مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

فمما يعتري السالك في الطريق إلى الله الأحوال. وإذا أُطْلِقَ لفظ “الحال” يراد به أحد معنيين: الحال المقابل للمقام، وهو اتصاف السالك بخلق إيماني إحساني قد يحول ويتغير ويتراجع عنه صاحبه. فإذا تمكن في تلك الصفة سمي تمكنُّه ورسوخه وكسبه لها مقاما. والمعنى الثاني للحال هو ظهور حركات في الجسم واضطراب في النفس وكسوف في العقل ورجة في الكيان كلِّه عند غلبة الوارد.

نتعلم من الشيخ الإمام السهروردي المربي الكبير ما هو الحال والمقام بالمعنى الأول، ونستمع بعناية لما كتبهُ شيخ الإسلام ابن تيمية عن أحوال الغلبة، فهو الخبير بها، الـمُنَقِّبُ عنها، الصيْرَفِيُّ الحاذق في تمييز الرحماني منها والشيطاني.

قال السهروردي رحمه الله: “الحال سُمِّي حالا لتحوله، والمقام مقاما لثبوته واستقراره. وقد يكون الشيء بعينه حالا ثم يصير مقاما، مثل أن ينبعث من باطن العبد داعيةُ المحاسبة، ثم تزول الداعية بغلبة صفات النفس. ثم تعود، ثم تزول. فلا يزال العبد حال المحاسبة يتعاهَدُ الحال، ثم يحول الحالُ بظهور صفات النفس إلى أن تتداركه المعونة من الله الكريم، ويغلب حال المحاسبة، وتَنْقَهِرَ النفسُ، وتنضبطَ، وتتملكها المحاسبة، فتصير المحاسبة وطنَه ومُسْتَقَرَّهُ ومُقامَه. فيصير في مقام المحاسبة بعد أن كان له حال المحاسبة”.عوارف المعارف ج 4 ص 244-247.

قلت: هكذا يتقدَّم السالك خُطوةً خُطوةً إلى الأمام، ويُثْقِله أحيانا ثِقْلُ بشريّتِه فيعجِز عن التقدم، ويتلَكَّأُ وتَنْكَسِر عزيمته. إلى أن تتداركه عناية الله وهدايته، فيُثَبِّتُ الله عز وجل جيوش إرادته، وترسُخُ قدمُه في وطن الرجولة. فهو دائما، قبل الاكتمال، بين مدٍّ وجَزْرٍ، بين جُهده الكسبِيِّ ومواهب الهداية الإلهية.والصبر على مشاقِّ الطريق، والتعويل على استئناف شوْطٍ جديد من عزم الأمور كلما طرأت فترة، واختلط شك، وتكدر صفْوٌ. والصبرُ “مع” الصحبة الثابتة القدم، ومع جماعة الذاكرين، ومع الصادقين هو الشرط الأساسي، وهو في حد ذاته مقامٌ أيُّ مقامٍ!…إقرأ المزيد “كتاب الإحسان ص-253”

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد