post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

بعد غوث الله الرؤوف الرحيم لعباده النازل بركة من السماء في زمن الاضطرار حين لجأوا إليه ودعوهُ وتجردوا للموت في سبيله، وبعد النصر في معارك القتال، لا بد أن يتخذ المسلمون بأسباب الأرض وبحساب الأرض وفي إطار سنة الله التي لا تحابي أحدا ما يؤهلهم للتمكن في الأرض وتمكين دين الله في الأرض. فما المؤمنون موعودون بالاستخلاف، وهو طلب، إلا بشرط أن يقرنوا الإيمان القلبي بالعمل الصالح العقلي الجوارحي التنظيمي السياسي إلخ. وما المؤمنون موعودون بالنصر في &#8220;وعد الآخرة&#8221; إلا إذا كانوا &#8220;عبادا لنا أولي بأس شديد&#8221;. فالعبودية معنى قلبي روحاني والبأس الشديد له وسائل اتخاذه الأسبابية الأرضية الكونية. ثم إن الله تعالى لا يريد منا إن استخلفنا في الأرض أن يمتعنا بزهرة الدنيا للدنيا، لكنه يريد أن يصطنعنا لنمكن لدينه. يريد أن نتمكن في الأرض لنعمل للآخرة في حق أنفسنا فرادى وفي حق كل جن وإنسان نُبلغه رسالة الله ليعبد الله ويعرف الله.
بالتعرض لفضل الله وبركته عبودية، وبإعداد القوة كما أمرنا اجتهادا وكسبا وعملا بالعقل واليد، تجتمع فينا الكفاآت الإسلامية الإيمانية الإحسانية لنجيب على تحديات الجاهلية إجابة مسلمة مؤمنة محسنة شاملة عامة في كل الميادين. اجتمعت في مجاهدي أفغانستان كفاءة روحانية عالية باللجإ إلى الله والشوق إليه واقتحام الموت، وكفاءة مادية ضعيفة، فبارك الله هذه بوجود تلك. ويكون النصر خاصا، محليا، لا يعدو ميدان القتال، وإن كان وقعه المعنوي واسعا يتعدى الحدود وينتقل في ضمير الأمة.
وإن كان لعبارة &#8220;عالمية الجهاد&#8221; التي ينادي إليها مجاهدو أفغانستان معنى فهو أن تنتقل الروحانية الجهادية فتعم الأمة، وأن تسير سيرها في الأنفس فتشفي من الوَهْن وهو حب الدنيا وكراهية الموت. وعندئذ يمكننا أن ننظر فيما عندنا من وسائل وما نحن بحاجة إليه منها، ونحن على تمام الوعي بمن نحن، وما غايتنا، وما دستورنا، وما نموذجنا، وما مطلبنا في الدنيا للدنيا، وما رغائبنا من الدنيا للآخرة.
عندما يعرف المؤمن المفرد والمؤمنة عبيدَ من هم، ويعيد المسلمون التعارف بينهم على أساس أنهم عباد الله مكرمون لا عباد المستبدين والمستكبرين في الأرض، ويقاومون الجاهلية كل من موقعه، وبأقصى طاقاته، عندئذ يكون موقع الأمة في زمانها هذا من إعراب الجملة المفيدة القرآنية لاحقا بموقعها في سنة الله، آخذة ببركات السماء، متخذة لأسباب الأرض، حاضرة في الدنيا، داعية إلى الله والدار الآخرة، ناطقة بلسان القوة المرئية إلى الإيمان بالغيب، مترجمة بلغات الأرض المنطوقة والمرئية والكمية والنوعية والاقتصادية والدبلوماسية عن نداء السماء، حامية وحدتها ووجودها والمستضعفين في الأرض قاطبة بيد السطوة والبأس الشديد. لا يكون على الناس إكراه في الدين، بل دعوة وإقناع، ولا يكون عليهم إكراه عن الدين وصد عن سبيل الله والأمة موحدة قوية.
هذا معنى الاستخلاف في الأرض، معنى مطالبه ومعنى طريق السير إليه.
سنة الله، ص: 174-175

السياسة والحكم

الطريق إلى الاستخلاف في الأرض

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج مطهرة وهداية

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

من شعب الإيمان..الحج والعمرة

صور من محبة رسول الله ﷺ

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

مقالات ذات صلة