post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

عِفَّةُ المرأة
الخوف من العار والحفاظ على شرف المرأة وعفتها خصلة لا تزال راسبة في أعماق شعور الأمهات المسلمات والجدات. خصلة فطرية زادها الإسلام رسوخا وتثبيتا. فهي على موعد مع نهضة المؤمنات وعموم الصحوة الإسلامية لتتحالف الفضائل وتتآزر في وجه الإباحية الزاحفة المتلصصة، بل الجريئـة الوقحة. كان الفارس الجاهلي حامي الذَّمار هو بطل المجتمع. إما مُغِيرا على نساء القبائل الأخرى فاتكا برجالها، وإما فاديا لشرف نساء قومه بدمه. رذيلة وفضيلة. وتناقض هو مبنى شؤون الجاهلية. في تاريخ الإغريق كانت المرأة بضاعة مهينة تباع وتشترى في الأسواق. يقول الأستاذ مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه «المرأة بين الفقه والقانون»: «في أوج حضارة اليونان (&#8230;) شاعت الفاحشة حتى أصبح الزنى أمرا غير منكر. وحتى غَدَتْ دور البغايا مراكز للسياسة والأدب. ثم اتخذوا التماثيل العارية باسم الأدب والفن. ثم اعترفت ديانتهم بالعلاقة الآثمة بين الرجل والمرأة. فمن آلهتهم أفْرُودِيتْ التي خانت مع ثلاثة آلهة وهي زوج إله واحد. وكان من أخدانها رجل من عامة البشر، فولدت كيوبيد إله الحب عندهم. ثم لم يشبع غرائزهم ذلك حتى انتشر عنهم الاتصال الشاذ بين الرجل والرجل. وأقاموا لذلك تِمثال هِرموديس وأرستوجتين وهما في علاقة آثمة». المرأة اليونانية في الواقع كما وصف الأستاذ رحمه الله. وهي في خيال الفلاسفة المصلحين مثل أفلاطون الذي خطط للمدينة الفاضلة ينبغي أن تكون مِلكا مشتركا مشاعا بين الرجال. يقول أحد خطبائهم المشهـورين ديموستين: «إننا نتخذ العاهـرات لذة، ونتخذ الخليلات للعناية بصحة أجسامنا اليومية، ونتخذ الزوجات ليلدن لنا الأبناء الشرعيين». ماذا كان حال الأبناء الشرعيين في قانون الرومان وماذا كان حال المرأة؟ لم يكن الأب مُلزما بقبول ولده. وإذا قبلَه فهو عبده يبيعه متى شاء، فيخرج بذلك من قَيْد أبنائه ويصبح أجنبيا. البنت كانت أسوأ حالا تحت سيادة رب الأسرة الحاكم بأمره يقتل من يشاء من عبيده ويُحيي من يشاء. فإذا تزوجت أبرمت مع زوجها عقدا يسمى «عقد السيادة» تنتقل بمقتضاه من العبودية في بيت أبيها إلى العبودية في بيت زوجها. وتطور القانون الروماني فنقل المرأة من سلطة مِلك إلى سلطة حماية في حجر الأب أو الزوج. لكنه لم يخوّلها الأهلية الحقوقية الفعلية، فهي كانت مع المعتوهين والمجانين والأطفال قاصرة. هذه هي الجذور الحضارية للغرب الضاربة كما نرى في الوثنية واستعباد المرأة. وردت على هذه الجذور الديانة اليهودية النصرانية المحرفة عن دين موسى وعيسى عليهما السلام، فاعتنقت جاهليتان، وزعمت إحداهما أنها تخصب الأخرى وتصلح من شأنها وتقيمها على سَواء. النصارى كانوا ولا يزالون يقرأون توراة اليهود المحرفة. من الشواهد على تحريفها هذا الحكم الجائر في حق المرأة: «المرأة أمَرّ من الموت. وإن الصالح أمام الله ينجو منها. رجلا واحدا من بين ألْفٍ وجدْتُ. أما امرأة فبين كل أولئك لم أجد». المرأة عند اليهود لعنة لأنها أغوت آدم. وكانت بعض طوائفهم تبيح للأب أن يبيع ابنته. دخلت النصرانية على المجتمع الروماني الذي كان قد أضاف إلى سيطرته القانونية المجحفة بحقوق المرأة تفسخ الحضارة اليونانية وعهرها. فزعت الرهابنة مما رأوا من انحلال، فأسندوا ذلك إلى المرأة وجعلوها المسؤولة الشيطانة. وقرر القسيسون والأحبار أن المرأة دَنَس ورِجْسٌ، وأن الزواج تورط في وَحَل الحس والخبث، وأن العزب أحب إلى الله من المتزوج. المرأة إن كانت دميمة عجوزا فهي ساحرة حليفة الشيطان، وإن كانت جميلة شابة فتلك خطيئة يجب أن تستحيي منها. قال قديسهم تِرتُولْيَانْ: «إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان. ناقضة لنواميس الله. مشوهة لصورة الله». صورة الله عندهم الرجل. أستغفر الله. وقال قديسهم سوسْتامْ: «إنها شر لابد منه، وآفة مرغوب فيها، وخطر على الأسرة والبيت، ومحبوبة فتاكة، ومصيبة مَطلية مموهة». في القرن الخامس من تاريخهم اجتمع مجمع ماكون ليتداول القسيسون هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه، أم لها روح؟ وقرروا أن المرأة خالية من الروح الناجية من عذاب النار، ما عدا أم المسيح. تغزل الغربيون بجمال المرأة ونصبوها تمثالا كالدمية المعبودة طيلة قرون الازدهار الأدبي. لكن قانون الغرب وواقع المجتمع الغربي ظل ينزل المرأة منزلة العبيد. في الأدب الفروسي تألق عباد المرأة التمثال الوارثون أسلافهم الإغريق، وعلى صعيد القانون كانت الحقوقية الرومانية سيدة الموقف. حتى سنة 1805 بتاريخ النصارى ظل القانون الإنجليزي يبيح للزوج أن يبيع زوجته. حتى مطلع القرن التاسع عشر كانت أسواق لندن تباع فيها الزوجة الناشز كما يستبدل بالإناء العتيق إناء جديد. كان القانون الإنجليزي الصادر عام 1801 يحدد ثمن الزوجة بستة بِنْسات بعد أن أدخل في القانون مادة مهمة: هي أن توافق الزوجة على عقد البيع. وغضبت النساء الجاهليات، وثرن ولا تزال الثورة مستمرة، على القانون الاستعبادي. لكنهن وقد طرحن وطرح مجتمعهن وصاية الكنيسة المهينة للمرأة المحقرة لها لم يجدن ولا وجد رجالهن أسمى وأعذب وأحلى من الحياة على النمط الإغريقي، بوسائل جديدة. انتزعن من القانونية حقوق العمل والاستقلال الاقتصادي، لكنهن أسلمن القياد للـمُسَلَّمَة الدوابية ومستلزماتها. ألا ساء ما يَزِرون.
<a href="https://siraj.net/ar/books/1062/pages/144">عبد السلام ياسين، تنوير المؤمنات، ج 1، ص 145-148.</a>

المرأة والأسرة

عِفَّةُ المرأة

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

الحج مطهرة وهداية

فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

من شعب الإيمان..الحج والعمرة

صور من محبة رسول الله ﷺ

خطاب الروح الصليبي وبطشه

الأنانية والجشع وصناعة الفساد

مقالات ذات صلة