مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

شهادات

الإمام عبد السلام ياسين من خلال “ذاكرة عبور” لمحمد سبيلا

0
الإمام عبد السلام ياسين  من خلال “ذاكرة عبور” لمحمد سبيلا

– بمـاذا تفـسر، مثلا، استعصاء إدماج التيارات الإسلامية الأخرى التي لم تخضع لمـا خـضـع لـه إخـوان الخطيـب، وعـلى رأسها طبعـا جماعـة العـدل والإحسان التي تعتبر بمثابـة الـوزن الثقيـل للإسلاميين في المغـرب؟

– يمكـن أن أقـدم بعـض الافتراضـات التفسيرية في هـذا الإطـار. أولا، يجـب ألا ننسى أن جماعـة العـدل والإحسـان هـي سليل الحركة الصوفيـة وعبـد السـلام ياسين هـو ابـن الطريقـة البوتشيشية ودخـل في مرحلـة مـا في تنافـس لرئاسـة الطريقـة وانفصاله عنهـا هـو إلى حد ما متولـد عـن هـذا التنافس، ولهذا احتفظت جماعة العدل والإحسان بهذا النفس الصـوفي المحصـن بثقافة دينية صوفية قويـة لهـا دور إيديولوجي، وليس فقط دورا تنظيميـا، إنهـا تقـوم بتصفيـح الأفـراد ضـد كل اختراق خارجـي وهذا يعود إلى الجذور البوتشيشية للحركة أي إلى الإرث والتراث في مستوى أولي، وإلى تأثير القديم ونموذجيتـه، ويعـود أيضـا إلى القدرة الفكرية والكاريزميـة لعبـد السـلام ياسـين مـن خـلال كتاباتـه وإنتاجاتـه.

62 – العدل والإحسان: الصلابة والتحصن

– كنتُ قد سـألتك عـن ظـاهـرة استعصاء إدمـاج بعـض التيارات الإسلامية، ومنهـا جماعـة العـدل والإحسـان؛ وأشرت إلى سببين هـما: الجـذور البوتشيشية وكاريزميـة عبـد السـلام ياسين؛ مـا مـدى أهميـة هـذا السبب الثـاني؟

– هذه المسألة مهمة جدا في الحركات السياسية والدينيــة، فكلما كان المؤسـس قويـا وموحيـا ضـمـن إمكانـات الاستمرار والخلود، فعـلال الفاسي كان شخصية كاريزمية ساهمت في تأسيس حزب الاستقلال، وما يزال هـو المحـور والعمود الفقري للحزب بكاريزميته ومؤلفاته، ومـن يستطيع أن يتجاوز قدراته إلى يومنا هذا؟ نفس الأمر ينطبـق عـلى عبـد السـلام ياسين الـذي كان في الأصـل مفتشـا للتعليم الابتدائي وكان ذا تكويـن فرنسي ويحكي عنـه أنـه كان ذا شخصية عصريـة ومتفتحـة، ولكـن في مخاض تطـور شـخصيته غلـب هـذا الجانب الإسلامي الصـوفي وكتاباتـه بالفرنسية تدل على هذه الشخصية.

أتذكـر هنـا كتابـه Islamiser la modernité، حيث تحـس بـذكاء الرجـل وتكوينـه اللغوي الذي يعتبر أساسيا في نقـل الفـكـر، فإغراءات اللغة مهمة جـدا وسحره اللغـوي حـاضر.. إنـه شـخصية كاريزميـة بمعنى مؤسسة وجذابة ومغريـة، ليـس مـن فـراغ وإنما من منتجات ومن سحر لغـوي وفكـري جـذاب. مـن يستطيع أن يتجاوز عبـد السلام ياسين؟ لقد كان يحكى عنـه أنـه كان يـروض كل رجالات الدولة وكان يمتلـك قـوة فكرية وإقناعيـة أضـاف إليهـا مسلكـه الصـوفي الزاهـد جاذبيـة أكبر، فاستطاع أن يكون كتلـة تاريخية، بالمعنى الفيزيائي، غير قابلة للاختراق، وأساسـهـا أفـكـار ومعتقدات صلبة مضادة للنظام السياسي.

– هـل هـي كتلـة أقـل هشاشـة داخليـة مـن الكتـل السياسية والتنظيميـة الأخـرى؟ هـل يمكـن أن نقول إن جماعـة العـدل والإحسان، بفضـل جذورهـا الصوفيـة، تبقى محصنـة ضـد أي إغـراء مـن أي نـوع كان؟

– هـذا هـو سر قوتهـا. يمكـن تفسير هـذه القـوة بهـذه المعتقدات الصلبـة، هنـاك باحـث أمريكي مختص في دراسـة المعتقدات الإيديولوجية، يسمى روكـش، يشتغل على المعتقدات وعـلى مظاهـر قوتها وصلابتها ومرونتهـا ومعتقداتها المركزية. إن العـدل والإحسـان نمـوذج لكتلـة عقديـة صلبـة متمحـورة حـول معتقدات بعضهـا محـوري وبعضهـا ثانـوي، ولكنهـا صلبـة ولديها قدرة طويلـة عـلى مقاومـة كل مـا يحيط بهـا مـن إغـراءات سلطوية وفكريـة وعـلى تفسيرات وتحليلات سياسية صلبـة هـذا إذا أردنا أن نفـسر الصمـود السياسي والصلابـة الفكرية تفسيرا عقلانيـا وملموسـا مـن خـلال نقـط القـوة. إن المعتقـد الصوفي وكاريزما ياسين ومنتجاتهـما الفكرية تتحول إلى دعامات مـن الصعـب النيـل منهـا، ولذلك قاومـت الجماعـة كل أشـكال الاستدماج والتوظيـف السياسي وصمـدت فيهـا.

– هنـاك مـن يـرى أن هـذا الصمـود لـيـس سـوى نتيجـة لـ «سلبية مريحـة لجميع الأطراف»، فما دامـت هـذه المنظمـة تمارس نشاطها في إطاره الصـوفي والشعائري الخاص والمغلق دون إزعاج أو مناوشـة للنظام السياسي، فلماذا تتعرض للاختراق أو محاولة الاستقطاب؟

– -نعـم، هنـاك نـوع مـن التعايـش مـع الوضع، مادامـت الجماعـة غير مؤذية ولم تنخـرط في أعـمال عنـف؛ وربمـا هـذه ميـزة مـن مـيـزات هـذه الجماعـة.. لقـد كانـت دومـا متمسكة بالسلمية ورافضـة للعنف، وهـذا مـن معتقداتهـا المركزية؛ لهـذا فهي لا تشكل، في الحقيقـة، خطـرا مبـاشرا عـلى النظـام. وتتـم مخاطبتهـا وإن لم يتم استدراجها. لقد تفاعلت الجماعة في وقت مـن الأوقـات مع حركة 20 فبراير في إطـار بعـض المطالب، ولكنها حافظت مع ذلك على تماسكها الداخلي، ولم تعترضهـا مـن جهـة اختراقات ومـن جهـة أخـرى خيانات داخلية أو انشقاقات؛ وهـذا من مظاهـر صلابتهـا التنظيمية والإيديولوجية الداخلية، ولديهـا قدرة على مواجهـة الأفكار الخارجية المخالفة لهـا.. لديها أجوبة جاهـزة قوية وصارمـة عـلى كل مـا يطـرح خارجها، بما في ذلك الأسئلة السياسية الحارقة. إنهـا ليست جماعـة صوفيـة مغلقة بالمعنى التقليدي، فالحركة البوتشيشية أكثر تقليدانيـة منهـا على اعتبار أنـه ليسـت لهـا أبعـاد سياسية تنظيمية أو فكرية؛ أمـا جماعة العدل والإحسـان فلديهـا أجوبـة سياسية وحصانة إيديولوجيـة.

