في القرآن الكريم ما يُلقي على أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المزدوج بالعصيان والتحري من سفك الدماء ضَوْءاً خاصا يكشف جانب القوة وجانب المضاء وجانب الفعالية أكثر مما يعرض جوانب الانتظار والاعتذار. قال الله تعالى يخاطب أولئك المؤمنين وكل المؤمنين: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾(سورة النساء، الآية 75).
وفي هذه الآيات المبيّنات تحريض واقعي على الغضب لله وللمستضعفين. لدى قلة قليلة من المحسنين الوارثين لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يغضب إلا لله القدرة على ضبط النفس كي لا تشوب في أنفسهم بواعث الأرض واستفزازاتها بواعث السماء. أما جماعة المؤمنين وسوادهم وأنصارهم فالغضب المطلوب إليهم غضب مزجِيٌّ، غضب في سبيل الله في القلوب النفيسة المعدن، وغضب في سبيل المستضعفين وهو كرم ومروءة وخلق.
تجد في أمة أنفسا تغضب على الظلم، وتكره الظلم، وتتوق للحرية والكرامة والعدل. هذه مروءة يتوجه إليها كل ثائر، وكل غاضب، فيجد استجابة، ويجد أنصارا. وهكذا قامت الثورات، ونجحت المطالبات.
هي حرب والحرب خدعة، والحذر والحيلة والرأي قوة وحكمة. لكن كل هذا يبقى لفيفا باردا من النيات والمراوغات والتسويفات والمبررات إن لم يكن مع الحيلة والحذر والرأي عصب الغضب، لله والمستضعفين في قِران دائم، وإن لم يكن العضَل الجماهيري المتحرك الفاعل.
تختلف الصورة إن تسلم حزب الله الأمر من يد انقلابية وقفت على نهاية إمكانياتها. وهذا وارد، وللأحداث التاريخية منطق، ولأمر الله عز وجل مسالك، وللمزايِدين على الإسلام المتلبسين به حدود. سقط نميري في الهاوية لأنه كان منافقا ونجا جند الله في السودان لأنهم كانوا في تلك الحرب أوثق بُنيانا وأدخل في الحيلة والرأي.
تختلف الصورة إن صدم جدار المسؤولية وجوه قوم فلجأوا إلى الإسلام وجند الإسلام. وعندها يمتطي جند الله مطية التدبير والرأي فيحتاجون إلى المحرك الغضبي الحيوي. تأتي الأمور في هذه الصورة على ترتيبٍ آخر، وبوتيرة أخرى.
إن في الإسلام أصولا مؤصلة للتصرف العام. المذهب المكيافيلي هو المذهبية السائدة في العالم، وهي مذهبية الحيلة والعنف. يصطنع الماركسيون نوعا من المكيافيلية المفلسفة، نوع تغلب فيه الصراعية على الكيدية. لكن السياسة العالمية، والدبلوماسية الدولية، والتبادل التجاري، والتحويل، والتزاحم الاستراتيجي عوالم يسوسها الكيد ويحسم فيها ميزان القوى.
إنّ الخلافة الثانية وعد موعود غير مخلوف، ومن سنة الله ورسوله أن تنشأ كل ناشئة على التدرج، وفي ميدان التدافع بين الناس، وعلى مرأى ومسمع من العالم، وبآلياتٍ أنفُسية وآفاقية تبدو مشتركة حكمها على المجتمعات غلاب.
لنا أصولنا ونموذجنا، وموعود الله أمامنا.
لليهود المكر السيِّئ الذي قرأنا عنه كثيرا في هذا الكتاب. وفي عصرنا جاء بهم الله جلت عظمته لفيفا ليوم “وعد الآخرة”، وهو يوم من أيام القومة الإسلامية. بعد الوحدة أو قبلها الله أعلم.
أضف تعليقك (0 )