post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على حبيب الحق سيد الخلق سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه وحزبه ومن دعا بدعوته واستن بسنته، وسار على قدمه وقدم أحبابه. جعلنا الله وإياكم منهم. آمين.
 بعد حديثنا عن أن الحج قصد ونية، وعن حج الأشباح وحج الأرواح، وبعد عروجنا على أن الحج أنواع ومعانٍ.. نقف عند كون الحج فرصة، وقد تكون فرصة العمر لا يتاح بعدها لحجة أخرى، فعلى المؤمن أن يستعد، لا ليكون مجرد حاج مُقرٍ أو مفرد أو متمتع، بل يكون حاجّ ا متمتعا ومودّعا.
ذلك أن رسول الله ﷺ كلما عُرض عليه من الأمور أمران كان يختار أيسرهما، والأيسر من بين أنواع الحج التمتع؛ لأنه فيه تحلل ما بين العمرة والحج. وأيضا فإن هذه الفرصة تجعل الإنسان مقبلا على أمر جلل، فقد لا تتاح الفرصة ثانية. فعلى الإنسان أن يفر إلى الله عز وجل قاصدا إياه في الحج بالكلية، مستعدا ومعدّا بجميع ما يتطلبه هذا الأمر من الإعداد والاستعداد. 
وأول العهد أن يطهر قلبه؛ لأن الحق سبحانه وتعالى قال في كتابه المبين المنير: ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾. وتطهير هذا البيت على معنيين؛ المعنى الأول ظاهر مشترك هو أن تطهير البيت الحرام كان للطواف والسجود والاعتكاف. فالمؤمن الحاج والحاجة عليهما أن يحرصا الحرص كله على هذه الأعمال، التي ما طُهِّر البيت إلا لها. فيكون ممن يكثر والطواف وممن يكثر الركوع والسجود هناك، وهو في اعتكاف دائم. حتى يكون متوجها بكليته إلى ربه، لأن المقصود هو الله سبحانه وتعالى في بيته، فينبغي أن تكون من الطائفين والعاكفين ومع الركع السجود.
ومعنى آخر، ألمع إليه ونبّه إليه ووجه إليه أرباب القلوب، ما دام القلب بيت الرب فطهِّر قلبك للطائفين والعاكفين والركع السجود. أي ليكن قلبك سليما فلا يحمل حقدا على أحد، ولا يتأذى من أحد مهما أصابك منهم لأنهم ضيوف الرحمن، ولأنهم جيرة بيت الله عز وجل. ولأنهم أتوا الله سبحانه وتعالى كما أتيت بذنوب كثيرة ومن بلاد بعيدة، فلا بد من أن نطهر قلوبنا لهؤلاء، وما جاء من الحبيب حبيب وما كان من ضيف الله وزائر بيته سبحانه وتعالى فهو مقبول. ومع أنك قد تجد من ضيوف الرحمن ما قد لا يليق فينبغي أن تهب مُسيئَهم لِمحسِنِهم، وأن تكون من المحسنين؛ فتعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك.
أمر آخر هو أن تجعل حجّك بَتْلَة؛ والبتلة هي الصدقة التي لا يبقى في نفسك شيء منها، وهي العمل المنقطع المتجرد إلى الله سبحانه وتعالى. ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾، ومن الناس من نصيبه من الدنيا في الحج أكبر من نصيبه من الآخرة، ذلك النصيب الذي أرادنا الله عز وجل أن نبتغيه في ذلك المقام، الذي أعد للآخرة لا للدنيا، ولأن أشياء هناك هي من الآخرة لا من الدنيا، حتى إن الحجر الأسعد هو من الجنة، وكذلك حجر إسماعيل والكعبة المشرفة كل هذه من الآخرة لا علاقة لها بالدنيا. وكثير من المواقع هناك هي جنان في الأرض أتاحها الله لنا لنذوق الجنة قبل أن نلجها وندخلها. 
