن الجميع أن علاقتنا بكل عباد الله ليست علاقة صراع، علاقة دعوة، والدعوة هي الرحمة هي المحبة هي العطف هي الحنان هي الرفق هي التدرج هي الصبر هي التحمل. لسنا دعاة نقمة نحن دعاة رحمة، هكذا علمنا هذا الرجل رحمه الله سبحانه وتعالى عز وجل.

حقوق اﻻنسان التي أُثير الحديث عنها كان رحمه الله يقول الحق الذي ينبغي أن يُتحدث عنه وأن يُضمن للإنسان هو حقه في تحقيق العبودية لله، حقه في معرفة الله. أما الحقوق الأخرى التي ينبغي أن نتعاون عليها بمصطلح بائع الملوك العز بن عبد السلام فيعتبرها “حقوق البهائم”: الأكل والشرب واللباس وما شاكل ذلك باصطلاح العز بن عبد السلام أنها حقوق البهائم. وهل الإنسان بهيمة ليكتفي بحقوق البهائم؟ أين حقوق الروح لتعرف ربها سبحانه وتعالى عز وجل.

بعض إخواننا البارحة يُعرِّفون أنفسهم بأنهم ينتمون إلى اليسار وأنهم مسلمون والحمد لله، فقلت لبعض الفضلاء وهم حاضرون معنا: بماذا جاء اليسار مما يُسعد الإنسان وليس في الإسلام؟

أهمُّ شيء تدعو إليه اﻻشتراكية هو العدالة اﻻجتماعية، والعدالة اﻻجتماعية هي صُلب ديننا، ولهذا نرجع شعار العدل، العدالة الاجتماعية من صميم ديننا، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم “أيما أهل عٍرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت ذِمة الله منهم”، وأيما أهل دولةٍ وأيما أهل قريةٍ وأيما أهل حيٍّ أصبح فيهم امرؤٌ فقد برئت ذمة الله تعالى منهم. فكيف ونحن الملايين والعشرات ممن يموتون جوعا، أَخرُج وأرى قصورا فيها كيلومترات، وأذهب إلى المسجد في كل صباح وأجد العشرات من النساء والأرامل يتسولن، وأطل على حي القصدير لا يليق حتى أن يأوي الحيوانات فكيف نتحدث عن العدالة الاجتماعية؟ هذا المطلب ينبغي أن نتعاون عليه جميعا. ﻻ ينبغي أن يكون فينا جائع ولا عار وجائع ولا من هو محتاج على الأمور الضرورية. وبضعة قليلة من الناس يمتلكون كل شيء. هذا ظُلم لا يمكن أن يستمر، فالعدل أساس المـُلك ولا استقرار بدون العدل. فقضية العدل لها ارتباطٌ باﻹحسان، إذا لم يخف الإنسان من ربّه ويكونُ اللهُ يسكن قلبَه لا يستطيع أن يحمل شعار العدل، لأن له تبعات يخاف من السجن، يخاف من الاضطهاد، يخاف على مصالحه فتعالوا جميعا أيها الأحبة نتعاون على إقامة العدل وإحقاق الحق وإزهاق الباطل نضع أيدنا في بعضنا البعض فنكون رحمة في العالمين وللناس أجمعين. أقول قولي هذا وأستغفر الله وجزاكم الله خيرا.

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد