post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الحج أنواع ومعانٍ | 
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه، ومن دعا بدعوته واستن بسنته، وسار على قدمه وقدم أحبابه.
 بعد أن تحدثنا عن أن الحج قصد ونية وعن أنه حج أشباح وحج أرواح، نتحدث في هذا الجزء عن أنواع الحج؛ فإن الحج أنواع من حيث كنهه وأصله، وأيضا من حيث فقهه وفعله، وأيضا من حيث أهله وأكله. 
أما من حيث أصله فإن الحج إما إفراد؛ وهو الدخول إلى الحج بنية الحج فقط. أو قران؛ أي الدخول بنية الجمع بين الحج والعمرة دون التحلل ما بينهما، أو الحج تمتع وهو بنية الدخول إلى الحج والعمرة مع الفصل بينهما بتحلل المحرم من إحرامه. ومن حيث فِقهياته فهناك فقه الماديات، واسأل عنها الخبير بما ينبغي إعداده والاستعداد به وله، من أمور مادية تتعلق بوثائق وأمور متعلقة بلباس الحاج والحاجة وأدويتهما وخصوصياتهما، التي ينبغي أن نراعيها قبل أن نفاجأ في المقام والمكان، بما قد يصدمنا وقد نحتاج إليه فلا نجده. فلا بد من أن يكون لنا فقه في هذه الماديات، واسأل عنها الخبير والقريب العهد بالعودة، لأن الأمور المادية في الحج على اختلافها تتبدل وتتغير، فينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يُحيّنا هذا الفقه فقه الماديات، وهو أساسي لأنه إذا كان هناك قصورا وتقصير في الإعداد المادي والجسدي للحج، لربما كان هذا مشاغبا ومشوشا على أن تؤدي المناسك والواجب كما يجب. 
ثم فقه النسك. وهذا اسأل عنه العلماء إن في قديم أو حديث، ولابد أيضا من تحيين فقه الحد لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان.. وتغير حتى الإنسان. فينبغي أن نحين معلوماتنا الفقهية حول الحج إذ استجدت أمور اضطرت العلماء لاجتهادات تواكب هذه المستحدثات والمستجدات، فقه يتعلق بفضل الحج وبحكمه وبشروط صحته وبفروضه وسننه وبمحظورات&#8230; وهذه ينبغي للمؤمنين أن يرجع إليها وغريب أن الناس يأخذون من عند غيرهم ويتداولون أوراقا فيها دعوات كثيرة، وفيها ما يخص كل شوط من أشواط الطواف والسعي، والمقصود أن نركز وننضبط وبضوابط الأدعية والأذكار الشرعية المسنونة، التي نص عليها رسول الله ﷺ وأن لا نقلد دعوات الآخرين وأذكار الآخرين؛ بل أن ننتج من صميم همومنا ومن عمق معاناتنا ومعايناتنا وما يعنينا، أدعية تتناسب وما نعاني منه ونعاينه وما يعنينا، مع حفظ الأذكار والأدعية المسنونة المنصوص عليها، وهي ليست كثيرة حتى لا يعيش الحاج والحاجة حرجا أنها لم تحفظ وأنها لم تأتِ بأوراق كما يفعل بعض الناس، لأنهم مضطرين إلى ذلك ولأنهم إما أعاجم، ولأن رصيدهم من الفقه أو من العلم قليل وبضاعتهم من ذلك مزجاة، فهم يحتاجون إلى أدلة يدلونهم وإلى مسمعين يسمعونهم فيرددون، لكن المؤمن والمؤمنة الذي له حظ من فقه فعليه أن يعتمد على المنصوص المسنون من الأدعية والأذكار. 
ثم إن الفقه فقه معانٍ وهذه يسأل عنها أرباب القلوب وأرباب الأحوال المنضبطة بضوابط الشرع أصلا وأساسا، واسأل عنها أهل المعنى واسأل عنها أهل المحبة والشوق والذوق، أولئك الذين فقهوا أن الحج معان وليس مجرد أوانٍ لنسك تعبدية فقط، مع تعظيم شعائر الله ﴿وَمَن يُعَظِّم شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِن تَقوَى القُلوبِ﴾. لكن المعاني تزيد الأواني إشعاعا ومؤانسة وإمتاعا. عندما تعلم إن الحج هو القصد والمقصود هو الله فاجعل عمرك كله حج، وتعلم أن الحج أشهر معلومات لا أيام معدودات فتعدّ للحج وتستعد، في الأشهر الثلاث ما قبل أشهر الحج التي هي شوال وذي القعدة وذي الحجة.
وعندما تعلم أن الإنسان عندما يحرم فكأنه يلبس كفنه وهو لا زال حيا حتى يولد من جديد، فكأنه ميت فيولد ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾، وعندما تعلم أن الحج أيضا ميقات، فهو في إعداد واستعداد وفي الوسط هو ميعاد وهو في الأخير ميلاد، وميلاد شرعي. 
وعندما تعلم أن الحاج لماذا يسمى حاجا؟ ولا يسمى المصلّي مصليا ولا المزكي مزكيا ولا الصائم صائما ولا حتى الموحد موحدا&#8230; وإن كان هذا بالنسبة لمن يدخل في الإسلام يسمى موحدا، لكن من باب تحصيل حاصل فهو موحد فلا إسلام إلا بالشهادتين. ولكن يسمى الحاج حاجا فالمغاربة لهم في هذا إشارات علمهم إياها وأعلمهم بها الربانيون الذين ربّوا المغاربة بصغار العلم قبل كباره. يقولون بأن المتزوج المؤهل الباني بأهله قد أكمل دينه، وكذلك الحاج. وإذا رجعنا إلى أصل هذا المعنى معنى إكمال الدين بالحج وبالزواج، فإن رسول الله ﷺأنذر نذيرا شديدا الميسور الذي لم يحج والميسور الذي لم يتزوج، وقال لكليهما: «فَلْيَمُتْ عَلى أيِّ حالٍ شاءَ يَهُودِيًّا أوْ نَصْرانِيًّا». وهنا جاءت &#8220;شِرارُكُم عُزّابُكُم&#8221;، قال: &#8220;أَمَيسورٌ أَنتَ يا فُلان؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: هَل تَزَوَّجتَ؟ قَالَ: لا بَعد،  قَالَ: شِرارُ القَومِ عُزَّابُهُم. قَالَ: زَوِّجنِي يَا رَسولَ اللهِ، فَزَوَّجَهُ ﷺ&#8221;. وكان من هذا الزواج خير كثير. 
فإذن لهذا يقول المغاربة &#8220;دير عقلك كمل دينك شوف لك بنت الناس، يتهنا ويرتاح بالك ويزول الوسواس&#8221;. فإذن يكمل الدين بهذا عند المغاربة، بالزواج وبالحج. وها نحن نرى أن رسول الله ﷺ أنذر نذيرا شديدا من لم يتزوج ليكمل دينه، لأنه يحصنه ويرشده ويرجّله ويؤهله، وأيضا الذي حج.
 ثم إننا عندما نتحدث عن زمزم كيف يزمزم الإنسان فمه عن الحصائد وقلبه عن الحالقات، التي لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. ويزمزم عقله عن الخليط اللقيط من الأفكار ونفسه عن الأمر بالسوء ويزمزم عينه عن الخائنة، كيف يطوف وهو في الطواف كأنه في يوم حشر ونشر، فلهذا تجد الحاج يعيش حالة اضطرار إلى الله وافتقار وانكسار وفرار إلى الله. هي أنموذج صغير للنموذج الكبير عندما يكون الإنسان في ساعة حشر ونشر، وينتظر أن يغفر الله له ويبكي ويضرع وينسى أهله وصاحبته وولده. 
وينظر الإنسان وهو أمام أسرة كانت أعمالها العادية نُسكا لنا، بل أضحت نسكا لأجيال ما بعد سيدنا إبراهيم وهاجر وإسماعيل عليهم الصلاة والسلام، فالكعبة كأنها أم ولها حجر هو حجر إسماعيل، فكأنها تحتضن ابنها وتحتضن من في حجر ابنها حجر إسماعيل، وسيدنا إبراهيم هو الأب الذي نصلي وراءه، وزمزم كانت لإرواء عطش الوليد الذي وضع في واد غير ذي زرع، والأم تنتظر زوجها فتسعى ما بين الصفا والمروة منتظرة زوجها أن يعود، هذه الأسرة شرفها الله وكرمها الله وجعل أعمالها العادية أعمالا تعبدية لنا، حتى نعلم أن الأسرة لها شأن عظيم في الإسلام. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: &#8220;لا استقرار دعوي إلا باستقرار أسري&#8221;.
 ثم يأتي التحليق، فرحم الله المحلقين ورحم الله المقصرين. فإننا نحلق عاليا إذا حلقنا، ونقصر -ولا ينبغي- إذا قصرنا. ثم نذهب إلى مِنىً حيث مُنى العبد أن يذكر الله تعالى في أيام معدودات، ويهيأ نفسه لعرفات لمعرفة الله عز وجل، وتجليات معرفته بالدعاء الذي هو مخ العبادة، فتقف بين يدي مولاك فيستجيب لك.
وكان جميلا أننا لما كنا في الحجة الأولى ورجعنا إلى المزدلفة لنبيت فيها، رأينا رجلا ممدودا أسود البشرة، لكنه بياض في بياض ويشع بأنوار عظيمة، كان قد توفي مباشرة بعد دعاء عرفات، فكأنه شيخ وليد ولكأنه من دعاميص الجنة، ورُؤي وهو في ميلاد جديد سعيد، وكنا شهودا على هذا الميلاد.   
وجميل أن نعلم أنك تزدلف في المزدلفة، فترجم شيطان نفسك قبل أن ترجم شياطين الإنس والجن، وأنك تذبح هذه النفس الأمارة بالسوء هديا وقربانا إلى الله عز وجل، بين يدي أن تفيض حيث أفاض الناس لتكون حجتك ميلادا جديدا.
نسأل الله عز وجل أن يكرمنا بالاستعداد والإعداد، ليكون الحج ميعادا ويكون ما بعد الحج ميلادا. لأن الحجاج وأهل الحج أنواع؛ فحاج حج ليقال &#8220;حاج&#8221; ألا فقد قيل، وحاج أريد له أن يحج في ظرف ما ولا فقه له ولا استعداد، وحاج يريدها سياحة واستمتاعا، وحاج يؤدي ما عليه من مناسك ليكمل دينه وما فرض الله عليه، وحاج يحج ليولد ميلادا شرعيا&#8230; وهناك حاج يفرد الله بالعبودية ويقرن العبودية بالاتباع، ويتمتع بصحبة وجماعة وبصحبة في جماعة، لكي ينشد بهذا الحج أن يكون قاصدا الله تعالى، وأن يعود بحجه برسول الله ﷺ. والحمد لله رب العالمين.

التزكية والدعوة

الحج أنواع ومعانٍ

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج رسالة

الحج فرصة

الحج أنواع ومعانٍ

حج الأشباح وحج الأرواح

أتذكر وأنسى

مع الله

مقالات ذات صلة