عقيدة الانقلابية
ما أشبه الجثث بعضها ببعض، وإن كانت تلك تصدع ثم لا تحمل إلى بلادها إلا مادة تخرب الأجسام والعقول، وجثثنا أجسام تسعى بنفوس ممسوخة تحكمنا بالرأي الأفن والضمير العفن.
إن المنصب الحكومي في بلادنا نهب مقسم لكل ثعلب وذئب، وإن في صدورنا معشر المستضعفين لضيق مما يمكرون، وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. في أقطار الانقلابية زمرة من القوميين يشكلون نديا يجثم على الأمة بكلكله، ومن نقل من سوق الكافرين نظاما إقطاعيا فهي عصابات فاشية على شكل المكروبات العمودية المستطيلة. فقد كتبنا كلمة «فاشية» بمعناها السياسي الجاهلي، وهي تحدد نظام التآلف العمودي للأجسام الوسطى في المجتمع كما يقولون. والمقلدون للنظام اللبرالي يكونون شرذمة متقلبة مفتونة لا يقر لها قرار، فلها في كل يوم خصام ولها في كل شهر تحالف وتشكيل، ولها مع كل هيعة فزع وبلبلة ريثما يسويها الانقلاب بالرغام.
لكل هذه الزمر والشرذمات عالمها المنفرد عن الأمة، وفي جنب كل حركة من حركاتها. ومن تحتها زمر تدس وتعد العدة لتثب على الفريسة، وما الفريسة إلا هذه الأمة، يتعلمون في مقدساتها كيف يصعدون لقمم البطولات، وكيف يروجون لأنفسهم أسواقا في صحف الجاهلية ومنتديات العالم. وإن في أيديهم إلا بضاعة مزيفة، وإن في جثثهم إلا حشو من الأفيون السياسي ابتاعوه بطواعية ممن ينتجون أفضل الأنواع الاشتراكية.
ولكثرة ما ورد على بلادنا من بضائع تلك السوق نشأ لنا لغط، وفشت فينا حرفة المساومات والسمسرة. ولو قدر لحساب ماهر طويل الصبر أن يحصى موجات الإغراء التي يتعرض لمدها شبابنا كل يوم لخرج لنا بخط بياني فريد. في الخفاء تحت الانقلابية وفي شبه الخفاء دون ذلك عروض سياسية تساوم عليها ضمائر شبابنا، لا تشتمل في جزء منها على دعوة للرجولة والتضحية، وإنما هي حقد وتغن بالحرية المسلوبة وتشجيع على ممارسة هذه الحرية ممارسة كاملة. والمراهق ذو نفس كبيرة لا يملأها إلا أمل كبير أو مشروع كبير. فعندما تتوالى عليه العروض وتختلط ويتمزق بين ذاتيته المنبعثة من أرضية الأمة المسلمة وبين الحرية الدوابية، يختار هذه لرواجها ويطرح الأخرى لهوانها في حساب سماسرة السوق. وهكذا يمارس خلاعته ودوابيته ولا يجد من يعرض عليه إنسانيته وقيمته.
قادتنا المفتونون ومنافسوهم في الخفاء والعلانية، وأعداؤهم المذهبيون من أقرانهم، يشغلهم ضجيج السوق السياسية عن شؤون المسلمين. لنتصور رئيس دولة أو وزيرا خطيرا وسط الحمى السياسية. إنه طليب خصومه السياسيين في بلده؛ فكل جهده منصرف ليحمي نفسه من كيدهم. وإنه منقطع عن الأمة في عقيدته وفكره. فما بقي له من جهد يوظفه في الدعاية الكاذبة ليوهم الناس أنه هو منهم أو ليوهمهم أنهم منه. فمن حاول أن يوهم الأمة أنه منها صلى في المسجد أو ذهب إلى أبعد من ذلك فتخلى عن القصر ومظاهر الرئاسة. حتى إذا نطق قال كفرا ومزج الإسلام بعقيدته الاشتراكية. وكل أتعابه ليكسب الشعبية تطيح بها الرياح في يومنا العاصف. ومن عمد ليوهم الأمة أنها منه فربما يثير حماسا مصدره الجهل والغرور، لكن سرعان ما يفتضح وينمسخ وذلك مثل أبطال القوميات. فقد كان المسلمون في بلاد العرب نائمين إلى أن هب البطل القومي وصرخ وصاح وأرعد وأزبد، فخيل للعرب أن القومية طلسم عجيب انفتحت به قناة السويز وغلبت به إنجلترا. إلى أن كان حزيران وخر البطل القومي وتعلم المسلمون أن القومية هي الفشل والذل والهوان. وقد بارت سوق القومية في أرض المسلمين، لكن السماسرة لا يزالون يهتفون عليها وينادون، ولكن المنافقين لا يفقهون.
الإسلام غدا، ص: 895-898
أضف تعليقك (1 )