مرت تسع سنوات لم أستطع فيهن الخوض في بحر الذكريات، بحر لجي تتلاطم فيه أمواج…
رن الهاتف ووصلني الخبر وصوت أحد الإخوة متحشرج بين تماسك صعب وأسى في الصدر…
أُجدِّد ترحابي بدوري بمن كان معنا البارحة وبمن لحق بنا اليوم، ونقول لكم مرحبا أهلا وسهلا، أسال الله تعالى أن يكون حضوركم معنا تغشاه الرحمات والبركات والسكنات والفيوضات الربانية، وأﻻ ننصرف إﻻ وقد قِيل لنا قُوموا مغفورا لكم. فمرحبا بكم جميعا إخوانا وأخوات، وخصوصا أُمُّنا خديجة زوج الراحل رحمه الله وعائلتها وأبنائها وبناتها…
الكلمة التي ألقتها فاطمة الزهراء الشيباني حفيدة الإمام رحمه الله ضمن فعاليات الذكرى الثانية لرحيله…
إن المتتبع لفكر الأستاذ ياسين، صاحب نظرية المنهاج النبوي، المبثوثة في عدد هائل من الكتب، ليجد رحابة وأفقا شاسعا يساعد الباحث على اعتباره مفكرا شموليا يفكر من منطلق ما يخدم “أمة الإسلام”. ولنا أن نتساءل: ما فائدة ما ألفه الأستاذ، ونظر له، وأسس من أجله إطارا تنظيميا أبرز من خلاله بعض معالم فكره، وبعض سماته العامة؟…
سيدي عبد السلام ياسين كان قدرا كريما ساقته الألطاف الإلهية لهذه الأمة في هذا العصر الكئيب ليبدأ إيقاف انحدار الأمة بسبب ملوك العض والجبر الذين انحدروا بها كل منحدر، ويبدأ مشروع إعادة بناء صرح الخلافة. فكانت بشارته للأمة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المبشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة، بشارة تعليم وتذكير…
فأنا أشهد الله عز وجل على شكري لهذا الرجل العظيم وامتناني له كثيرا، فمن لم يشكر الناس لا يشكر الله؛ وأشهد من لم يعرفه بعد ولم يقرأ له ولم يصحبه، على ما رأيت من جميل أخلاقه وصلاح أعماله، لعل الله يرزقني بهذه الشهادة أجر الدلالة على الخير وأهل الخير ومواطنه. فالدال على الخير كفاعله…
لو أردنا الإمساك بالخيط الناظم لمختلف الردود والتصريحات والشهادات والمقالات لقلنا إن الأستاذ ياسين رجل من العظماء الكبار الذين قلما يجود الزمان بأمثالهم… عبر كل واحد ممن عبروا عن رأيهم بطريقته الخاصة وأسلوبه عن تلك العظمة. مما يثير تساؤلات من قبيل: لماذا اتفق الجميع على عظمة الرجل وإمامته؟ وما السر في ذلك؟
إن مشروعا فكريا بدأ برجل، فأصبح جماعة إسلامية، أعضاؤها يعدون بعشرات الألوف، في ظل نظام سياسي استبدادي هو الأسوء في عصره، وأقام تنظيما في غاية البناء الهيكلي الحديث، أثبت تماسكه وصلابته على مدى قرابة أربعة عقود…
منذ مدة، رحل عن دنيانا الفانية إلى دار البقاء “ملك من ملوك السماء”، رجل الحب والسلام، رجل المبدأ والموقف، رجل الصمود والثبات رجل القوة الهادئة والحكمة البالغة، رجل الابتسامة الحانية، رحل عن دنيانا الفانية آخر الرجال العظام في زمن قل فيه الرجال…
كان الإمام المجدد عبد السلام ياسين قدس الله سره وارثا كاملا لميراث النبوة بجهاده وثباته على الحق لا تأخذه فيه لومة لائم. كان تجسيدا حيا لمعاني النبوة
إنه الإمام المجدد عبد السلام ياسين حفظه الله سكنه هم معرفة الله عز وجل فوقف على بابه سبحانه وتعالى يطلب من يأخذ بيده إلى مولاه، وويل للشجي من الخلي، لا يعرف حقيقة أزمته الروحية التي مر بها إلا الله ، إنها طلبة المضطرين إلى الله ، نطق قلبه :ربي ، فأجابه ربه : عبدي . وكان فضل الله عليه عظيما .يسر الله له من يأخذ بيده ، ولعبده سبحانه وتعالى ما سأل …
شمس مضيئة بين كوكبين منيرين. توسط الإمام عقدا نظمه في الدنيا بمعية رجلين حبيبين على قلبه.إذا ذكر الإمام في حضرة الأحمدين ترى الدمع يبلل لحيتيهما والشوق يغمر فؤاديهما. صحبة بنيت على أساس محبة الله ورسوله، فكانت الجماعة وانطلق السير على بركة الله…
لقد ترك الراحل رحمه الله تراثا نظريا ضخما، وشكل مدرسة قائمة بذاتها، وكتاباته مجددة مبدعة يصعب على الزمن إقبارها، وقوتها تعود أساسا حسب اعتقادي إلى ثلاث مقدمات حكمتها…
يعيش العظماء والمجددون والأئمة للناس والأمم، يرتفعون إلى ثريا المطالب ويرتقون إلى معالي الغايات. يكبر فكرهم فينير الدروب، وتعظم قلوبهم فيحبهم الخلق، وتعم أفضالهم فتشمل الجميع…
نحسب الإمام الجليل عبد السلام ياسين ممن جعل لهم الرحمان ودا، ولا نزكي على الله أحدا، ودلائل عالم الشهادة وبشائر عالم الغيب مجتمعة ومتوافقة على ذلك ولله الحمد وله المنة…