فينبغي أن نبتغي الآخرة وأن لا نعتمد الرخص، جئنا هناك لا لكي نترخص؛ بل لكي نأخذ أنفسنا بالعزيمة ونحملها على ما تكره، من الجد والاجتهاد فإنها فرصة عمر، فلا ينبغي أن نضيعها كما يضيعها الكثيرون في الابتذال والإسفاف، وتضييع الأوقات فيما لا يليق. 
ولهذا نبهنا أحد العلماء إلى صادات خمس ينبغي أن نحرص عليها الحرص كله:
الصحبة؛ لأن الصحبة في الحج ضامن لنجاحه. وكم من حج أفسدته على أهله صحبة فاسدة ورفقة غير منتقاة، وكم من حج وفّق الله فيه الحاج إلى المعالي لأنه لقي بأهلها وجالسهم و&#8221;من صحب قوما صار منهم&#8221;؛ الصلاة؛ والحرص على الصلاة في حصن الكعبة وأمامها؛ لأن فيها حسنات ورحمات، وفيها حياة ونفحات، وفيها أنوار وأسرار؛  الصدق؛ فلسنا نحج لكي يقال حاج، ألا فقد قيل. لا بل ينبغي أن نحج لأن الله أمرنا أن نفعل، ولما في الحج من نفحات ورحمات وبركات وقربات نقدمها قربانا زلفى إلى الله عز وجل، لنال اعلى الدرجات. في الحياة وما بعد الممات. بإذن الله. الصبر؛ لأنك ستجد من الناس ومن نفسك صبرا على الطاعة وعن المعصية مع ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾. وتسأل الله أن يفرغ عليك صبرا، لأن الصبر واليقين هما وجها عملة الإمامة في الدين، ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾. وكم في الحج من آيات. فينبغي أن تكون هناك منقطعا إلى الله سبحانه وتعالى، فرصة عمر لا ينبغي أن تضيع في الغفلة والوساوس المشاغبة والمشوشة على الحضور وعلى اطمئنان الفؤاد والجنان واليقين. وإن كنت قد فجعت أهلك أو أحبابك بغيابك فلا تفجعنهم عند إيابك، فلا بد أن تعود إليهم بهدايا مادية بركة من تلك البقاع المباركة، تخفف عنهم من وطأة غيابك، وهدايا معنوية فتكون سجاياك قد تغيرت إلى أحسن؛ فتظهر لهم من زينة ما حصلت في حجك وتلك المقامات النيرة التي ينال منها الفضل والبركات. و &#8220;من نسي أخاه في مواطن الذكر والدعاء فحبه له ادعاء&#8221;. فلا ينبغي أن تنسى من سألك الدعاء ومن يحتاج إلى دعاء ومن تعرض حاجته على الله تعالى، ﴿اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ﴾ فأنت عند ربك قاصد الله سبحانه والمقصود هو الله تعالى في بيته، فينبغي أن تذكر الناس عند الله سبحانه وتعالى وتذكر حاجاتهم، من أهلك ومن سألك الدعاء ولأمة رسول الله ﷺ استنصارا للمظلومين واستغفارا للمذنبين، فإن ذلك المقام هو مقام عرض الحاجات على الله تعالى.
الصرف؛ احرص على مالك ومصروفك أن يضيع أو تبذرها في التوافه، بل أن تكون قاصدا مقتصدا فتنفع نفسك وغيرك بها، دون إسراف أو تبذير، بل باقتصاد وتقلل وكفاية وتطوع وبذل وبذل وبذل، فإن الله يحب الباذل ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾.  وإن كنت أخي -وأختي- لم تذهب برسول الله ﷺ فلا تعودنَّ إلا به، والأفضل أن تذهب برسول الله ﷺ وتعود به. &#8220;أَلاَ يَكفيكُم أَن يَعودَ النّاسُ بِالغَنائِمِ وَتَعودوا أَنتُم بِرَسولِ اللهِ ﷺ&#8221;.
والحمد لله رب العالمين.

التزكية والدعوة

الحج فرصة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج رسالة

الحج فرصة

الحج أنواع ومعانٍ

حج الأشباح وحج الأرواح

أتذكر وأنسى

مع الله

مقالات ذات صلة