post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على حبيب الحق وسيد الخلق سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه، ومن دعا بدعوته واستن بسنته، وسار على قدمه وقدم أحبابه. جعلنا الله وإياكم منهم. آمين.
أيها الأحباب كتاب الرحلة المنيبة من مكة إلى طيبة هو رحلة وهو رسالة، وللرسالة ظرف وهي ظروف كل واحد منا؛ فالإنسان ينبغي أن يعلو على ظرفه ويتجاوزه ويقتحم عقباته، ويواجه تحدياته بصبر ويقين حتى لا يكون ظرفه عائقا. وهو أيضا ظرف هذه الأمة التي تعيش مآسي وحروبا، وتعيش مكر ليل ونهار من أعداء متربصين، يريدون لها أن تكون في المقاعد الخلفية من الأمم، فهذا الظرف يجعلك وأنت في الحج تواسي وتأسو الجراح وتتصدق.
وبعد الظرف هناك عنوان، وقبل العنوان هناك باثٌّ لرسالة الحج هو الحق سبحانه وتعالى، الذي أمرنا أن نحج وأمرنا رسوله أن نحج لنؤدي ركنا من أركان الدين، وهو استجابة لنداء وأذان أبينا إبراهيم الذي سمانا المسلمين،  والذي نحن على ملته الحنيفية السمحاء، عليه وعلى أنبياء الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وأما العنوان فكل مقصود بالحج مطلوب إليه أن يحج متلقٍّ لرسالة الحج، فعليه أن يحج ما دام قادرا مستطيع الحج عاقلا، وهذا لا يتأتى لمتمنٍّ ولا لمنتظرٍ، ولا يتأتى لمن يركن إلى عجزه وكسله، بل ينبغي أن نتشوق وأن تفيض أعيننا من الدمع حزنا أن لا نجد ما به نحج وما به نرحل وما به نؤدي الواجب كما يجب ليكمل ديننا. ولهذا لا يسمى المسلم مصليا أو مزكيا ويسمى حاجا لأنه أكمل دينه، فحق أن يسمى حاجّا لأن الحاج ينبغي أن يتميز عن غيره فقد ولد ولادة جديدة، فينبغي أن يتوب توبة تليق بعودته من تلك البقاع المقدسة، وبما حصله من منافع مادية ومعنوية فيها.
والحج رحلة لها مضمون كما الرسالة لها مضمون، رسالة الحج هو التوبة إلى الله والإنابة إلى الله والافتقار إلى الله والانكسار بين يدي الله، فـ&#8221;أَنا عِندَ المُنكَسِرَةِ قُلوبُهُم&#8221; و﴿ إِنَّما الصَّدَقاتُ لِلفُقَراء ﴾، فينبغي أن تذهب فقيرا لتعود بالله غنيا، وتذهب ضعيفا لتعود بالله قويا، وتذهب لتعرض ذنوبك وعيوبك حتى تعود نقيا تقيا طيبا زكيا. ومضمونها الرحمة ﴿وَما أَرسَلناكَ إِلّا رَحمَةً لِلعالَمينَ﴾. فالإنسان يتزود في رحلة الحج برحمات يراها ورحمات يسمعها ورحمات يعيشها ورحمات يذوقها، فـ&#8221;الرّاحِمونَ يَرحَمُهمُ الرَّحمَن&#8221; و&#8221;ارحَموا مَن في الأَرضِ يَرحَمكُم مَن في السَّماء&#8221;. فإنت تتزود رحمة لتفيض بها على غيرك، وأنت تغرف بمغرفة قلبك من رحمات ربك، التي فيها هناك &#8220;ما لا عَينٌ وَلا أُذُنٌ سَمِعَت وَلا خَطَرَ عَلى قَلبِ بَشَر&#8221;، لتعود فتغرف بمغرفة لسانك وعملك وأخلاقك وسلوكك من تلك الرحمات خيرا تطعمه غيرها.
وللرسالة خط واضح هو خط الاستواء والاستقامة على شرع الله سبحانه وتعالى، وعلى الجد والجندية والجدية والاجتهاد، والجذوة والجدوى والجودة ليتجدد دينك. ولها طابع هو طابع إرادة وجه الله سبحانه وتعالى؛ لأن المقصود هو الله سبحانه وتعالى ﴿مِنكُم مَن يُريدُ الدُّنيا وَمِنكُم مَن يُريدُ الآخِرَة﴾ فمن منا يريد مع الآخرة الله تعالى، إرادة وجه الله عز وجل هذا هو القصد. وهناك بريد، ومن الناس من بريده بر وهناك من بريده بحر ومن بريده جو. وقد يسر الله تعالى بريد الجو لكي يسهل علينا الحج، وتسهل علينا رحلته ويسهل علينا غدوه ورواحه، كالطير نغدو متوكلين على الله خِماصا من حولنا وقوتنا، حتى نعود بطانا من فضله ورحمته ﴿قُل بِفَضلِ اللهِ وَبِرَحمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفرَحوا هُوَ خَيرٌ مِمّا يَجمَعون﴾.
وهناك ساعٍ الى الحج كساعي بريد الحج وساعي هذه الرسالة؛ فكثير من الناس سعى بهم إلى الحج ساعون فينبغي أن نشكرهم، داعمون ومحفزون ماديا معنويا. من بينوا لك فضل الحج وبركاته ونفحاته لكي تحمل شوقا وهمّا إلى أن تكون هناك، &#8220;النّاس زارَت مُحَمّد وَأنا سكَن لي في قَلبي&#8221;. و&#8221;إِنَّ في المَدينَةِ أُناساً ما قَطَعنا وادِياً إِلاّ قَطَعوهُ مَعَنا وَما فَعَلتُم مِن شَيءٍ إِلاّ فَعَلوا مِثلَ ما فَعَلنا حَبَسَهُم العُذر&#8221;. وهناك من حبسه الغدر، وهناك من حبسه الحصر، فبالنية يذبح هديه وبالنية ينال حجتين، سبقته النية إلى الحج وحققت له النية الحج، والحصر أنواع والقهر أنواع والجور أنواع؛ و&#8221;كادَ الفَقرُ أَن يَكونَ كُفراً&#8221;. ومن الناس من أراد ولكن لا ما له، من هضمه ماله حتى يكون له مال؟ وفي سابق الأزمان كان الناس يجعلون لمن أرادوا الحج والزواج صندوقا للدعم، فنعين الناس على هذا الأمر ونحفزهم إلى هذا الأمر.
عندما نتلقى هذه الرسالة ينبغي أن نملأ بها قلوبنا وأن نفيض بها على غيرنا، فالذي يحتكر الذهب والفضة يعذب بما احتكر وادخر. فكيف بالذي احتكر لنفسه هذا الفضل؟ فنسأل الله تعالى أن تكون حجتنا استجابة لدعوة، وأن نكون في الحج دعوة، وأن نكون ما بعد الحج بالحال دعوة، وبالفعال دعوة، وبالسمت دعوة، وبالخُلق دعوة، وبالتوبة النصوح دعوة&#8230; حتى نشجع الناس ليتاجروا مع الله في ذلك السوق الذي سلعته من الله غالية، وسلعته في سوق الروائج نافذة.
والحمد لله رب العالمين.

الحج رسالة

سيرة الرجل المجاهد سيدي محمد العلوي السليماني 

التزكية والدعوة

الحج رسالة

أضف تعليقك (1 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج رسالة

هدنة بطعم الانتصار

هدية إلى هنية

الحج فرصة

الحج أنواع ومعانٍ

حج الأشباح وحج الأرواح

مقالات ذات صلة