63 – قوة المقاومات الذاتية

– تحدثت عـمـا سـميته « صمـود » جماعة العدل والإحسان، أنهـا تتميز بحصانة إيديولوجيـة، وكذا بتقديم أجوبة سياسية حتى وإن كانـت تقـدم أجوبتهـا السياسية أحيانـا بقـوالـب غـير واقعيـة كـالـرؤى مثـل حكايـة رؤيا القومـة في 2006 …

– هـذا مـا حـدث، أيضا، في ميدان رابعـة في مصر الذي اعتصـم فيـه الإخـوان المسلمون وادعـى بعضهـم رؤية الملائكة تتنـزل عليهـم. مثـل هـذه الخطابات تزيـد مـن صلابـة المعتقد وتمتنـه لأن التأويـل الخـرافي والغيبـي ذو قـوة أكبر وسحر أكثر بالنسبة إلى الناس الذين يعتقدون في مثـل هـذه الأمـور.

– لكـن هـذه المسألة المتعلقـة بالـرؤى كانـت مطعنـا ومأخـذا عـلى الجماعـة مـن طـرف باقـي التيارات والأحـزاب وحتـى مـن طـرف بعـض الباحثين الذيـن يعتقدون أن تنظيما يؤسـس عـلى مثـل هـذه الأفكار هـو، في النهايـة، لايزال بعيـدا عـن روح العـصر…

– – هـذه هـي قـوة التنظيـم.. تندمج فيـه مظاهـر العقلنة والحداثـة، وعـلى سبيل المثال الاهتمام بالسياسـة وقضاياهـا ومسألة الخلافة والمشروعيـة؛ فيـه نـوع مـن اسـتدماج بعـض الأفكار الحديثة وهضمهـا داخليا والتأسيس لهـا وتكتيلهـا بشكل يصعـب معـه تحريكها. هـذه مآخـذ خارجية، لكـن داخـل الجماعة لا يوجد أي تناقض، فدرجـات العقلانيـة لـهـا حـدود، وربمـا تكـون هذه العقلانيـة تبيـح تجـاوز ذاتهـا واسـتعمال الآليات التـي لا تنسجم كثيرا معهـا، وإن كانت في العمـق ليسـت عـلى طـرف نقيض معهـا، إنهـا لعبـة داخليـة تتعلـق بـصراع الأحجـام بـيـن مـا هو عقلاني ومـا هـو لاعقلاني.

– قد يكـون هـذا الخطـاب الغيبـي موجهـا للاستهلاك الداخـلـي أكـثر منـه خطابـا عامـا…

– كونه موجهـا ليـس بمعنـى قصـدي، أي ليـس بغـرض التحايـل أو التلاعـب بالعقـول. هنـا يكـمـن المشـكل.. عندمـا تعتقد أن الأمـر فيـه سـوء نيـة. إنهـا هوامـش المعتقـد التـي تنسجم وتنتمي إلى نفس النسيج الفكـري، فلذلك لا يتعلـق الأمـر بقصديـة اسـتعمالية أداتيـة.. إنهـا امتـدادات لاعقلانيـة للمعتقد. وهنـا يجـب الانتباه إلى هـذه القدرة الفائقـة عـلى التعايش بين قيـم وأفكار تنتمي إلى منظومـات إبستيمية متباينـة ومتنافـرة.

– إذا قارنـا بـين تجربة جماعـة العـدل والإحسـان والتيـار الإسلامي الـذي تـم اسـتدماجه سياسيا، ممثلا في حـزب العدالة والتنميـة، أيـن تُراهـا سـتكون الفروقات بينهـما كامنـة؟

–  إنهـا فروقـات أساسية بين القبـول بـكـل مسـلمات الفكر الحديث، بالديمقراطيـة والـصراع السياسي والتنافـس والتداول على السلطة والدستور وهضـم قـدر أكـبر مـن العقلانيـة ومـن العقلنـة السياسية، إنـه تسـليم بنظـام قيـم كامـل في إطـار نـوع مـن التكيف الاجتماعي والسياسي يقـر بـأن هـذه حقائـق مشـتركة.

