شروط التربية الإيمانية |
يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “التربية الإيمانية عملية على نجاحها يتوقف ميلاد المسلم إلى عالم الإيمان، ثم نشوءه فيه وتمكنه ورجولته، ولا جهاد بلا تربية، ولا يكون التنظيم إسلاميا إن لم تكن التربية إيمانية”[1].
وإن الحكم بنجاح بناء الإيمان في قلوب المؤمنين وبناء علم الجهاد في عقولهم وبناء فقه الحركة في سلوكهم رهين باقتحامهم لعقبات عدة، يمكن تلخيصها في ثلاث:
ـ الأنانية الفردية التي تستعبد الفرد لهوى نفسه أو لهوى غيره، والتي تحول بينه وعالم التحرر الروحي.
ـ العقلانية المتألهة الغافلة عن الله، السابحة في غلواء الحس والمادة.
ـ العادة المانعة عن معرفة معروف يرضاه الشرع، أو إنكار منكر يذمه الشرع. وهذه العادة تأسر صاحبها عند غرائز الشهوة والشح والكسل.
ـ شروط التربية الإيمانية
إن التربية الإيمانية اقتحام لعقبة ثلاثية الأبعاد، ولا يتم هذا الاقتحام إلا بتحقق شروط ثلاثة، وهي: الصحبة والجماعة والذكر والصدق، وتعدّ هذه الشروط أمهات للخصال العشر المشتهرة، والسبعة[2] الباقية مكمّلة ومظاهر تطبيقية لهنّ.
الشرط الأول: الصحبة والجماعة:
إن المقصود بالتربية عندما نقرنها بشروطها الثلاثة ليست أية تربية بل هي تربية السلوك إلى الله بما هو سير قلبي إلى القريب المجيب سبحانه، فالمطلب عال والطريق طويلة وخطيرة ودقيقة، فكان لا بد من الدال على الله العارف به المحب المحبوب، ولا بد من الرفقة في هذه الرحلة الربانية الذين بمعيتهم والصبر معهم وحسن مخالقتهم وبالتشرب والاستمداد من قلوبهم يتيسر المسير وتحلو الرحلة، وذاك شرط “الصحبة والجماعة.[3]
والصحبة بتعريف مختزل تعني المحبة، فكلما تعمقت هذه المحبة بين الصاحب والمصحوب انصبغت روحانية الصاحب بروحانية المصحوب وتخلق بأخلاقه، فيسمو إيمانه ودينه ليتساوى مع إيمان المصحوب مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”. الصحبة الفردية المختصرة في ثنائية شيخ ومريد هي صحبة طارئة ظهرت نتيجة انفصال الدعوة عن الدولة. ونظرا لطول مدة هذا الانفصال النكد منذ تحولت الخلافة إلى ملك عاض إلى اليوم، أصبحت وكأنها هي الأصل في حين أن الأصل هو الصحبة والجماعة كما كان في عهد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم الصحبة في الجماعة كما كان الأمر في عهد الخلافة الراشدة إذ لم يكن هم الخلاص الفردي منفصلا عن هم الأمة، ولم يكن الذكر منفصلا عن الجهاد[4].
الشرط الثاني: الذكر:
الذكر هو الكيمياء الإلهية والدواء والعلاج التي بها يطهر القلب، وهو مصب الإيمان وملتقى شعبه ومصدر نوره[5] فـ”لا يمكن أن نتحدث عن رحلة وسير إن لم يكن هناك زاد، فكان الشرط الثاني الذكر بكل أنواعه ومعانيه بداية من الذكر الشفاء كلام الله، ومن كلام الله لا إله إلا الله، إكثارا منها، وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستغفارا وتسبيحا، ورأس الأمر كله فرض الذكر: الصلاة في جماعة المسلمين بضوابطها وكيفياتها المسنونة، وغير ذلك من العبادات التي يوطد بها العبد الطالب ذرى الإحسان علاقته بالمقصود المطلوب المحبوب سبحانه. ولا بأس من التذكير هنا بكلمة الأستاذ المرشد رحمه الله من كتاب الإحسان: “إنه يستحيل أن يكون من المحسنين من لم يكن أولا وأخيرا من العابدين”.”[6].
الشرط الثالث: الصدق:
أما شرط الصدق فقد عدّه الإمام رحمه الله الشرط الأول والركن “الذاتي” للسلوك، فعلى صدق المرء وطلبه ونيته وإرادته وهمته يتوقف الأمر كله، فالصدق في القلب بينك وبين الله تعالى ولا يستطيع عبد – كما قال رحمه الله- أن يعالج مرضك وخللك من جانب خَصْلة الصدق، إن لم تكن المسارعة بالتوبة والبكاء على المولى والاستعانة بالصادقين وخفض الجناح لهم[7].
[1] ـ المنهاج النبوي للإمام عبد السلام ياسين، الشركة العربية للنشر والتوزيع – القاهرة، الطبعة الثانية 1989م، ص: 55
[2] ـ وهي: البذل والعلم والعمل والسمت الحسن والتؤدة والاقتصاد والجهاد.
[3] ـ ينظر فقه التربية عند الأستاذ عبد السلام ياسين، حوار مع الأستاذ عبد الكريم العلمي حول موضوع “الإمام مربيا”، مطبعة دعاية، طبعة 2016م، ص: 136
[4] ـ فقه التربية عند الأستاذ عبد السلام ياسين حوار مع الأستاذ محمد عبادي حول موضوع “التصور التربوي في فكر الإمام رحمه الله” ص: 132
[5] ـ المنهاج النبوي للإمام عبد السلام ياسين، ص: 150
[6] ـ ينظر فقه التربية عند الأستاذ عبد السلام ياسين، حوار مع الأستاذ عبد الكريم العلمي حول موضوع “الإمام مربيا” ص: 136
[7] ـ ينظر فقه التربية عند الأستاذ عبد السلام ياسين، حوار مع الأستاذ عبد الكريم العلمي حول موضوع “الإمام مربيا” ص: 136
أضف تعليقك (0 )