post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الأنانية والجشع وصناعة الفساد
فساد الفرد وفساد المجتمع ينشآن عن طغيان الأنانية الفردية وجشعها. ومن وراء الفلسفة اللبرالية والإديولوجية الاشتراكية -وهما يعالجان المشكل الاقتصادي في غياب تام عن عقدة العقد وهي الجشع الفردي– تستقر المباءة النفسية التي تنبثق عنها الأمراض الاجتماعية الاقتصادية السياسية، من ظلم، واحتكار، ولمّ، وتكاثر، وتفاخر، واستغلال، وتبذير، وطبقية، واستعباد للإنسان بجعله قنا للمالكين، وعبدا للآلة، وعجلة في ناعورة الإنتاج، وعنصرا مكملا لآلية الاستهلاك. الرأسمالية وصفت بكل النعوت الرديئة التي تستحق، وبقيت تهمة أخرى لا يستطيع تبصرها وتوجيهها إليها إلا الإسلام، من منظور ما فعلته وتفعله بالإنسان، من تحويله إلى وسيلة وهو درة الكون، ومن تحريفه عن غايته الروحية الأخروية إلى أهداف الامتلاك الدنيوي والمتعة، ومن تضليله عن صراط الله وإغراقه في المادية. ما زعمته المذاهب الاشتراكية ووعدت به من تحرير الإنسان من وباء الرأسمالية بقي أحلاما على صعيد الإنجاز الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى كون الاشتراكية لا تتجاوز دائرة المادية الدوابية، ولا تفكر في تجاوزها. إذا كانت حيازة وسائل الإنتاج والاستبداد بها من طرف طبقة، هما وسيلتا الرأسمالية لاستغلال العامل، ونهب الثروات الاجتماعية، واستقطابها، فإن نفس الاستغلال والنهب يتحقق لبيروقراطية الاشتراكيات. هنا وهناك، على اختلاف الفلسفات، تمتد من أعماق النفس البشرية توجهات للامتلاك والاحتكار والاستغلال. ما العلاج في نقل الملكية من الأفراد للدولة ما دام المتحكم في أجهزة الدولة هو المتحكم في الملكية العامة. وما دام الظلم والعدوان نابعين من أعماق النفس البشرية التي لا يكفي تغيير البنيات السياسية الاقتصادية لتطهيرها وضبطها. <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d8%a3%d9%81%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a/">النظام الاقتصادي</a> الذي يستطيع أن يفك العقدة التملكية النفسية في الإنسان هو وحده يمكن أن يتجاوز الرأسمالية وأدواءها، والاشتراكيات، وهي الوجه الآخر للرأسمالية. وليس إلا الإسلام. حيازة المال في الإسلام تصرف مؤقت. بهذا يخاطب الله الإنسان، وعلى مقتضاه يجب أن تعمل شريعة الله في التطبيقات الاقتصادية للأمة. قال الله تعالى: {َأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}1 وقال عز من قائل: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}2 الآيات في هذا المعنى كثيرة، تضيف المال إلى الله، وتشير إلى أننا مستخلفون فيه لا غير. ثم تشرح آيات أخرى تكليف المستخلِف (بكسر اللام) للمستخلَف (بفتحها) أن يراعي في تصرفه أحكاما ثابتة، وفي هذه الآيات تنسب الأموال إلينا. قال الله عز وجل: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}3 فنسب اقتراف الأموال (أي حيازتها) إلينا، وساق ذكرها في وصف ظروفنا الاجتماعية، والبيتية، لينبهنا إلى ضرورة محبة الله تعالى أكثر من محبة غيره، ومن جملة ذلك الغير المال المكتسب. فتح الله لعباده أبواب الامتلاك ليمتحنهم. متى استقر هذا في نفسية الفرد، وأصبح له عقيدة، وتعلقت همته بالله فملك الدنيا ولم تملكه، استطاع اقتحام عقبة المال. ومتى تمكن الإيمان بأن الأمر امتحان، وأصبح السلوك الاجتماعي تجاه الملكية والتصرف الاقتصادي فيها خاضعا للشريعة الإسلامية التي تساعد بوازع السلطان الحقيقة القرآنية {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}1 أمكن تجاوز الرأسمالية وأوبئتها، والاشتراكية ووعودها الكاذبة.
1 الحديد، 7 2 النور، 33 3 التوبة، 24
<a href="https://siraj.net/ar/read?id=3&amp;page=332" target="_blank" rel="noopener">عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 333-335.</a>

السياسة والحكم

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

تربية مستقبلية

هذه العلوم الكونية

الرحم الجامعة

الولد الصالح

مأْخذنا الجوهري على الديمقراطية

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ

مقالات ذات صلة