– أنت تتحدث هنا عن تجربة العدالة والتنمية؟

– نعـم، فخلفيـات هـذا التطـور قويـة بـدءا حتـى مـن تطـور الأشخاص الذيـن كان بعضهـم يكفـر الديمقراطية، ثـم وضع كل ذلك بين قوسين والقبـول بالاندماج، وهـذا كان دائما ورهـان السلطة.. أي القابلية للاستدماج والاستدراج والقبـول باللعبة السياسية في مختلف مكوناتهـا؛ ويبدو أن خطـة النظام ناجحة في هـذا الإطار، فالمسافات التي قطعهـا متقدمة جدا.

 لنأخـذ، على سبيل المثال، الخطاب السياسي للعدالة والتنمية في البرلمان.. إننـا نلمس أن هناك حذرا لغويا قويا ورقابة ذاتية ملحوظـة، لم يعـد هنـاك ورود قـوي للمصطلحـات الدينية، ولم تعـد هناك استشهادات قدسية طويلة وخطـاب وعظـي؛ هنـاك ترويـض تدريجـي لهـذه القـوى لتشـذيبها وتهذيبهـا وتعويدهـا على المقولات المدنيـة واللغـة المدنيـة. إذا اقتصرنـا عـلى اللغـة وحدهـا باعتبارهـا مـؤشرا عـلى الذهنيـة، سنلاحظ فرقا كبيرا. إن النائب في البرلمان يتحـدث كفاعـل مـدني مـع إحـالات حـذرة ومراقبـة للقدسـيات واستعمالها. إذن، ليـس هنـاك فقـط قبـول بشروط الصراع والاندماج، بـل وتكيـف تدريجـي مـع متطلبات هـذا الاندماج؛ فالاستطالة في هـذا الحقـل أعطت نتائجها، لكـن يتعين ألا ننظر إلى المسألة على أساس أنهـا مجـرد جـر واستدراج، فللحركة الإسلامية ديناميتها الخاصـة ووعيهـا الخـاص وتحليلاتها واستراتيجيتها ومقاوماتهـا الخاصـة ضـد الالتهـام.

64 – الصلابة الايديولوجية والتنظيمية

 – تطرقنـا إلى مسألة استدماج بعـض التيارات الإسلامية وقدمت مثالا على التكيف الذي جسـده حـزب العدالة والتنمية هـل يلحـق هـذا التكيـف حتى المرجعيـة؟ يمكن أن نأخـذ مثالا على ذلك موقـف حـزب العدالة والتنميـة مـن خـطـة إدماج المرأة في التنمية، فاليـوم بعـد سـنوات لم يعـد للحـزب اعتراض كبير على طرح قضايـا تقدميـة كالإجهاض والميراث…

– إن الرهـان الأسـاسي للسلطة هو رهـان عـلى الزمـن الرهان على التكيف التدريجـي وعـلى القدرة على التعلم وقراءة التاريخ فهي لا تطلـب مـن موضوعهـا التخلي الكامـل عـن جهـازه الثقافي.

– في حالة العدل والإحسـان، هـل يمكن للرهـان عـلى الزمن أن ينجح؟ الملحوظ أنه لم ينجح، على الأقل إلى حـدود اليوم…

