post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

ملحوظة: تم تجميع مادة هذه الصفحات من كتب الإمام رحمه الله وحواراته ورسائله ولقاءاته المرئية، يتحدث فيها الرجل عن أهم المراحل والأحداث التي طبعت حياته، وعناية الله التي حفته في كل ذلك. رحم الله الإمام المجدد وجزاه عنا كل خير.



إن ثماني سنوات قضيتها في حجر الزاوية، وبعدها الآن نحو ستّ عشرة سنة قضيتها في نفس الاتجاه أبحث عن الله عز وجل وأتوسل إليه وأذكره كما علمني شيخي رحمه الله، أقول إن عمرا مديدا مثل هذا، يبدأه المرء بالنية الصالحة، وتزداد هذه النية قوة كلما ازداد تقدما في العمر، لدليل على أن هذا السالك وجد طريقا عرف أنها الحق فاستقام عليها. أما أن أدعي أقول أنا أنا كذا لا، هذا ليس من شأني.



<figure class="wp-block-embed is-type-video is-provider-youtube wp-block-embed-youtube wp-embed-aspect-16-9 wp-has-aspect-ratio"><div class="wp-block-embed__wrapper">
<iframe loading="lazy" title="صفحات من سيرتي |3| مغادرة الزاوية ونصح السلطان" width="500" height="281" src="https://www.youtube.com/embed/3SpITmoTnqE?feature=oembed" frameborder="0" allow="accelerometer; autoplay; clipboard-write; encrypted-media; gyroscope; picture-in-picture; web-share" referrerpolicy="strict-origin-when-cross-origin" allowfullscreen></iframe>
</div></figure>



إن ما في القلوب هو شيء يطلع الله عز وجل عليه ويظهر في عمل الإنسان ويظهر بعد الإنسان، فأنا عندما ألتفتُ إلى حياة الصوفية أجد أن الصوفية رحمهم الله قوم هربوا من ساحة الجهاد لكي يتفرغوا إلى تربية القلوب وإلى تربية الأفراد. بهذا الاعتبار أنا لست صوفيا. للصوفية تقاليد أنا لا أعترف بها ولا أعرفها ولا أريد أن أعرفها. أنا أعرف سنة رسول الله وأجتهد في إطارها.[1]



هؤلاء القوم أنا مدين لهم بكل فضل وبكل خير، آووني عندما كنت شريدا في بيداء الغفلة عن الله عز وجل، فأنا أحبهم. ولما عزمت على أن أقول كلمة حق عند سلطان جائر، فأكون مع سيد الشهداء إن شاء الله، خشيت أن ينالهم سوء بموقفي هذا،[2] كان انفصالي عن الزاوية لينا لطيفا.. انتقلت من الرباط -لأسباب صحية- إلى مراكش، فكان مجرد انتقالي هو انقطاع عن الزاوية، دون أن أعلن أني انقطعت أو أنني أريد الانقطاع. ثم بعد ثلاثة أشهر خرج كتاب «الإسلام أو الطوفان». فكتبت رسالة إلى الشيخ سيدي حمزة. قلت له: يا أخي، إنني كنت في الزاوية وأحسنتم إليّ أحسن الله إليكم، لكنني أخاف أن تؤذوا من جانبي، فأنا أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.[3]



في صيف 1974م كتبت رسالة “الإسلام أو الطوفان”، وتعلمون ما حدث بعد ذلك من اعتقال، سنة ونصف منه في مستشفى الأمراض الصدرية، وسنتان في مستشفى الأمراض العقلية. وكان لأخوي الكريمين سيدي “محمد العلوي” وسيدي “أحمد الملاخ” الفضل في طبع كتابي: «الإسلام أو الطوفان» ونشره، وقد أديا إثر ذلك في يد الشرطة ما قدر الله لهما من البلاء، فقد أوذيا أذى كثيرا. يكفي أن تعلموا أنهما أمضيا خمسة عشر شهرا على الأرض، وفي البرد الشديد، يأكلان الخبز اليابس الملطخ بالبترول، والعدس الممزوج بالحصى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.[4]



كان حزني على ما يعيثه المفسدون في الأرض من فساد، كان هذا شيئا يسكن كياني منذ سنوات، عندما دخلت إلى طريق الشيخ كنت خليا من هذه الأشياء لم أكن أحمل إلا هم نفسي فقط، لا يهمني شيء آخر، لكن لما استنار قلبي –ولله الحمد-، أذكر نعمة الله علي- صرت أشعر بقوة تزداد على مر الأيام بأن من واجبي أن أقول كلمة حق عند سلطان جائر. لا أقول إنني فكرت في هذا سنوات، لكن شهورا، فاستقر أمري على كتابة هذه الرسالة. أما نتائجها وما يمكن أن يترتب عليها، فقد رأيتم ما نتج عنها، وسترون بحول الله ما سيترتب عليها لأنها كلمة حق قيلت، قالها رجل لا يريد بذلك إلا وجه الله عز وجل، هذا كلام لا يموت أبدا.[5]



يتصور الناس بسهولة ما يكون وَقعُ هذه الرسالة الفاضحة، على شخص تربى على ألا يسمع كلمة &#8220;لا&#8221; أبدا، وعلى ألا يسمع كلمة نقد أبدا. تسألني لماذا لم يبطش بي ولماذا لم يحاكمني. أما المحاكمة فتكون فضيحة أفضح، فإنه بعد اعتقالي في رمضان تجندت الشرطة وتجندت الداخلية، لكي تطوق انتشار رسالة &#8220;الإسلام أو الطوفان!&#8221;، فكانت زيارات بالليل، بلغني ذلك بعد خروجي من المعتقل، زاروا الناس وسط الليل يسألونهم هل بلغتكم رسالة عنوانها كذا وكذا. وسبحان الله.. من الناس من كانت زيارة الشرطة لهم في وسط الليل، هي المنبه لهم إلى أهمية هذه الرسالة، فبلغني أن منهم من كان لا يعرف عن الموضوع شيئا فلما زاروه وسط الليل، أصبح في الصباح يسأل عن هذه الرسالة ومن الذي كتب وكيف تُقرأ. فإذن لم يكن من حسن السياسة أن تعقد محاكمة في هذه الظروف، وكان حسن التدبير أن تطوَّق المسألة وأن يسكت هذا الصوت وأن يغمط.



أما البطش، فقد بلغني بعد خروجي من المعتقل أن صاحبنا لما بلغته الرسالة أو بلغته نسخة الرسالة التي بعثت بها إليه عن طريق عامل المدينة &#8211; مدينة مراكش &#8211; دفعها إلى بعض كتبته كي يلخصها له، ثم بعث إليه أن ائتني بالرسالة فقيل لي إنه قرأها ثلاث مرات. ويأتيك بالأخبار من لم تزود.



وبلغني أيضا أنه عزم على البطش بي فعلا وعلى قتلي حينا، لكنه رجع إلى شيء من التريث، فأشاروا عليه بأن يأخذ بالتي هي أدهى، وهي أن يعرضني للناس على صفة مجنون، لأنه لا يجسُر أن يكتب للملك مثل هذا الكلام إلا مجنون. وهكذا تحولت سياسة الملك من هذا العزم على البطش، إلى سياسة التطويق، وبالفعل مرت علي سنتان بمعتقل مع المجانين، وسُمع هذا وكانت هذه سياسة صبيانية لأن المجنون لا يكتب مباشرة، ولا يكتب بمثل ما كتبت.[6]



اعتقلوني في اليوم الأول من رمضان، سنة 1974، وفي اليوم الثاني من رمضان جاءني عميد من الشرطة ومعه ضابط، فخرجنا إلى ساحة وجلسنا على الكراسي، وأخبرني هكذا، قال: إني تلقيت أمرين غريبين، أولهما أن أعاملك معاملة لطيفة وألا أشدد عليك، والثانية أن الملك يريد أن يقابلك. قلت له: أما مقابلة الملك فأنا لست مستعدا لها لأنني مريض، وإذا كان يريد أن يتحادث أو يحاورني فليبعث إليّ رجلا عاقلا، وكأنني كنت أعرض بأنه ليس بالعاقل.[7]



لأنني أعرف أن الحديث إلى الملك يقتضي منك أن تقبل اليد والرجل والكتف&#8230; إلى أن تسجد وتركع! وأنا غير مستعد لهذا. ولعلك لم تر في التلفزيون المغربي كيف يصلي الناس للملك! هناك صلوات خاصة في حفلات فيها ست ركعات&#8230; يركعون أمام الملك، وأنا لم أكن مستعدا لهذا. ف(يقولون): «الله يبارك في عمر سيدي» ويركعون. والناس في لباس أبيض. وعِلْيَة القوم؛ الحُكَّام والمفوضون والجيش وكذا&#8230; كل الناس يلبسون ذلك اللباس المخزني الرسمي&#8230; كأنهم في محراب.[8]



في سنة 1976 [1396هـ] –أظن- كتبت رسالة إلى وزير الداخلية، وكتبتها باللغة الفرنسية. لست أدري هل بقيت منها نسخة. أقول فيها نفس ما قلته في رسالة «الإسلام أو الطوفان» بلغة أخرى يفهمونها، لأن هؤلاء لا يقرأون العربية، تكلمت إليهم باللغة الفرنسية، قلت إنكم في ورطة من حرب الصحراء، في ورطة اقتصادية في كذا في كذا في كذا، والمخرج هو الإسلام. ولما وصلت هذه الرسالة إلى عميد الشرطة في مراكش شدَّد عليّ وضيق تضييقا مضاعفا، كان ينتظر أن هذه الرسالة ستكون سبب شنقي أو الحكم علي بالإعدام لأنه استفظع أن أقول مثل هذا الكلام. يكفي هذا للدلالة على لهجتها. لكن رد وزير الداخلية بعد ذلك كان ردا رفيقا، وكان ردا واعيا، قال: بلغتني رسالتك وسأقرأها وأنا أشكرك عليها. ولم يمض بعد ذلك إلا نحو سنة ونصف حتى أفرج عني.[9]



الخروج من المعتقل كان في شهر ربيع الأول من سنة 1398هـ [1978م]، كان يوم عيد المولد بالضبط. والكيفية التي تم بها الإفراج عني من المعتقل هو أن الملك زار مراكش، فأوحى إلى بعض جلسائه، ممن كان أصلهم من مراكش، أن طوفوا بعلماء المدينة وبوجهائها وبكُبرائها لكي يُمضوا على رسالة استعطاف في شأن فلان. وهكذا حدث فما راعني على الساعة الواحدة من يوم العيد إلا وسيارات فخمة تقف أمام باب الزنزانة أو قل باب الكوخ الذي كنت معتقلا فيه، فدخل عليّ فوج من رجال السلطة من الداخلية، كل عمداء البوليس كانوا، الكبير والمتوسط والأصغر وأعوانهم، دخل علي فوج كبير من الناس إلى المعتقل. قال لي زعيمهم إن الملك أفرج عنك، ثم أضاف لم لا تقول جزاه الله خيرا؟ قلت جزاه الله خيرا. ورجعت إلى البيت متعجبا من فُجاءة المسألة، لكن لمّا أُخبرت بالإخراج الفني الذي وقع في هذا الإفراج زال العجب، وعلمت أن تلك السنوات الثلاث والنصف التي قضيتها في المعتقل كانت بمثابة جولة اضطر من بعدها النظام في شخص الملك أن يتراجع عن زعمه في أن فلانا مجنون.[10]



كانت فترة الاعتقال الأولى في سنة 1974م [1394هـ] فترة هدوء وتأمل وتفكير في الظاهر. وفترة ذكر عميق وفترة خلوة. كانت هي من أسعد فترات خلوتي، لا أقول أسعد فترات حياتي. كانت من أسعد فترات خلوتي. فكانت السنوات الثلاث والنصف مناسبة لملازمة الأذكار، ولمراجعة ما كان فُقد من القرآن الكريم. كان هذا أهم شيء منّ به الله علي في ذلك الوقت، استرجعت القرآن وأعدت حفظه، وكان سهلا على كل حال لأني حفظته منذ الصبا، فاسترجعت القرآن استرجاعا جيدا ولله الحمد، وأخذت ما حصل عندي من كتب الحديث، جمعتها ثم قسمتها ثم صنفتها لكي أخرج منها شعب الإيمان، وأدرجت بعدئذ هذه العناوين العشرة. وهكذا شيئا فشيئا اكتسب هذا التفكير المتواضع في المنهاج النبوي صورته التي تقرؤونه عليها. وقرأت أيضا كتبا. كانت فترة ذكر في كلمة واحدة.[11]



السجن كان لي في التجربة الشخصية، شيئا جديدا، لأن اعتقالي في المرة الأولى كان اعتقالا خارج حدود القانون تماما، فلم أعرف السجن، ولم أختلط بمسجون، وإنما اختلطت ببعض المرضى في مستشفى الأمراض الصدرية لمدة عام ونصف، ثم اختلطت ببعض المجانين في مستشفى المجانين قضيت فيه سنتين. أما في السجن فإنني اكتشفت عالما آخر هو خلاصة للواقع المغربي ولواقع المسلمين عامة. الحثالة في المجتمع في السجن تتشخص، وفي السجن تسكن، وفي السجن تعيش. مرت السنتان في السجن في ظروف مادية لم تكن سهلة على كل حال، لأن سجن لعلو يعرفه الجميع، هو سجن رطب بارد، والرطوبة والبرودة هما سببا اعتلال صحة أمثالي.



عايشت في السجن ملاحظة ورؤية وسماعا واطلاعا على الحالة الحقيقية لمجتمعنا في انحطاطه وسقوطه ورذالته. خارج السجون يتخفى الناس عادة من إظهار حقائقهم، فلكل خصوصيته، ولكل مسكنه، ولكل عاداته، ولكل حرمته الاجتماعية. أما في السجن بعد أن يكشف القناع عن الأوجه فيعرف أن الذين دخلوا السجن هم متهمون، ومتهمون بجرائم شتى، عندئذ يبدأ مسرح آخر. فمن حثالة الحثالة الذين حتى في داخل السجن لا يأنفون من ممارسة حقيقتهم وحقيقة أخلاقهم، فيتسلط القوي على الضعيف جهرا، وبدون حشمة وبدون حياء، وكيف وقد نبذ الحشمة والحياء والأخلاق والإنسانية خارج أسوار السجن!



في السجن لقيت أيضا فئات من اليساريين، القاعديين والاشتراكيين، والشيوعيين وأصناف الثوريين، وكانوا أصنافًا وألوانًا، ففي حملة مظاهرات الخبز في الدار البيضاء سنة 84 من تاريخ النصارى [1404هـ] حشروا إلى السجن المناضلين. منهم من كان مناضلا ثم ارتد أو كف أو غير رأيه، ومنهم من كان مناضلا وبقي مناضلا، ومنهم من كان مناضلا فنام فأيقظوه ورجع إلى صف النضال، أصناف من الناس عشرات كانوا نحو مائة وثلاثين. [12]



لكن بعد هذا البلاء –والحمد لله– وبعد خروجي من السجن وجدنا ووجدتم أنتم أيضا واكتشفتم أن هذه المحنة كانت من أهم مقومات بناء الجماعة، فكانت بمثابة ذلك الذي أقام عمودا في الأرض، فأخذ يحركه ذات اليمين وذات الشمال لكي يخبره هل انغرز في الأرض انغرازا كافيا أو في حاجة إلى تعميق جذوره. كانت عاقبة هذا البلاء خيرا فتعلم الجميع كيف أن الأمر جماعة وليس تجمعا حول شخص، كما يتهمنا بعض الناس. تعلمتم أيضا كيف تفكرون باستقلال عن الغائبين عنكم، تعلمتم كيف تنفذون، تعلمتم كيف تصبرون، فأظن أن عاقبة هذه الاعتقالات كانت إيجابية كل الإيجابية.



كانت لنا سمعة قبل الاعتقالات. لكن الاعتقالات وحديث الصحافة العالمية والإذاعات العالمية والتلفزات العالمية، حديثها عن جماعتنا، وعن اعتقالاتنا، وعن فكرنا وعن مشروعنا، هذا أعطى لجماعتنا حجما سياسيا لم يكن لها قبل الاعتقالات، فإن قلت يومئذ إن سفينة جماعتنا تدخل في مياه جديدة، فقد صدق ما تلا تلك الفترة ماكنت أقول. وأسأل الله عز وجل أن تبقى سفينتنا سائرة في مياه النصر إلى أن تبلغ إلى مرفأ الخلافة الراشدة إن شاء الله. [13]



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



[1] . حوار شامل مع الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، ص 22. [2]. برنامج مراجعات مع الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، الحلقة الثانية. الرابط: www.youtube.com/watch?v=8CiKvUc2Hyo [3]. حوار شامل مع الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، ص 20. [4]. المصدر نفسه، ص 15. [5]. المصدر نفسه، ص 23. [6]. المصدر نفسه، ص 26-27. [7].&nbsp; المصدر نفسه، ص 25-26. [8]. برنامج مراجعات مع الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، الحلقة الثانية. الرابط: www.youtube.com/watch?v=8CiKvUc2Hyo [9]. حوار شامل مع الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، ص 25. [10]. المصدر نفسه، ص 27-28. [11]. المصدر نفسه، ص 24. [12] . المصدر نفسه، ص 46-47. [13]. المصدر نفسه، ص 52-53.

الإمام عبد السلام ياسين

الخروج من الزاوية والنصيحة للسلطان |3| صفحات من سيرتي

القرآن في حياة الإمام

من منطق التصوف إلى منطق المنهاج

الكتابة عند الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى

عشر ساعات مع الإمام رحمه الله

صفحات من سيرتي |5| الوصايا.. ولقاء رب البرايا

مقالات في سيرة الإمام

الخروج من الزاوية والنصيحة للسلطان |3| صفحات من سيرتي

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

أبواب الخير في رمضان 2/2

أبواب الخير في رمضان 2/1

مقالات ذات صلة