post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

النَّاصح الرَّباني صلى الله عليه وسلم
المؤمن بالله واليوم الآخر لا تغره الحياة الدنيا. فإن الله أمره وأوصاه. قال عز من قائل: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللهِ الْغَرُورُ(1). آية من سورة فاطر. ومثلها في سورة لقمان.
فامتثال هذا الأمر، وتطبيق هذه الوصية، شعبة مهمة من <a href="https://wordpress-1153707-4083331.cloudwaysapps.com/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b4%d8%b9%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7/">شعب الإيمان.</a> وإن أخوف ما يخاف على جند الله حين تبسط لهم الدنيا السلطان والمال وما يواكبهما من مغريات، أن تتبدد هممهم، ويرتد طرفهم من المطمح الأعلى، دوام الشوق إلى الله، والصبر على مشاق الطريق إليه، إلى السفاسف والتردي في التكاثر والتنافس. خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته الأخيرة بعد أن صلى على شهداء أحد، فقال كالمودع للأحياء والأموات: «إني بين أيديكم فرط (الذي يتقدم المسافرين فيهيئ لهم المنزل). وأنا عليكم شهيد. وإن موعدكم الحوض. وإني لأنظر إليه من مقامي هذا. وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا. ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها» رواه البخاري عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وروى الشيخان عن أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر وجلسوا حوله فقال: «إن مما أخاف عليكم ما يفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها». وفي الباب وصايا نبوية كثيرة. لا يخاف على جند الله حين البلاء بالمحن مثلما يخشى عليهم من البلاء بالسراء والنعماء والتمكن من مقاليد السلطان والمال. لهذا تتكرر وصايا المربي الإلهي صلى الله عليه وسلم. فبعد ثلاث وعشرين سنة من الفطام عن الدنيا جاء نصر الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا. وبعز الإسلام يتمكن جند الله في الأرض، فينصح الناصح الرباني صلى الله عليه وسلم ويحذر، وهو ينظر بنور الله، من تغرير الحياة الدنيا بأهلها، ومن همزات الغَرور الشيطان الرجيم الذي يتخذ السلطان والمال طعما ليسول للنفس البشرية الانطلاق خارج قيود الشرع. لا ييأس الغَرور من النفوس البشرية ولو تزكت وتربت، ولو كانت في صحبة الرسول الكريم على الله، تلقت نور الهداية.
وقد انفتحت الدنيا على المسلمين، وهجم الغَرور، وأجلب على المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام الصحابة الأجلة وصمدوا. ثم فسد الحكم بتحوله من معاني الخلافة الراشدة إلى واقع الملك العاض. وتكاثر سواد الأمة، فغلب عدد الأعراب (بالمعنى القرآني الذي لا يميز الناس بلغاتهم وأجناسهم بل بدرجة إيمانهم) على نوعية الإيمان، وغلب سلوك الاغترار على سلوك الخوف. غلبت الدنيا في ضمائر الناس على الآخرة.
قال سعيد بن جبير التابعي الجليل، وهو ضحية الفتنة، قتله الحجاج، في تفسير آية فاطر: «الغرة في الحياة الدنيا أن يغتر بها، وتشغله عن الآخرة أن يمهد لها ويعمل لها. كقول العبد إذا أفضى إلى الآخرة: يا ليتني قدمت لحياتي! والغرة بالله أن يكون العبد في معصية الله، ويتمنى على الله المغفرة».
إن المؤمنين معرَّضون كغيرهم من البشر لفتنة الدنيا ونزغ الشيطان. ولئن كانت أنظمة الحكم الجاهلية «المتقدمة» تعتمد تقسيم السُّلط، وتنصيب مؤسسات المراقبة وأجهزتها، لكي تقمع الميل البشري لاستغلال السلطان واحتواش الأموال دون أن تعتمد أي اعتبار خلقي، فإن نظام الحكم الإسلامي ينبغي أن يجعل مؤسسات الضبط والمراقبة، الحسبةَ والمظالمَ والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر العامين الواجبين على كل مسلم ومسلمة، مكملاتٍ ومساعدات للوازع الإيماني في قلوب المؤمنين. وكل شخص يندب لتولي زمام مهمة من مهمات الدعوة قبل التحرير وبعده، ولمهمات الدولة الإسلامية بعد قيامها، ينبغي أن ينظر أين همته، ما تعلقه بالله وخشيته، كيف يمهد لآخرته. هل يغتر بالله فيرخص لنفسه الآثام ويقول: «إن الله غفور رحيم». هل فيه أهلية ليكون من الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم. الغرة في الحياة الدنيا والغرة بالله منفذان منهما يدخل على الفرد عدوه الأول الشيطان. وعلى الأمة يدخل من ذينك المنفذين فساد الرشوة، والظلم، والمحسوبية، وهتك الحرمات، والاستخفاف بالمسؤولية. من هاتين الثغرتين يهجم العدو على الفرد فيخرب دينه، وعلى الأمة، عبر الضمائر الخربة، فيشتت شملها.
إن كل همِّ الحركات السياسية في هذا العالم المعاصر الذي تغلبت فيه الحضارة والثقافة الجاهليتان التحليل السياسي المبني على وزن القوى الخارجية -أعني الخارجية عن النفس البشرية- في تفاعلها. والنصيب من الاهتمام الذي يعطيه علم السياسة لتحركات النفس البشرية يقف عند رصد التحركات الجماهيرية العفوية والمنظمة، المتظاهرة بسلام أو الصاخبة المخربة. لا ترى عين الملاحظ السياسي إلا فوران الغضب البشري. أما ما عند الإنسان المؤمن من إمكانيات إيمانية ترفع عاطفته من حضيض التفاعل المحسوب (السياسي) إلى مجالات الصدق، وترفع غضبه من مستوى النقمة على الناس إلى قمة الغضب لله، وترفع تضامنه من الأحلاف الأرضية إلى نصرة المستضعفين فلا خبر للتحليل السياسي بها، لذلك لا يفهم الجاهليون ما يجري في أفغانستان ولا في إيران من حياة متجددة للإيمان تتمثل في نهضة شعب طلق الدنيا وغرتها ينشد الآخرة. نبذ الحياة وزينتها بطلب الشهادة في سبيل الله.
لا يكُنْ محور تربيتنا الجولان الفكري السياسي في التحليلات، مع إعطاء هذه ما تستحقه. بل يكون المحور هو الطريق العابر من الدنيا إلى الآخرة، وخط الطموح الذي يطوي الدنيا طيا، ويركز همة المؤمن على أرض الآخرة، رافعة طرفها لسماء المجد الأبدي، سماء الشوق إلى الله عز وجل. (1) سورة فاطر، 5.
<a href="https://siraj.net/ar/read?id=1077&amp;page=381">عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، ص 381-383.</a>

التزكية والدعوة

النَّاصح الرَّباني صلى الله عليه وسلم

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

كرامة المرأة العاملة

سباق لطلب الزلفى

من شعب الإيمان الصوم

المؤمنة مشرفة مكلفة

رمضان وافى

من يحصي أنعما أوليتها؟

مقالات ذات صلة