post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

في الفقرة السابقة تحدثنا عن البيت المسلم كيف تُشَيّد أركان بنائه الإنساني العاطفي، وكيف يتساكن الزوجان في كنف المحبة والمودة والرحمة. وذكرنا شروط السكون القلبية الإيمانية، وشروط المعاشرة والملابسة، وذكرنا شروط تحصين بيت الزوجية من مقتحمات العدوان الخارجي ومُفسدات النفوس ونزغات الشيطان.
كل ذلك لا يقِرُّ له قَرار، ولا يتصور له وجود واستمرار، إن لم تكن الماديات معتبرة «حَق» اعتبار. الماديات أساسا سقف وجدران. البيت الإسلامي المنشود ما هو قصيدة شعرية متمايِسة بجمال تأليفها في سماء الأحلام. البيت السّكني هو الأرض التي لا مَنْبِت للبيت السكون إلا فيها.
هل السكون والمودة والرحمة بين الأزواج مقصد شرعي؟ هل هي منة من الله عز وجل على عباده تكمل في فضاء مجرد أثيري؟ هل هي وعدٌ مُرْجَأ إلى جنة الآخرة، أم هي مطلب في الدنيا المكتظة بدواعي ظلم الضعيف، وأثقال المعاش وضروراته؟
هل المشردة التي لامأوى لها ولا أمان على غدها تجد متسعا لتتأمل في آيات الله فيكمُلَ إيمانها؟ هل المشردة التي لا مأوى لها تُربِّي نشأ صالحاً أو قِطَطاً مشردة مثلها؟
نطعم المؤمنات مثاليات ووعظيات إن رسمنا أفُق المطلوب المقصود في روح القرآن وكلمة الإسلام للمرأة دون أن نرسم خريطة المسافات بين وضعية النساء في مجتمع الفتنة والتخلف والفقر والتظالم والكراهية وبين وضعية يكون فيها عنصر الاستِقْرار في البيت المسلم -وهي الزوج الأم- متمتعا بوسائل الاستقرار المادي وفي مقدمتها السكنى.
ضمن الإضافة في «بيوتهن» يَكْمُن حق المرأة في الأمن السَّكني. وضمن حكم توقيت السكنى والنفقة للمعتدة يكمن أمن النساء في المجتمع المسلم السّوِيِّ. ذلك أن الإسلامَ أقَرَّ مروءة التضامن والتكافل بين الأقارب، وألح في ذلك إلحاحا، وأوصى به إيصاء في مثل قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾. النساء، 36 فالمرأة في المجتمع الإسلامي السوي مكفولة بحقوق على الأب والزوج والأخ، ثم سائر ذوي القربى.
وفصل الله سبحانه في كتابه المبين أمن السكنى والمأوى والملجأ في سورة النور المتضمنة لكثير من أحكام البيت وآدابه. قال تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾. النور، 59
سياق متكامل تقرأ فيه آيات الله وما أوجب من حق وأمر به من بر. نفهم ديننا نُتفا ممزقة إن غفلنا عن المقاصد العليا للشريعة وأخذنا الأحكام منفصلة بعضها منبعض، مستقلة كأنها جزُرٌ منعزلة لا وصل بينها.
لا مجال لمراجعة حكم الله النهائي في حق المطلقات وسكناهن ونفقتهن، إنما المراجعة في مُلاءمة واقعنا الكلي لأمر الله الكلي. حينئذ تأخذ الأحكام المفردَةُ مكانها وأهميتها ونسبيتها في دعم المقاصد الكلية. انتقضت عرا التضامن بين البنات والخالات والعمات منذ القرون الفاضلة التي كانت المسلمة تغشى بلا حرج، وتأكل بلا حرج، وتلجأ بلا حرج إلى تلك البيوت القرآنية التي كررها الله سبحانه تسع مرات في سورة النور، وأردفها بإمكانية الأكل من عند ما نملك مفاتحه، ومن عند الصديق.
إمكانيات وضمانات انعدمت واندثر كثير منها إلا بقايا في المجتمعات الريفية البدوية القريبة، لا تزال، من الفطرة.
 تنوير المؤمنات، ج 2، ص 84-86.

المرأة والأسرة

الأسرة والاستقرار المادي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

من أصبح آمنا في سربه

الأسرة والاستقرار المادي

المكارمة في الحياة الزوجية

ترشيد الشباب

الأسرة مصدر قيام الأمم وانهيارها

الطلاق.. أحكام واجتهادات وإحسان

مقالات ذات صلة