مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

المرأة والأسرة

الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه

الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه

الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه

لما كانت محبةُ الله تعالى ومحبةُ رسوله صلى الله عليه وسلم هي غاية مطلوب المؤمن، جعل الله معراجَه إليها صُحبتَه لأولياء الله، وكينونتَه مع المؤمنين تحابّاً وتجالُساً وتزاوُراً فيه، وإكراما لذوي السابقة والفضل، والتماسا لدعاء أهل الحظ من الله والمسارعين في الخير. ودعاه إلى تَلَمُّس الأحوال النبوية السَّنِيّة، والأخلاق المُصطفوية الرَّضِيّة، حتى تكونَ أُسوتَهُ في تعامله مع الناس عامة، ومع أهل بيته خاصة. فيظهر أثرُ ذلك – أوَّلَ ما يظهر – على حاله مع والديه وذوي رحمه. ثم على حاله داخل “مؤسسة الزواج”.

الزواج آيةٌ للناس بيِّنة، وسَكَنٌ للزوجين لطيف، وميثاق بينهما غليظ. تظاهرت النصوص على الترغيب فيه، وتعاضدت نقولُ العلماء على استنباط صنوف الحِكمة من تشريعه. حتى قال الإمام ابن القيم رحمه الله : ( ولو لم يكنْ فيه إلا سرورُ النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم المباهاة بأمَّتِهِ. ولو لم يكن فيه إلا أنه بِصَدَدِ أنه لا ينقطعُ عملُهُ بموته. ولو لم يكُنْ فيه إلّا أنه يخرجُ من صُلْبه من يشهدُ للهِ بالوحدانية ولرسوله بالرسالة. ولو لم يكن فيه إلا غضُّ بصره، وإحصانُ فرجه عن التفاتِهِ إلى ما حرَّم اللهُ. ولو لم يكن فيه إلا تحصينُ امرأةِ يُعِفُّها اللهُ به، ويُثيبُه على قضاء وَطَرِه ووَطَرِها، فهو في لَذاتِه وصحائفُ حسناته تتزايَدُ. … )[1]، إلى آخر ما فتح الله عليه به من الحِكم التي لو تحصَّلت الواحدة منها لَكَفَتْ.

في دواوين الفقه والحديث نجد “كتاب النكاح”. تُنَظِّم أبوابُه أحكامَ الزواج، من الخطبة وآدابها، والعَقد وأركانِه، وليلةِ الزفاف وسُنَنِها. يتعلم المؤمنون والمؤمنات ذلك حتى تكون فاتحةُ حياتهم الزوجية على الهدي النبوي القويم. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله : ( ولْتكُن أعراسُنا مناسبة للدعوة وفَرْض سنن الإسلام في إقامتها. ولا بد في هذا من مصانعة الأسرة وتليينها للتنازل عن المهور الغالية، والتكاثر في النفقة، والغلو في اقتناء الأثاث، وقصم ظهر الخاطب بالشروط )[2].   

ومن ليلة البِناء “تبدأ القصة” كما قال سيد القطب رحمه الله. قصة التقاء الزوجين التي كان أصلها ( هو السكن والاطمئنان والأنس والاستقرار. ليُظَلِّلَ السكونُ والأمنُ جوَّ المحضن الذي تنمو فيه الفراخ الزُّغْب، وينتج فيه المحصول البشري الثمين، ويؤهل فيه الجيل الناشئ لحمل تراث التمدن البشري والإضافة إليه )[3].  

ويتابع صاحب “الظلال” تَأمُّلَه في الآية 189 من سورة الأعراف[4] لِيَستَشِفَّ من ألفاظ “التغَشّي”، و”الحَمْل الخفيف”، و”الدعاء”، و”الصلاح”، و”الشكر” أن التعبير القرآني ( إيحاء «للإنسان» بالصورة «الإنسانية» في المُباشرَة. وافتراقها عن الصورة الحيوانية الغليظة! )[5]. وأنه ( عند الطمع تستيقظ الفطرة، فتتوجه إلى اللّه، تعترف له بالربوبية وحده، وتطمع في فضله وحده، لإحساسها اللدني بمصدر القوة والنعمة والإفضال الوحيد في هذا الوجود )[6]. إنه تصوير فني بديع، لقوم يعقلون.

من المُفترَض أن كِلا الزوجين لن يعدِما وسيلةً ولا سبيلا من أجل اختيار شريك الحياة. الدين والخلق شعار التحرّي والبحث. لكِنْ، تَظَلُّ معرفة كل واحد منهما بما له من حقوق وما عليه من واجبات، من آكد الأولويات. ويَظَلُّ “حسن العِشرة” هو جِماع ما ينبغي أن يسود داخل البيت. روى الإمام النسائي رحمه الله عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( ألا أخبِرُكم بنسائِكم من أَهلِ الجنَّةِ ؟ الودودُ، الولودُ، العؤودُ على زوجِها الَّتي إذا آذت أو أوذيت، جاءت حتَّى تأخذَ بيدَ زوجِها ثمَّ تقولُ : واللَّهِ لا أذوقُ غَمضًا حتَّى ترضى ). وروى ابن ماجه رحمه الله عن عمرٍو بن الأحوص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ[7] ).

بأسلوبه البديع، وذَوقِه الرفيع، يعطي الرافعي للمَهر معنى أخلاقيا، ويُفرِّق بين زواج الأنفس وزواج الأجسام فيقول: ( فَمَهرُها الصحيحُ ليسَ هذا الذي تأخذُه قبلَ أن تُحمَلَ إلى دارِه، ولكنَّه الذي تجدُه منه بعدَ أن تُحمَلَ إلى دارِه؛ مهرُها مُعاملتُها، تأخذُ منه يوماً فيوماً، فلا تزالُ بذلك عروساً على نفسِ رجُلِها ما دامت في معاشرتِه. أما ذلك الصّداق من الذهب والفضة، فهو صداقُ العروسِ الداخلةِ على الجسمِ لا على النفس، أفلا تراه كالجسمِ يهلكُ ويبْلى، أفلا ترى هذه الغالية ـ إن لم تجد النفسَ في رجُلِها ـ قد تكونُ عروسَ اليومِ ومُطلَّقة الغد ؟ )[8].

يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله[9] :

مَـتاعُكَ في الدنيا تَزَوُّدُ راحِـلٍ      وزَوْجُ عَفَافٍ من كَريمِ العقائل[10]

تَـغُضُّ بها طرْفـاً عن الزينةِ التي  يُكَبْكَبُ في أحضَانِهَا كُلُّ مائِلِ

فَما اكتمَلَتْ لِلْمَرْءِ أوْصافُ فَضْلِـهِ إذا لَمْ تَحُطْـهُ حانـيَاتُ الفواضِـلِ

وقد طابَ عَيشُ الطــيـبـينَ بمَـنْزِلٍ      تُـرَابِطُ فِـيـهِ طَيِّبَاتُ الحَلاَئِلِ

وَتنمُو بِه الأزْهارُ وِلدانُ رَوْضَةٍ        بِعَطْفَـةِ أمٍّ في رِعايَةِ كافِـلِ

سَـلاَمِيَ أُهْدِيهِ لِـجيـلٍ مُـنَشَّـإٍ    عَلَى فِطْـرَةِ الإسلامِ في حِجْرِ عاقِـلِ

فصلِّ إلهي ثمَّ سَـلِّمْ على الذي     بِمنهـاجِه قُـــدْنَـا عَزِيـزَ الجَحَافِـلِ

 

 

[1] ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر، بدائع الفوائد، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مطبوعات مجمع الفقه الإسلامي جدة، ج3، ص1097.
[2] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، دار الآفاق، الطبعة الرابعة 1422هـ/2001م، ص:142.
[3] قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار الشروق القاهرة، الطبعة 32، 1423/2003، ص:1412
[4] يقول الله تعالى : ﴿ ۞ هُوَ ٱلَّذِی خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسࣲ وَ ا⁠حِدَةࣲ وَجَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا لِیَسۡكُنَ إِلَیۡهَاۖ فَلَمَّا تَغَشَّىٰهَا حَمَلَتۡ حَمۡلًا خَفِیفࣰا فَمَرَّتۡ بِهِۦۖ فَلَمَّاۤ أَثۡقَلَت دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَىِٕنۡ ءَاتَیۡتَنَا صَـٰلِحࣰا لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ ﴾
[5] في ظلال القرآن. ص:1412
[6] نفسه.
[7] أسيرات.
[8] الرافعي، مصطفى صادق، وحي القلم، المكتبة العصرية صيدا- بيروت، ج1، ص:108.
[9] ياسين، عبد السلام. ديوان قطوف، ج5، القطف 309، ص.7
[10] جمع عقيلة، الزوجة من أصل كريم.

أضف تعليقك (1 )



















1
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد