post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

نريد هنا أن نُدرج الشورى في سياقها القرآني لنتذكر كي لا ننسى أن الدعوة هي الأصل، وأن للشورى وللدولة أهمية الآلة الضرورية لا أهمية الهدف والغاية.
قال الله جلت عظمته: ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ. وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ. وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾1. جرّد الشورى من سياقها، وأخْرِجها من مائها، فإذا أنت تُزور، وإذا أنت تُلبس اضطراب الناس في تنظيم المجتمع والدولة لباس كذب إن نعتته بالإسلامية. لا يكون التداول شورى، ولا الدولة دول القرآن، حتى يكون ما عند الله مطلب المؤمنين المتشاورين، وحتى يكون التوكل عليه سبحانه ذخيرتهم، وحتى يكون اجتناب الإثم والفواحش قضية عامة يتناولها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنقد والملاحقة والمحاربة، وحتى تكون الأخوة والمحبة وكظم الغيظ والتسامح لحمة المجتمع وسداه الشريعة، وحتى تكون الاستجابة لله ورسوله الباعث المنهض، وحتى تكون إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله مادة العدل والإحسان، وحتى يكون التناصر على بغي الباغين وعدوان المعتدين وتحرير أرض المسلمين بالجهاد الدائم برنامج الدعوة، ومخطط الدولة. ثم إن العدل الذي أمر الله به عباده، وأنزل البينات والرسل من أجله قضية الدولة والدعوة الأولى. قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾1.
والقسط العدل. عدل الحكم لفصل ما بين الأفراد من خصومات، وعدل القسمة لتسوية الفساد الطبقي، وتقليم أظافر المترفين، وكفالة اليتيم والمسكين العاجزين، وتوفير الشغل للقادرين. وهنا لا بد لدولة القرآن أن تتكلم بلغة التنمية وتتصدى لضرورات التصنيع، وحجم السوق، والتبادل، والإنتاج.
على مستوى قراءة سنة الله يبدو لنا أفق التغيير الإسلامي في عالم تسوده القيم الإنتاجية، وتسوده القيم الاستهلاكية على حساب القيم الأخوية التراحمية، ويُكدره الإفساد الصناعي للبيئة، ويطلع من أرجائه أنين المستضعفين في الأرض الجوعى المفقرين، وتهدده الإبادة النووية، وتقوده التكنولوجيا، وتتحكم فيه الجاهلية. جهودنا لن تتبخر بإذن الله إن دخلنا ميدان المنافسة الإنتاجية العالمية، ودخلنا سوق الغبن الرأسمالية، ولا محيد عن دخولها، بروح الدعوة وحكمة الدولة وعقلها، وإن علمنا الإنسانية أخلاقية التسامح والبذل. ذلك يومَ نَتَصَنَّع ونتوحد ويكون لنا وزن في تلك السوق. لا قبل ذلك. وفي العالم مروآت وشعوب وحركات نتضامن معها، ونتعاون، ونتبادل، لننْجو من ربقة البنك العالمي والمديونية والتخلف. وسائل العصر متوفرة لمن كانت له ذاتية مستقلة، وإرادة، واختيار، وعقل، ومروءة، وخلق، وانضباط، وبرنامج، ورجال، وعون من الله قبل كل شيء وبعده وإزاءه. وإنما تطحن رحا سنة الله من أعرض عن الله، وعطل أوامر الله، وطغى في أرض الله، مالك الملك وخالق الخلق. لا إله إلا الله محمد رسول الله.
1 سورة الشورى، الآية 39-36. 1 سورة الحديد، الآية 25.
عبد السلام ياسين، سنة الله، ص 310- 312.

السياسة والحكم

السِّياق الشُّوري وبناء العدل والتراحم الإنساني

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

من شعب الإيمان..الحج والعمرة

صور من محبة رسول الله ﷺ

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

في الذكرى 77 للنكبة.. “إسرائيل الابتلاء” وشروط النصر

مقالات ذات صلة