post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

في آداب تلاوة القرآن الكريم
<h2>مقدمة</h2>
 القرآن الكريم كلام الله تعالى، المنزّل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك جبريل عليه السلام، بلسان عربي مبين، المنقول إلينا بالتواتر، المعجز والمتحدّى به، المكتوب في المصاحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس.
ما أنزله الحق سبحانه على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم دفعة، وإنما نزل عليه في مدة ثلاث وعشرين سنة منجّما مبعّضا بعد أن أُنزل من اللوح المحفوظ في ليلة القدر جملة إلى سماء الدنيا  (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (القدر: 1)، ثم أنزله الله إلى الأرض نجوما لهداية الخلق إلى الحقّ سبحانه، هذا الوحي العظيم من آمن به واعتصم سعِد ومن رغب عنه وأعرض شقِي، هو النور المنقذ من ظلمة الفتن الظاهرة والباطنة، &#8220;هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: (إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) (الجن: 2) من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم&#8221;[1].
ونحن في هذا الشهر المبارك شهر رمضان الذي نتفيأ بأنواره، نلحظ إقبال المؤمنين في أقطار العالم على تلاوة القرآن الكريم رسالة الله للعالمين، فمنهم من يسعد فيه بأول ختمة له، ومنهم يختم ختمتين ومنهم من يجتهد بتوفيق الله فيختم ختمات، وبهذه المناسبة العظيمة والمناسبة شرط؛ أودّ التذكير والإلماع إلى شيء يسير من آداب تلاوة القرآن العظيم، عسى أن يكرمنا المولى بعظيم فضله ويكتب لنا جميعا أجر الماهر بالقرآن.
<h2>ـ في آداب تلاوة القرآن الكريم:</h2>
أولا: الإخلاص: والمعنى أن يريد القارئ بتلاوته وجه الله عزو جل ونيل مرضاته، لا الاعتداد بكثرة التلاوة أو ابتغاء غرض من أغراض الدنيا كثناء الناس عليه، وإن في إرادة محمدة الناس لسوء أدب مع الله تعالى؛ لأنه قصد مناقض لحقيقة الإخلاص في التلاوة، قال النووي رحمه الله أول ما يجب على قارئ القرآن &#8220;مراعاة الأدب مع القرآن فينبغي أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه&#8221;[2].
ثانيا: الطهارة: يستحب للقارئ أن يقرأ القرآن وهو على طهارة في مكان طاهر، فإن قرأ محدثا جاز بإجماع المسلمين والأحاديث فيه كثيرة معروفة. واختلف الفقهاء في حكم من يريد قراءة القرآن من المصحف وهو على غير طهارة، فقالوا هل الطهارة شرط في مس المصحف أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنها شرط في مس المصحف[3]، وذهب أهل الظاهر تمسكا بظاهر قوله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون) إلى أن الطهارة ليست بشرط في مس المصحف، قال ابن حزم معقّبا على دليل الجمهور: &#8220;فهذا لا حجة لهم فيه، لأنه ليس أمرا، وإنما هو خبر، والله تعالى لا يقول إلا حقا، ولا يجوز أن يصرف لفظ الخبر إلى معنى الأمر إلا بنص جلي أو إجماع متيقن&#8221;[4].
وحاصل الأمر، فإن المؤمن القارئ لكلام الله تعالى الراغب في مرضاته الراجي عفوه ومغفرته ينبغي  أن يحرص على الطهارة في تلاوته افتقارا منه انكسارا، وتعظيما للقرآن وإجلالا.
ثالثا: استقبال القبلة والخشوع: ومن آداب التلاوة أن يستقبل قارئ القرآن القبلة، فخير المجالس ما استقبل به القبلة، ويجلس متخشعا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه ويكون جلوسه وحده في تحسين أدبه وخضوعه كجلوسه بين يدي معلمه؛ فهذا هو الأكمل ولو قرأ قائما أو مضطجعا أو في فراشه أو على غير ذلك من الأحوال جاز، وله أجر ولكن دون الأول، قال الله عز وجل (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) (آل عمران: 190)[5].
رابعا: الترتيل: وينبغي أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء رضي الله عنهم على استحباب الترتيل، قال الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) (المزمل:4)، وثبت عن أم سلمة رضي الله عنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته، فقالت: «وما لكم وصلاته؟ كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى يصبح، ونعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءته ‌حرفا ‌حرفا»[6].
وعن ‌معاوية بن قرة قال: سمعت ‌عبد الله بن مغفل يقول: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته، وهو ‌يقرأ ‌سورة ‌الفتح يرجع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع»[7].
هذه جملة يسيرة من آداب تلاوة القرآن الكريم، إذا تحقق بها المؤمن أذاقه الكريم المنان حلاوة القرآن، وآنسه بألطافه، وأمتعه بأنواره وأسراره، ويجدر التذكير والتأكيد في هذا المقام، أن حقائق القرآن وأسراره لا يدركها إلا من صفت مرآة قلبه بالصحبة الصالحة والمجاهدة والذكر الدائم، يقول الإمام عبد السلام ياسين &#8220;بعد صحبة المؤمنين، بعد لقاء رجال الدعوة والاستئناس بهم ومحبتهم التي تجر إلى الإيمان، يأتي ذكرُ الله عز وجل، فيتمُّ التفاعل بين عامِلَيْ التربية الإيمانية الأساسيين. ويتجدد إيمان العبد الصادق بالإكثار من ذكر لا إله إلا الله حتى يستنير القلب، وتزولَ قساوتُه، ويوقى شُحَّه، فيتأهلُ لتلقي كلام الله عز وجل بالسماع الخاشع والنية التنفيذية. كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول لمُسْلِمَةِ الجيل التابع: «أوتينا الإيمان قبلَ القرآن، وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان، فأنتم تنثرونه نثر الدقل». أي ترمونه رمي التمر الحشف اليابس. رواه الحاكم رحمه الله وصححه. واختصرناه&#8221;[8].
وحاصل القول، فإن بصحبة المؤمنين والكينونة معهم والذكر الدائم يستطيع المؤمن وجماعة المؤمنين التعظيم الدائم واللازم لكلام الله، فإذا صحّ لهم ذلك أفاض المولى عليهم نِعم القرآن وأنوار القرآن، ومدد القرآن، وبركة القرآن، والعمل بمقتضى القرآن.
&nbsp;
<hr />
[1]  ـ الترمذي، السنن، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل القرآن، رقم: 2906 [2]  ـ النووي، التبيان في آداب حملة القرآن، تحقيق محمد الحجار، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٤١٤ هـ &#8211; ١٩٩٤م، ص: 70 [3] &#8211; ينظر ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، طبعة 2004م، دار الحديث للطبع والنشر والتوزيع، القاهرة، 1/47 [4] &#8211; ابن حزم، المحلى، تحقيق أحمد محمد شاكر، بدون رقم الطبعة ولا سنة، مطبعة النهضة، مصر، 1/83 [5]  ـ ينظر النووي، التبيان، ص: 79 ـ 80  [6]  ـ أبو داود، السنن، كتاب تفريع أبواب الوتر، باب استحباب الترتيل في القراءة، رقم: 1466 [7] ـ البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المغازي، باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح، رقم: 4281 [8]  ـ عبد السلام ياسين، إمامة الأمة، ص: 145

التزكية والدعوة

في آداب تلاوة القرآن الكريم

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

سنة التدافع ووعد النصر

رمضان شهر تجديد الصلح مع الله

عقبات بناء الإنسان في ضوء القرآن الكريم

إسرائيل ابتلاء مؤقت

الإيمان بالقضاء والقدر

ولذكر الله أكبر

مقالات ذات صلة