post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

الشريعة عدل الله في أرضه، والسوق بلاء الله لخلقه وضرورة معاش، تنادي الضرورة ويصك الأسماع صوتها فيُنافس صوتَ العدل صوت الأنانية، ويسعى العقل المعاشي بين يدي الهوى مسابقا عقل الحكمة الماسك بحبل شريعة الله. ميثاق الله والميثاق القانوني الدولي نقيضان في انطلاقتهما وأهدافهما. نقيضان في مقوماتهما وبواعثهما ووسائلهما. فشريعة الله وميثاقه وفاء بالعبودية له سبحانه، من استقام عليها وعدل وأحسن كانت له ضمانا لمصلحة الدنيا والآخرة. وقوانين المعاش البشرية ودساتير الدول الديمقراطية والمواثيق والعهود الدولية شرائع عمادها القوة لا التقوى. فهي شرائع وقوانين تضمن المصالح الدنيوية للأقوى. والآلة والحرية مقومان للقوة الاقتصادية الاجتماعية السياسية. للآلة جماع الصناعة والعلوم ولوازم ذلك من تمويل وتنظيم. والحرية ديمقراطية في الحكم ومبادرة حرة. لهم غُنْم ذلك وعلينا الغُرْم. استعمل الاستعمار هذين المقومين الاستعمال الذي رأيناه في الفقرة السابقة لاستنزاف خيرات الأرض واستعباد الإنسان. واكتساب الآلة والحرية هو القوة الضرورية لنا لكي نتحرر من التبعية والخنوع. اكتساب ضروري كما هو ضروري نقد اللبرالية الاقتصادية والديمقراطية والتصنيع على ضوء التقوى والعدل والإحسان لكيلا يغلبنا على مقادة أمورنا العنف الذي يسكن قوة الغرب، وروح الجشع الذي يسكن الرأسمالية، وروح النفاق الذي يدير دفة الديمقراطية اللاييكية المعادية للدين نظرا لنشأتها، المحايدة فيه ادِّعاءً. هل يلام القوي الخَلي من التقوى والإيمان والعدل والإحسان إن فتك بالضعيف المفلس من أدوات قوة يدرأ بها عدوه؟ من طبع أقوياء الغاب أن يفترسوا ضعفاء الغاب، ومن شأن دهاقنة السوق أن يغبنوا زبناء السوق. ذلك قانون الطبيعة. ذلك سنة الله في الكون والتاريخ وأستغفر الله. لذلك أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نُعد لهم ما استطعنا من قوة. ولذلك حذرنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن الحرب خدعة. لكيلا نعطل الأسباب ونكذِب على ناموس الله في الكون والتاريخ منتظرين أن تتنزل الملائكة بالنصر المبين وأن تسود شريعة الله على شريعة السوق ذات صباح مُعجز. لكيلا نحلُم بصاعقة تنسف ذات ليلة أعمدة الحضارة المادية الطاغية القوية لا تزال رغم بوادر تخلخل قواعدها الأخلاقية الإنسانية. لكيلا نتخيل أن الجهاد المنجِيَ في زمن الالكترون والصاروخ والقاعدة الاقتصادية العلومية ينهض إليه ويقدر عليه عُزْلٌ فقراء أميون في دنيا الصنائع يجب أن نفهم قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾&#8221;سورة الأنفال، 61.&#8221; فهما غير فهم الأولين الذين كان عندهم النبل الخشبي في رأسه حُدَيدة، وكانت عندهم الخيل هي الخيل ذوات القوائم الأربع. إن تخلف القوة المادية عن الموعد، مثل تخلف الروح المعنوي والإرادة الاقتحامية، يؤهلنا التأهيل السلبي لينطق قعودنا بما نطق به قوم موسى لما أمرهم عليه السلام بدخول الأرض المقدسة فقالوا: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾.&#8221;سورة المائدة، 24&#8243; وإن تبعيتنا في نقل آلة الحرية واستنساخ الديمقراطية التي نراها تاجا على رؤوس الأقوياء لن يزيدنا إلا وَهنا على وَهْن. بل يُخرجنا الاستنساخ عن دائرة الإسلام بمنطق الديمقراطية وقانونها المشروط بطرد الدين من الساحة. التشبه بالغرب في قانون الحكم يدفع بنا بعيدا عن شريعة الله. وإن لنا في الحكم لأصالة شريفة ونموذجا فريدا في تاريخ عدل البشر وأخوة البشر. تلك هي شريعة الشورى وعدل الإسلام. أما السوق وآلته، أعني الاقتصاد والتنمية ولوازمهما من التصنيع والتمويل والتنظيم والبحث العلومي والتسويق، فإن دخولنا إليه ضرورة حيوية. لا يمكننا أن نغلق الباب في اكتفاء ذاتي، وإلا ذبُلنا، بل زدنا ذبولا على ذبول. إذا فلا مناص من دخول السوق على شروط السوق. متى أصبح لنا وزن في السوق أمكننا أن نُملي شروطنا على قانونه. لا قبل ذلك. يعني اكتساب الوزن وحدة المسلمين، والكفر بطاغوت التجزيء القطري الوطني الذي خطط خريطته استعمار حديث وحكم السيف من قبله. وهو طريق طويل يحدو السائرين فيه بخُطىً حثيثة حنين أبناء الصحوة الإسلامية إلى الوحدة الإسلامية، وإنصاتهم إلى داعي الله، وتشوفهم لسيادة شريعة الله.



<a href="https://siraj.net/ar/books/%D8%AA%D9%86%D9%88%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AC-1/pages/93">تابع القراءة في: عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص: 93-95.</a>

السياسة والحكم

شريعة الله وشريعة السوق

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الرحم الجامعة

الولد الصالح

بذكر الحبيب المصطفى الكونُ يعْبَقُ

حقد بلا حدود

إن الله اشترى…

القرآن محور تعليم الأطفال

مقالات ذات صلة