post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<p><span class="citation">رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان : </span></p>
<p>لشهر رمضان في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مكانة فريدة، فكان يحض على الإقبال فيه على الله تعالى، والدخول عليه من كل أبواب الخير، صلاة وصياما وقياما وتضرعا بين يديه آناء الليل وأطراف النهار.</p>
<p>صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، تشرب فيها الصحابة والأهل الكرام من معاني الإحسان، وشهدوا عبوديته الكاملة لله تعالى في كل أحواله صلى الله عليه وسلم، وعاشوا معه في أيام رمضان المباركات مشاهد عظيمة في الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى، والبناء الأول لأمة الإسلام، والصبر على فقد الزوج الحبيبة خديجة رضي الله عنها وأرضاها قبل الهجرة بنحو ثلاث سنين، وفي رمضان من السنة الثانية للهجرة ماتت الابنة رقية رضي الله عنها زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه. وفي رمضان القابل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّنا زينب بنت خزيمة بنت الحارث رضي الله عنها التي لقبت بأم المساكين.</p>
<h2>فطوره ﷺ وسحوره</h2>
<p>لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم صيامه سنن ومستحبات، فكان يؤخر السحور إلى دنو الأذان، ويجعل بينه وبين رفع النداء وقتا يسيرا للاستغفار بالأسحار. فعَن زَيدٍ بنِ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ؛ قالَ: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قلتُ: كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً».[ref]أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر، رقم: 1097.[/ref] والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يتسحر حينا مع أهل بيته الطيبين ومع أصحابه الكرام حينا آخر. وأكثر سحوره صلى الله عليه وسلم التمر، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ <span class="citation">ﷺ</span> قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ».[ref]عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج2، ص: 273، الحديث رقم: 2013. وابن حبان، كتاب الصوم، باب السحور، ذكر الاستحباب لمن أراد الصيام أن يجعل سحوره تمرا، رقم: 3475.[/ref]</p>
<p>وكان صلى الله عليه وسلم يعجل الفطر، لما روي عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ رَسولَ اللهِ<span class="citation"> ﷺ</span> قالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».[ref]عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج2، ص: 273، الحديث رقم: 2014. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، في باب تعجيل الإفطار، رقم: 1957.[/ref] فكان صلى الله عليه وسلم يبدأ بالفطر قبل الصلاة، ويفطر على اليسير من الطعام، كالرطب أو التمر أو الماء؛ كما في الحديث عن أَنَس بْن مَالِكٍ؛ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ».[ref]أخرجه أبو داود رقم: 2356 واللفظ له، والترمذي رقم: 696، وأحمد رقم: 12676.[/ref]</p>
<h2>في رمضان أنزل القرآن</h2>
<p>في شهر رمضان نزل القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وحيا قريب العهد بالحنان المنان سبحانه. يقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾. (البقرة: 185).</p>
<p>كان ملك الوحي جبريل عليه السلام يلقى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في رمضان، ويُدارسه القُرآن الكريم؛ مدارسة تُجدّد معاني يلقّاها الحبيب من حبيبه سبحانه، هدى وحكمة ورحمة للعالمين. يتشوق الحبيب المصطفى إلى كلام ربه أيما اشتياق، فورد عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «أقرأَني جبريلُ القرآنَ على حرْفٍ، فراجعته، فلم أزلْ اسْتَزِيدُه، فيزيدُني، حتى انتهى إلى سبعةِ أحْرُفٍ».[ref]أخرجه البخاري رقم: 4199، ومسلم رقم: 819.[/ref]</p>
<p>كرم رباني وعطاء من رب الخليقة إلى أكرم عباده عنده، يقابله العبد المحبوب صلّى الله عليه وسلّم بالعبودية الكاملة والتلقي القلبي لأنوار ذي الملك والملكوت والتحلي بصفات أدبه بها ربه وأحب أن يراه عليها في كل حين، سيما عند دنو اللقاء بين أنوار الأرض والسماء، فقد «كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ».[ref]أخرجه البخاري رقم: 3220.[/ref]</p>
<h2>الصائمون درجات</h2>
<p>الصوم عند عموم الناس إمساك عن الأكل والشرب والشهوات، وعند من لامس الإيمان شغاف قلوبهم وراقبوا الله في عمل اليوم والليلة كان الصوم كف للجوارح من سمع وبصر ولسان ويد ورجل عن الآثام وما يكرهه المولى الكريم. أما أهل القرب السابقون المفرّدون فالصوم عندهم صوم عن كل ما سوى الله والتقرب إليه. سبحانه.</p>
<p>درجات الصائمين في سلم الصوم كدرجات الناس في مراتب الإسلام والإيمان والإحسان، فإن «من الناس من لا تتوق نفسه إلى أن يكون الله عز وجل ولِيَّه ورسولُه صلى الله عليه وسلم. من الناس من ليس في قلبه همة ولا حرارة تدفعه لكي يطلب القرب من الله عز وجل. من الناس من لا يتزلف إلى الله عز وجل، ولا يبتغي إليه الوسيلة، ولا يسأل عن سبل معرفته عز وجل، ولا عن سبل الوصول إليه. همم فاترة وقلوب فارغة! ».[ref]عبد السلام ياسين، الفطرة وعلاج القلوب، سلسلة دروس المنهاج النبوي، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1998، ص: 33-34.[/ref]</p>
<p>وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيه للصائمين، فعَن أَبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قالَ: قالَ النبي <span class="citation">ﷺ</span>: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».[ref]عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج2، ص: 274، الحديث رقم: 2017. أخرجه البخاري، كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور، والعمل به في الصوم، رقم: 1903. [/ref]و «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَر».[ref]أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) رقم: 3249، وابن ماجه رقم: 1690 واللفظ لهما، وأحمد رقم: 9683 باختلاف يسير.[/ref]</p>
<h2>في حسن صلاته ﷺ بالليل</h2>
<p>كانت صلاة الليل من أحب الصلوات إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفرائض، ولنا في كتب السيرة الشريفة ومرويات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أطايب من وقوفه صلى الله عليه وسلم بأعتاب الملك الوهاب. ومما روته أمنا عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ <span class="citation">ﷺ</span> كانَ يَقومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟ فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ».[ref]عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 163، الحديث رقم: 508. أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ﴾، رقم: 4837.[/ref]</p>
<p>وحين سُئلت أمنا عائشة رضي الله عنها عن صلاة الحبيب صلى الله عليه وسلم في رمضان كان جوابها شافيا. «فَقالَتْ: ما كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَزِيدُ في رَمَضَانَ ولَا في غيرِهِ علَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فلا تَسَلْ عن حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا. قالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ: أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقالَ: يا عَائِشَةُ إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولَا يَنَامُ قَلْبِي».[ref]أخرجه البخاري رقم: 1147.[/ref]</p>
<p>وللاعتكاف في هذا الشهر الكريم أصل نبوي أصيل، فعن أم المؤمنين عائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ <span class="citation">ﷺ</span> يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ».[ref]عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج2، ص: 274، الحديث رقم: 2019. أخرجه البخاري كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر والاعتكاف في المساجد كلها، رقم: 2026، واللفظ له. ومسلم في كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، رقم: 1172.[/ref] سنة باقية في الصالحين إلى يوم الدين.</p>
<h2>رمضان شهر الصبر والجهاد</h2>
<p>صبر للنفس وتعاون على البر في شهر الخيرات والعطايا الربانية، الأجر في أيامه المعدودات اختصه الله به، لما لهذا الشهر من قدر عنده سبحانه. فكان شهر الصيام مناسبة للاجتهاد في الأعمال الصالحة، وخير الأعمال ذكر الله والجهاد في سبيله تعالى، غزا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز فيها أصحابه رضي الله عنهم لسرايا ومعارك نصرة لدين الله وإعلاء لكلمته.</p>
<p> ففي رمضان من السنة الثانية للهجرة كانت غزوة بدر المباركة، وفيها فتح الله لعباده من فتوح الغيب والشهادة ما روته السيرة النبوية الشريفة، فكانت بحق يوم الفرقان بين أهل الحق والإيمان وأولئك الذين بغوا في الأرض فحاق بهم المكر السيء. وفي رمضان من السنة الثامنة للهجرة كان فتح مكة، فكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة في اليوم العاشر من رمضان، ودخل مكة المكرمة لتسع عشرة ليلة خلت منه. يوم أعز الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والصادقين الصابرين من أهله الطيبين وصحبه المكرمين.  </p>


التزكية والدعوة

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

أبواب الخير في رمضان 2/2

أبواب الخير في رمضان 2/1

مقالات ذات صلة