الشيخ القرضاوي: هذه شهادة الإمام ياسين في الإمام البنا رحمهما الله
وهناك شهادة أخرى اتتنا من المغرب العربي من المربي الكبير الشيخ عبد السلام يس مؤسس «جماعة العدل والإحسان» بالمغرب وصاحب الكتب التربوية والدعوية والحركية المعروفة لكل من يهتم بأمر الإسلام، قال رحمه الله: «لا معنى للتجديد ولا مكان له، ولو برز بين المسلمين زعماء عظام، ما لم يتجدد في الأمة الإيمان بصحبة المجددين، وكذلك كان حال الأستاذ البنا رحمه الله. كان مغناطيسيا ومركز إشعاع كثير من حملة الأقلام، وقراء الأدبيات الإسلامية رحمه الله رحمة واسعة.
كان فكر البنا مغناطيسًا ملائما لزمانه كما كانت روحانيته، وهو حي يرزق، آية من آيات الله. وكان حريصا على أن يخرج بجماعته من سلبيات الطريقة الحصافية التبركية التي تربى طفلا ويافعا بين أحضانها. لكنه احتفظ بالبيعة الصوفية وطورها لتتسع للجهاد الذي ضاقت عنه الصيغة الموروثة عن المشايخ للبيعة. كانت بيعته لأصحابه بيعة مزدوجة، بين السيف والمصحف. بيعة تأخذ من التقليد الصوفي جانبًا ومن التنظيم العصري جانبًا.
مهد الأستاذ البنا رحمه الله لشروط بيعته في «رسالة التعاليم» بشرح المفاهيم الأساسية لفكره وعمله. فبين ما يقصده بكلمة «فهم»، وهو فهم أصوله العشرين في العقيدة
والشريعة والفقه، وتمييز ما بين البدعة والسنة. وبين ما يعنيه بكلمة «إخلاص» وكلمة «عمل» وكلمة «جهاد»، وكلمـة تضحية»، وكلمة «تجرد» وكلمة «أخوة». وختم شرح مفاهيمه بمفهوم «الثقة» وقال: “للقيادة في دعوة الإخوان حق الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية والشيخ بالتربية الروحية ، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة”[1].
كان أفقه رحمه الله فسيحا جامعا لأطراف ما توزع من معان ومطالب. وكان شخصه الكريم فسيحا جامعًا فصحت قيادته وأثمرت أفضل الثمار. وبقيت البيعة بعده تراثًا ثقيلًا. اشترط رحمه الله على الملتحق بالجماعة المؤدي للبيعة ما لا يقل عن ثلاثة وثلاثين شرطًا، من بينها الوفاء بتعهدات شخصية مثل اجتناب الإسراف في شرب القهوة والشاي والاعتناء بالنظافة، ومن بينها التعبدية الإيمانية كإتقان الطهارة والصلاة وسائر الفرائض، ومنها الإحسانية كالمحافظة على الأوراد وحفظ القرآن، ومنها الأخلاقية كالحياء ورحمة الخلائق ومساعدة الضعيف، ومنها الحركية كالنشاط الدائم والتدرب على الخدمات العامة، ومنها السياسة كمقاطعة المحاكم الأهلية وعدم الحرص على الوظائف الحكومية، ومنها الاقتصادية كمقاطعة المعاملات الربوية والادخار للطوارئ.
ركز الشيخ ياسين على الشرط أو الواجب السادس والعشرين من شروط بيعة الأستاذ البناء رحمه الله، وفيه يقول: «أن تديم مراقبة الله تبارك وتعالى، وتذكر الآخرة، وتستعد لها، وتقطع مراحل السلوك إلى رضوان الله بهمة وعزيمة، وتتقرب إليه سبحانه بنوافل العبادة. ومن ذلك صلاة الليل وصيام ثلاثة أيام من كل شهر على الأقل، والإكثار من الذكر القلبي واللساني، وتحري الدعاء المذكور على كل الأحوال».
قال الشيخ ياسين: “وهي شروط عالية، من يَفِ بها لا شك يكن من المتقين. من بينها مسألة واحدة لا يفيد فيها إسرار ولا «إعلان» ولا يخبر عنها بَوْحٌ ولا كتمان، ولا هي من شأن دون شأن، ألا وهي مسألة «قطع مراحل السلوك إلى رضوان الله» هذا لا يجيء إلا بصحبة. والمصحوب رجل حي سلك المراحل إلى الله وتقرب حتى أحبه الله وجعل قلبه مشكاة ونبراسا وسراجا وَهّاجا. ما يحصل ذلك بإجازة تبركية، ولا بالانضواء تحت جناح عظيم من عظماء الأمة، عدا المعصوم ﷺ، قبلةِ القلوب، رحمة العالمين، محبوبِ الرب جل وعلا”[2].
الشيخ عبد السلام يرى أن الصحبة المؤثرة هي صحبة الأحياء، لا صحبة الأموات، وإن كانوا من الربانيين الصادقين، وهو أشبه بمن يقول في الفقه: لا يجوز تقليد الموتى، إنما يقلد الفقيه الحي المتفاعل مع الناس والأحداث. وقد خالف في ذلك آخرون، وقالوا: الآراء لا تموت بموت أصحابها. وهذا صحيح، ولكنها لا تحيا إلا بتلاميذ أحياء، أقوياء، ويوقظونها في العقول والقلوب.
يوسف القرضاوي، الإخوان المسلمون 70 عاماً في الدعوة والتربية والجهاد، القاهرة: مكتبة وهبة للطباعة والنشر، 2013، ص: 70-72.
[1] . الإحسان، ج 1، ص: 208-209.
[2] . المصدر نفسه، ص: 209-210.
أضف تعليقك (0 )