مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا الأمة

الضمير الإنساني.. نداء وبلاغ

الضمير الإنساني.. نداء وبلاغ

إن الضمير الإنسانيّ المناديَ بحقوق الإنسان عن إخلاص وصدق حقيقة واقعية من وراء الوضع السياسي الظلمي الذي يجعل بعض البشر أكرم من بعض في ميزان الأرجوحة العالمية. مع هذا الضمير نتناجَى ونتجاوب. معه نتخاطب لنرفع مطمح الإنسانية إلى حقها الأزلي الأبدي الذي لا تُكَوِّنُ الحقوق المتعارَف عليها إلا حلقاتٍ من سلسلته. لا قيمة لما توفره حقوق الإنسان «المتعارف عليها دوليا» للإنسان من كرامة وسعادة في الدنيا إن انقطعت دون حقه الأخروي.

ينادي الضمير الإنساني المستيقظ بحق الشعوب في تقْرير مصيرها، وبالحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية. ينادي بحق الإنسان في الحرية والعدل، بحق المرأة والطفل، بحق العمل والصحة والتعلم، بحق السكن الكريم، بحق المرضى والعجزة. وكل ذلك مما نعتبره دينا إن قسناه بمعاييرنا ووزنَّاه بِصُنُوجِ ميزاننا.

ويرتفع طموح الضمير الإنساني فيطالب بحق الإنسانية في الحفاظ على الكوكب الأرضي نظيفا، وعلى البيئة الطبيعية مَصونة للأجيال. وهذه مرتبة عالية من الوعي نعطيها من الاحترام مثل ما تعطيه الأصوات الحرة.

وتنحبس مطامح الضمير الإنساني في أفق البيئة الأرضية والمعاملة اليومية والمستقبلية المحدودة. ومن هنا تبدأ مهمتنا لإسماع البلاغ الإلهي. لإسماع رسالة القرآن. لإعلام الإنسان، والإعلان له، والصيحةِ في أذنه، والعرض اللطيف على قلبه، والحديث الشفوق إليه، والبيان الأخوي إليه، بأن من وراء الموت حياة، وبأن الإنسان ليس دابة أرضية.

هذه التبليغات هي موضوع ما فرضه الله عز وجل على المسلمين من جهاد، وما حمله الرسل عليهم السلام من رسالات. وسكوتنا عن النبإ العظيم لنبارِيَ القومَ في جوقة حقوق الإنسان على النغمة العامة المألوفة لا نتعداها خيانةٌ لما حُمِّلْنَا من أمانة، وتضييع للإنسان في أكرم حق منحه إياه الباري جل وعلا: وهو أن يسمَع خبر السماء ودعوة الخالق إلى مأدُبة الآخرة.

سكوتُنا عن النبإ العظيم، وانشغالُنا عن البلاغ الأخروي والبيان المصيري خيانة وانخراط انهزامي في جوقة العالم. سكوتنا خنوع لسلطان الغلبة الثقافية الجاهلية التي لا تعرف الله عز وجل، وتسخَر من كل تصريح أو تلويح لما بعد الموت.

عبد السلام ياسين، العدل، الإسلاميون والحكم، ص 346-347.

أضف تعليقك (0 )



















0
يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد