post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الاعتكاف منطلق مسيرة جديدة
تعليق على مجلس من مجالس الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله الكريم وآله وصحبه وإخوانه وحزبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إن قراءة مكتوبات الإمام المجدد والاستماع إليه في شريط مرئي أو مسموع هو تحقيق مباشر لصحبة الإمام واستدامة للصلة القلبية به والاقتباس من نوره وفضله وعلمه، إذ لا تحبس الصلة برازخ الموت. رحم الله الإمام ونفعنا الله بعلمه ونوره. وجعلنا غرسا طيبا من غرسه، وأبناء بررة له، وأجزل الله له المثوبة والإحسان، على ما ربى وعلم ونظم وصبر وبنى وأسس وجاهد.
كلمات الإمام رحمه الله، وكشأن كلام الربانيين، كلما عاودت الاستماع إليها تبث فيك كل وقت وحين معاني متجددة، وتنضح منها فوائد متعددة، فهي مستقاة ومقتبسة من مشكاة النبوة ونور الوحي الذي لا يخلق على كثرة الرد. تدفعنا هذه الكلمة المباركة إلى أن نجدد النية والعزم والفهم، لدى إقبالنا على كل خطوة وكل عمل مهما كان، تدلنا وتذكرنا بنقطة الانطلاق.
الاعتكاف فرصة للانجماع على الله، فرارا إليه وعكوفا على بابه، واستغراقا في ذكره، وصلة بكتابه، وتعميقا للصحبة والجماعة تشربا قلبيا. وهو فرصة للتعمق في النفس ﴿وفي أنفسكم أفلا تبصرون﴾[1].
والإبصار أولا، إبصار لحقيقة الانسان نشأة ومصيرا. يا أيها الإنسان من أين جئت؟ وإلى أين أنت ذاهب؟ نتذكر حقيقة الخلق وعظمة الخالق، ونُذكر الناس بذلك. وما وباء كورونا المستجد بوصفه قدرا من أقدار الله، إلا تذكير للانسان بحقيقته وبمخلوقيته، وبحقيقة الموت والآخرة. «وبما نحن قبل كل شيء دعوة فعلينا أن نحمل مع هم آخرتنا هَمَّ آخرة العباد»[2].
والإبصار ثانيا، إبصار لحقيقة النفس. نجلس مع أنفسنا ونتعمق فيها، ونفتش في قلوبنا ونسائلها، كيف ايمانك ؟ هل أنت مطمئنة ؟ هل تطمئنين إلى الخير؟
و«العاقل من جعل ديدنه محاسبة النفس صباح مساء، يستغفر ربه لزلاته، ويحمده على نعمائه، يتوب ويتفكر ويبكي ويتذكر»[3]. ومراجعة النفس على الدوام تربية تضع المؤمن والمؤمنة في طريق السلوك إلى الله والسير إليه والرقي في درجات الدين، إسلاما وايمانا واحسانا. كما أنها بناء للذات والشخصية المؤمنة المحسنة، وبناء للرجولة الايمانية الإحسانية بناء متوازنا.
التربية بناء وعطاء ونماء ووفاء، إنها عملية مترابطة شاملة متكاملة، تحتاج صبرا ومصابرة وعونا وسندا، والصحبة هي المفتاح.
   التربية بناء، فكيف نبني ايماننا؟
إن أساس البناء النفسي للمؤمن والمؤمنة الصلاة، فالصلاة عماد الدين وهي العمود الفقري للدين. وإن زاد المؤمن والمؤمنة وربيع قلبهما القرآن تدبرا وتطبيقا، نتفاعل مع خطاب الله بآيات الوعد وآيات الوعيد. نجدد صلتنا بالقرآن تلاوة واستماعا وحفظا وتدبرا وعملا ودعوة، ونجعل من القرآن محور تربيتنا في مجالس الايمان، ثم نسعى لنحقق عزمة الحفظ فرادى وجماعة.
القرآن ! القرآن ! القرآن ! 
نواظب على يوم المؤمن وليلته سلوكا فرديا وجماعيا، نأخذ بأيدي بعضنا البعض، ونتواصى بالحق والصبر.
    التربية نماء، فكيف ننمي أخلاقنا؟
إن جمال المؤمن والمؤمنة هي سمت الإسلام مظهرا وسلوكا، والأخلاق الايمانية هي مرآة التربية وثمرتها، فيجمع المؤمن والمؤمنة مكارم الأخلاق ويتخلصان من مساوئها، حسنَ خلقٍ مع الأقرب فالأقرب، الزوجة والأقارب والجيران والناس أجمعين. ومن حسن الخلق التخلص من العادات السيئة وتعويد النفس على حَسَن العادات. ذلك «أن البكائين في المساجد العاكفين على التلاوة والذكر لن يكونوا هم أهل النور والربانية إن لم يكن سلوكهم العملي مع الناس الأقرب فالأقرب، سلوكا أخلاقيا مروئيا»[4].
    التربية عطاء، فكيف نوسع عطاءنا؟
البر عطاء، وبذل الوقت والجهد والعلم والمال ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ﴾[5]. نتخلص من صفة الشح والبخل لننفق من ذات اليد، ونتقلل لنؤثر المحتاج بما زاد عن حاجتنا، فالتقلل ايثار للمحتاج بالفضل مما عندك. نتفقد الجارذا القربى والجار الجنب، ثم الأبعد فالأبعد حتى يفيض خيرنا على البر والفاجر.
   التربية وفاء، فكيف نقوى وفاءنا لله ولرسوله محبة وتعظيما ؟
نقوي وفاءنا لامة رسول الله دعوة ونصحا ومحبة وتأليفا ودفعا للظلم والقهر عنها، ثم نتأهل معها للرقي في مدارج الإحسان تحقيقا للأمر الإلهي الخالد والمهمة العظيمة التي من أجلها بعث الله الرسل والأنبياء ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان﴾.[6] نجمع بين حمل هم الإحسان تحقيقا للاكتمال الروحي والخلقي والنفسي والإحساني، وبين طلب العدل للفرد والأمة. نبني أنفسنا لتتأهل لبناء الأمة. ومِن طلب العدل تقديم النصح للحاكم، وفضح الظلم والسعي لتحقيق العيش الكريم لأفراد الأمة.
والمُعوَّل على صحبة الصادقين، فبذكر الصالحين تتنزل الرحمات، ناهيك بمجالستهم والنظر إلى وجوههم. أهل الله رؤيتهم تذكرك بالله، وكلامهم كله حرص وإشفاق وتوجيه لمعالي الأمور وتحذير من سفاسفها، كلامهم تذكير بالأصول وبيان لمفاتيح الوصول.
«من دلك على الدنيا فقد غشك، ومن دلك على كثرة العمل فقد أتعبك، ومن دلك على الله فقد نصحك»[7].
نسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ﴿أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب﴾[8]، وأن يجعل هذا الاعتكاف رحمة ومغفرة على قلوبنا وأن يفيض علينا من رحماته العميمة، وأن ينظر إلينا نظرة رحيمة، نظرة تشرح صدورنا وتضع أوزارنا وترفع ذكرنا.
https://yassine.tv/2016/06/24/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82-%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a9/
&nbsp;
[1]  سورة الذاريات، الآية 21. [2]  العدل : الإسلاميون والحكم، الإمام عبد السلام ياسين، ص 164، مطبوعات الأفق، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 2000. [3]  الإحسان، الإمام عبد السلام ياسين، الجزء الأول، ص 269، دار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 1998. [4]  سنة الله، الإمام عبد السلام ياسين، ص 281، مطبعة الخليج العربي، الطبعة الأولى، تطوان،2005. [5]  سورة البقرة، الآية 186. [6] سورة النحل، الآية 90. [7]  المولى عبد السلام بن مشيش. [8] سورة الزمر، الآية 17.

التزكية والدعوة

الاعتكاف منطلق مسيرة جديدة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

حوارات: الدرس الأخلاقي وقضاياه مع ذ. علي تيزنت

الاعتكاف منطلق مسيرة جديدة

مقالات ذات صلة