– كما قلـت لـك سـابقا، العـدل والإحسـان جماعـة محصنة، أحـد رهـانـات استمرارها ووجودهـا هـو التحكـم في الحدود. تاريخيا، تبين أن التفريط أو الانفتاح قليلا يعني نهايـة الحكايـة؛ مثـال الاتحـاد الاشتراكي معـبر بـدأ الانفتـاح وانهيـار السدود تدريجيـا مـن يـوم استدعاء مثقـف كبير وتكليفـه بجولة دبلوماسية في الخارج. هنـاك مثـال آخـر لا يمكـن أن أنسـاه.. في ذروة الصراع بين الحركة التقدميـة والقـصر، كان هنـاك شـاعر مثقـف ينتمـي جزئيا إلى حـزب الاستقلال، وذات يـوم «زغبـو الله» وقـدم تصريحـا في الإذاعـة، فيـه نـوع مـن التنازلات، فتعـرض لمقاطعـة شـاملة في مدينـة فـاس، إذ كان يقطـع الشـارع طـولا وعرضـا فـلا يلقـي عليـه أحـد التحيـة.. كان كمـن ارتكب خيانـة. في المعتقـد، بمجرد التراجـع أو التنازل ولـو جزئيـا يـحـدث الانهيـار التدرجـي؛ لذلـك فـإن جماعـة العـدل والإحسـان كـلـما تماسـكت وتصلبت ولم تتسامح، ظلـت وفيـة لذاتهـا، أي لصورتهـا المثاليـة عـن ذاتهـا، ووفيـة لمؤسسـهـا الـذي يعتبر روحهـا ونفسـها عـلى المستوى السيكولوجي، يصبـح التراجـع أو التنازل مثـل الخيانة ويبـدأ مسلسل الانهيـار.

– هل تعتقد أن الجماعة واعية بهذه المسألة؟

-أكيد، وهذا ربما هو سر صلابتها وسر غياب التسربات والمشاكل، تذكر كيـف تـم استجماع مسألة نادية ياسين بسرعة للحفاظ على صورة الجماعة.

– إذا كانت الدولة تراهـن عـلى الزمـن، فهـل الجماعة أيضا لديهـا نفـس الرهـان؟ إلى متى يمكن للأتباع الاصطفاف والانضباط لمشروع لم يتحقق؟

مـن المؤكد أن هناك اعتقـادا عميقـا بـأن التاريخ صالح الجماعة وإلا لانفض الجمع، هـذا مـن المعتقدات المركزية «التاريخ معنـا وسينصفنا غـدا أو بعـد غـد. نحـن في خـط في التاريخ ونملك الحقيقة والحـق، ومعنـا اللـه»، تعتبر دراسـة روكش قمة الروعة في هـذا المجـال.. إنهـا تفـسر كيـف تتقـوى الجماعـات بإيديولوجيتهـا، ويمكـن أن تفيـد في فهـم هـذه الصلابة طويلة المـدى لمعتقدات مركزية تتراوح بين العقلانية واللاعقلانية.

– الخـروج مـن عقليـة الجماعة إلى عقليـة الحـزب السياسي لمـاذا لم تقتنـع بـه الجماعـة؟ هـل تعتقـد أن تحولهـا إلى حـزب سياسي سيجعلها تلقـى نفـس مصـير الأحـزاب الأخـرى؟

– يمكن أن يكـون ذلـك مـن المعتقدات. أكيد أن مـن أفكار عبد السلام ياسين أنـه يجـب مقاومة الحقل السياسي، أقصـد أن هنـاك بالضرورة تغذية إيديولوجية داخلية قوية لهذه الفكرة؟ لا أستطيع أن أجـزم، لكـن أكيـد أن هناك توجها لمقاومة الاختيار والانهيار.

– مـن المعـروف، إعلاميـا عـلى الأقـل، أنـه كـانـت هنـاك دائمـا مفاوضات بين الدولة والجماعـة، وكانـت فيهـا محـاولات الاستقطاب والاستدماج في الحقـل السياسي في مراحل مختلفـة؛ لكن كان دائمـا يقـال إن الجماعة لديها شروط ولا يمكن أن تقبل الاندماج إلا بشروطهـا تلـك. ألا ترى أن السبب في ذلك حقيقة هو وعي الجماعـة بـأن خروجهـا مـن الجبـة الصوفية إلى الجبـة السياسية الصرفة يعنـي نهايتهـا؟

 – أكيـد أن هنـاك وعيـا وحسـا قويـا بهـذه المسألة، وهـذا هـو الـذي يفسر مقاومـة الجماعـة لـكل أشكال الإغـراء والاستدراج، وعـدم تسـاهلها في رعايـة الحـدود السياسية.

65 – في الركائز الاجتماعية للايديولوجيا

– أكـدتَ أن هناك وعيـا داخـل جماعـة العـدل والإحسـان بخطورة الخـروج مـن الجبـة الصوفية إلى الجبـة الحزبيـة…

 – نعـم، واستمرار مقاومة الإغـراء هـو سر هـذا التماسك. بحيث لم تستطع الدولة أن تنتزع منهـا شـيئا. هـذا راجـع إلى صلابة المعتقد الداخـلي الـذي يمكـن أن نـراه مـن وجهـين: المعتقـد والتنظيم؛ أحدهـمـا يـغـذي الآخـر. التنظيـم صلب ولا يمكن لأي كان أن ينضم إليـه، حيث هنـاك تراتبـات وقواعـد ومصـافي التنظيمي والفكري يتعاضـدان في تمتين صلابة الجماعـة.

– تعتبر العدل والإحسـان أكثر الجماعات تنظيما وأكبرهـا أتباعـا وحـشـدا، وهـذا يظهر في كثير مـن المناسبات، خصوصا في المسيرات ولحظات الاحتجاج. باعتبـارك مفكرا اشتغل كثيرا على محـور الحداثة والتحديث، بمـاذا تفـسر كـون المغرب، بعـد عقـود طويلـة مـن استقلاله، تتربع على عرش تنظيماتـه جماعـة دينيـة مثـل جماعـة العـدل والإحسـان، وكونـه لم يستطع إنتـاج نمـوذج لتنظيـم سـياسي حـداثي تقدمـي بنفـس القـوة والجاذبية؟

– في وقـت مـن الأوقات، كانت الحركة التقدمية منظمة تنظيما ستالينيا، وكان نموذج الحزب الشيوعي يغري ويقلـد مـن طـرف الأحـزاب اليسارية، وكانـت عبـارة عـن قـوى حقيقيـة ومنظمـة؛ ولكـن نتيجـة التحولات السياسية ومشكلات الحركة التقدميـة، وجدت نفسها في إطـار صراع قاتـل مـع النظـام، وهـذه ليسـت مسـألة سهلة، أدت إلى انفجـار هـذا النمـوذج التنظيمـي، قبـل أن تخـف لاحقا مع الانفتـاح السياسي ومرحلـة التناوب وإدماج المعارضة. ومبدئيا، تعتبر التنظيمات الحديثـة والحداثيـة تنظيمات منفتحة ورخـوة؛ فـإذا أردنا أن نضـع تصنيفـا في هـذا الإطار يمكن أن نقول إن الانفتـاح حـداثي، والانغلاق تقليدي، هـي حالة فريدة راجعة إلى مسار معين لشخص تربى في الحركة الصوفية وانفصـل عنهـا وخلـق تنظيـما مـوازيـا أكـثر انفتاحا لـكـن لـه نفـس الصفـات، عـلى الأقـل التنظيمية والتأطيرية والضبطيـة التـي تتمتـع بـهـا الطريقة الصوفيـة أو ربمـا حـتـى اليسـار الستاليني، الاعتقـاد وكاريزمـا الشخصية والمنظومة المعتقديـة الفكرية. كل كتابات عبد السلام ياسين هـي النـور الهـادي في كل هـذا المسار. إنهـا ليسـت فقـط جماعـة ملتفة حـول شيخ طريقـة، بـل فيهـا محتـوى فـكـري، وهـو مـا يزيد مـن صلابتهـا.

– رغم انغلاقها فإن لها، إذن، قدرة على الاستقطاب…

– بل ولهـا قـدرة أكثر على التفسير، فعبد السلام ياسين قدم كتابـات حـول كل القضايـا: المـرأة، التعليم، الحكــم… وهذه الكتابات لهـا قـدرة تأطيرية وإدماجية وحمائية. والأتباع يجدون الإجابـات عـن كل شيء. إنهـا حمايـة وتحصـن فـكـري وإيديولوجـي.

ذاكرة عبور سيرة ذاتية حوارية

أكتوبر2021

حاوره: رشيد عفيف عن جريدة المساء

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد