post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

التعليم طريق البناء وإعداد المستقبل
لا تزال أزماتنا ومشكلاتنا الموروثة والطارئة تتفاقم وتتوالد، مرحلة بعد مرحلة، وجيلا بعد جيل. لا نستثني في عدها وإحصائها أي مجال من مجالات الحياة، ولا أي ميدان من ميادين وقطاعات الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والبيئة وغيرها.
لم تفلح مبادرات الحكومات والمؤسسات الوطنية المتعاقبة بعد مرحلة الاستعمار الخبيث والمدمر في إيجاد سبيل يخرجنا من لعبة &#8220;النمو والتخلف&#8221;، وينقذنا من متاهات التبعية المستمرة للدول والمؤسسات المالية، ويبرئ كياننا المادي والمعنوي من تشوهات وعاهات ظاهرة وباطنة.
لا تخلو مجتمعاتنا المسلمة من مراجع ومؤلفات ومشاريع فكرية وعلمية متخصصة في مجالات متنوعة، بل لا تخلو من جهود الصادقين من رجال ونساء ذوي كفايات ومؤهلات وقدرات نذروا أنفسهم لمعالجة تلك الأزمات والقضايا الملتهبة، لكن طريق صناعة القرار وتنفيذه تظل مغلقة في وجوههم بسبب هيمنة الاستبداد السياسي، وانتشار الفساد الإداري والاقتصادي والمالي، وتفشي الأوبئة الاجتماعية الفتاكة.
ومعنى هذا الأمر ومقتضاه هو ضرورة تجميع القوى المجتمعية لإزالة العوائق جميعها، بل أولاها، من طريق اتخاذ القرار المصيري والمستقبلي لاستعادة عافية مجتمعاتنا وعزتها وحضورها الشاهد بالقسط والعدل والكرامة، لها وللإنسانية المعذبة جمعاء. وهذه هي الخطوة الأولى.
ثم تليها الخطوة الثانية ذات الأولوية القصوى، وهي أولوية البناء النفسي والفكري والاجتماعي والعلمي لكل أفراد مجتمعاتنا، وهذا لا يتم إلا ضمن ميدان التربية والتعليم ونظامه.
كتب الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله متحدثا عن الأهمية البالغة للتربية والتعليم في تأسيس طريق البناء وإعداد المستقبل: “وللتعليم مكان الصدارة في أولويات البناء بما هو التعليم، ومعاهد التعليم، ومدارسه الابتدائية والثانوية والجامعات، ومحاضن الصغار أمكنة للتربية والتأثير. وبما هو النظام التعليمي والإعلامي شبكة محيطة بوقت الناشئة مستولية على حياتها الفكرية والنفسية”[1]
إن ميدان التربية والتعليم هو ميدان البناء وإعادة الصياغة للشخصية بجميع مكوناتها وأبعادها. وهو ميدان للمواجهة مع جميع التحديات الداخلية والخارجية، الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية. قال رحمه الله تعالى: “وأعظم ميدان للمواجهة ميدان التربية والتعليم، ذلك الميدان الذي فيه يتقرر المستقبل، وعلى نتائج غرسه يتوقف مصير الأمة. الأطفـال والشباب ضحايا في يد المثقفين المغربين المعادين للدين، ما مثلُ المثقفين العـائدين من يستنقذهم من الأيدي القذرة”.[2]
ويكفل نظام التربية والتعليم، المتحرر غدا من سيطرة المستكبرين والمبذرين من حكامنا، لأبنائنا وبناتنا وجميع أفراد مجتمعاتنا أن يتلقوا المعارف والعلوم الضرورية لتحريرها من جميع العاهات والأمراض الموروثة والطارئة، وإمدادها بالقوة الضرورية لبناء مستقبلنا، مستقبل القوة والكفاية والعزة والشهادة بالقسط.
لكن هناك بابا يتعين التنبيه إليه في ترتيب أولويات التربية والتعليم. لنتأمل ما كتبه العلامة يوسف القرضاوي رحمه الله في هذا الشأن:
“ولا يكفي المدرسة أبدًا أن تزود التلميذ بالخبرات والمهارات، المادية والفنية، أو بالحقائق والمعلومات عن البيئة والحياة من حوله. ثم تدعه ضالاًّ جاهلاً بقضايا الوجود الكبرى، التي تحيره، وتلقي عليه أسئلة لا يجد لها جوابًا من أين جاء؟ ومن جاء به؟ وإلى أين يذهب بعد رحلة الحياة؟ وهل له من رسالة بين مجيئه وذهابه ـ أو بين حياته وموته؟ وما هي ومن يملك تحديدها؟ وما جزاؤها إن هو أداها على وجهها، أو فرط في أدائها؟
إن الإيمان بالله هو الذي يجيب عن هذه الأسئلة بما يقنع العقول، ويريح الضمائر، ويشرح الصدور، أغنى إيمان الإسلام خاصة، لأنه هو الذي خلا من أغاليط البشر، وأوهام البشر، وشطحات البشر، وتناقضات البشر”.[3] 
على أساس إدراك هذه الأولوية القصوى في ميدان التربية والتعليم يتقرر مصير البناء المستقبلي للأمة المسلمة القادرة على تحرير نفسها وغيرها من المستضعفين في الأرض، وتأسيس سبيل جديدة للتحرر والتطور والازدهار.
ولا تنفصل تلك الأولوية عن أمر آخر بالغ الأهمية، وهو تعليم اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وهي الموصلة إلى التشرب والاستمداد من النبع الكريم.
قال الإمام ياسين رحمه الله: “أول ما يتعين على تعليم يطمح إلى وصل الناشئة المؤمنة بالنبع هو تعليم اللغة العربية بحيث يكون للمؤمن ما يشبه ويقرب ويحاذي سليقة العرب الذين بلسانهم نزل الوحي. سمعوه فوعته عقولهم، واستجاب لهداه بعضهم، وكفر بعض ممن انغلق دون هدى الله وانختم قلبه”.[4]
تعليم اللغة العربية الأصيلة، وزرع الربانية في النشء، وتدريبهم على المهارات الضرورية، وتوطين العلوم والتكنولوجيا في بلادنا، هي البنود الثابتة في قاموس بناء المستقبل المطلوب منا شرعا وعقلا وضرورة تاريخية. والله المستعان في كل نية وعمل.
&nbsp;
[1] . ياسين، عبد السلام. حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط4، 2018، ص 121. [2]. ياسين، عبد السلام. العدل &#8211; الإسلاميون والحكم، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط3، 2018، ص 481. [3]. القرضاوي، يوسف. الخصائص العامة للإسلام، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1999، ص 35-36. [4]. ياسين، عبد السلام. حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط4، 2018، ص 130.

التعليم طريق البناء وإعداد المستقبل

إهانة رجال ونساء التعليم أعظم رزية

التعليم الصوري..صيحة عبد السلام ياسين للإصلاح

التعليم المغربي بين عوامل الفشل وسبل العلاج

السياسة والحكم

التعليم طريق البناء وإعداد المستقبل

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

هذه العلوم الكونية

الرحم الجامعة

الولد الصالح

مأْخذنا الجوهري على الديمقراطية

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ

حقد بلا حدود

مقالات ذات صلة