في ذكرى الوفاء السادسة..ندوة سياسية تشخص الأزمة بالمغرب وتستشرف المستقبل
نظمت جماعة العدل والإحسان بمدينة الدار البيضاء عصر يوم السبت 14 ربيع الثاني 1440 الموافق لـ22 دجنبر 2018، ندوة سياسية حوارية، بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، شخّص خلالها المتدخلون واقع الأزمة بالمغرب ورصدوا مداخل تجاوزها. وذلك بحضور لفيف من الباحثين والحقوقيين والنقابيين.
وافتتحت فعاليات الذكرى بكلمة للأستاذة أمان جرعود، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، بشكرها لكل الحاضرين على تلبية الدعوة، وذكرت أنه بالاحتفال بذكرى الوفاء للإمام “نجدد فيها أواصر المحبة والصلة القلبية وقد تعلمنا معه أن الصلة لا تقطعها برازخ الموت، ونجدد فيها الصلة مع ما خلفه الرجل من أعمال عظام استوت على سوقها مشروعا متكاملا، جمع بين الفكرة والهمة، وزاوج بين غزارة القلم وبناء الأثر فجعل من علمه إماما للعمل”.
وأشارت الأستاذة جرعود إلى أن الإمام رحمه الله “اعترف لذوي الفضل بفضلهم ولو خالف بعضهم في القراءة والتقدير، وظلت يده مبسوطة للجميع، وفكره منفتحا على الجميع دون مركب نقص ولا أستاذية متعالية”. وأضافت أنه ظل رحمه الله “مؤمنا بالحوار داعيا له؛ اعترافا بالآخر، وبحثا عن سبل الالتقاء ومساحات المشترك وإمكانات التوافق. ومؤمنا أيضا بأن الإقصاء والتعصب والتطرف لا يصنع إلا الخراب”.
واستهل الدكتور المختار بن عبد اللاوي، أستاذ الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك، كلمته بالتذكير بسياق الأزمة في المغرب منوها بضرورة بناء العلاقات بين مختلف الفرقاء.
وقال الدكتور في كلمته ” الاقتتال الداخلي هو الذي فوت على الشعوب فرصة التغيير، وأيضا، يضيف المتحدث، تجاوز أسس وقيم التعياش السائدة طيلة قرون بين كل المكونات بغض النظر عن الدين والعرق والإثن”.
وعن قيادة الحراك الشعبي أكد الدكتور بن عبد اللاوي في معرض حديثه، خلال الندوة التي حضرها لفيف من الأكاديميين والسياسيين والحقوقيين والمدنيين، أن ” الحراك الشعبي دون قيادة يعيد القيادة للشعب، وعلى الحراكات والقيادات تحول الحركة في الأرض إلى مكتسبات سياسية”، ودعا إلى ” تكريس الثقة بين الشركاء بحثا عن الهدف المشترك”.
وختم الجامعي كلمته بخمس نقاط أساسية: البحث عن التوازن بين الهوية والإديولوجية مع تنسيب الهوية، إعادة الاعتبار للمبادئ الأساسية الحقوقية والقانونية (الحق في التجمع والاحتجاج)، ضرورة بناء الثقة بين المكونات (الحوار القيمي والثقافي)، الربط بين القاعدة القانونية وممارستها على الأرض، إعادة الاعتبار للثقافة إذ بقدر ما يتسع فضاء الثقافة تتسع مساحة الحرية”.
وتفاعلت الأستاذة خديجة الرياضي مع أرضية الندوة بتأكيدها على عمق الأزمة بالمغرب حيث “يعترف بها رئيس الدولة أيضا، كما توثقها التقارير الرسمية إذا اطلعنا على تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وتقرير المركز المغربي للظرفية وغيرها”.
وأكدت الناشطة الحقوقية أن “الأزمة لا تنحصر في المستوى السياسي فحسب، فمؤشرات الأمم المتحد حول التعليم الصحة ومستوى المعيشة وظروف الشغل تبرز مستوى الإفلاس الذي وصلت إليه منظومة التعليم وهزالة مؤشرات الصحة العمومية مقارنة مع معايير منظمة الصحة العالمية.
وعن السبب الأساسي للأزمة قالت إنها “تكمن في انتهاك حق الشعب المغربي في تقرير مصيره. إنه انتهاك يتجلى في الطابع الصوري للمؤسسات السياسية وهيمنة المؤسسة الملكية عليها”. وأما البرلمان فهو أيضاـ تضيف الرياضي، لا يعدو أن يكون “وجها من أوجه نظام الريع من خلال ما يوفره لأعضائه من إمكانات مالية وامتيازات متعددة يستعملها أغلبية الأعضاء في الدفاع عن مصالحهم وحماية مكتسباتهم الشخصية”.
وذكرت الناشطة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن المغرب “قد صنف في ذيل الدول من طرف مشروع العدالة العالمي، الذي يدرس أنظمة العدالة في العالم خاصة في بعض المؤشرات التي تقيس مستوى احترام دولة الحق والقانون وفي الولوج للمعلومة التي تهم الشأن العام”.
وعلى مستوى الإعلام، تقول الأستاذة الرياضي أنه “من المفروض أن يشكل تلك السلطة الرابعة التي تراقب السلط الأخرى كما يتم في الدول الديمقراطية، لكن تم الإجهاز على الصحافة المستقلة”.
من جهته عبر الأستاذ عبد العزيز النويضي، المهتم بقضايا حقوق الإنسان والحوار الاجتماعي، عن الشكر على الدعوة، وأشار إلى أن استجابته لها من منطلقين، أولهما حقوقي وإنساني، يمليه عليه مركزه كفاعل حقوقي، متضامنا مع كل من انتهك حقه لمجرد أنه ينتمي إلى الجماعة، والمنطلق الثاني، سياسي صرف، كون “الجماعة تشكل عنصر استقرار للبلد”.
وفي موضوع الندوة ركز الرئيس السابق لجمعية عدالة في مداخلته على نقطتين؛ فبخصوص عمق الأزمة قال“إنه رغم أن دستور 2011 جاء ثمرة لحركة 20 فبراير فقد وجد أعطابا مزمنة وأخرى مستجدة حالت وتحول دون استثمار بعض جوانبه الإيجابية”.
وعدد بعض هذه الأعطاب في “1- استمرار تعددية حزبية مشوهة تقوم على محاربة القوى السياسية المستقلة والمعارضة، وعلى تعهد الموالين الساعين أصلا لمصالحهم الذاتية دون مراعاة فعلية للمصلحة العامة واستقرار الوطن ومناعته.
2- نمط اقتراع يخدم هندسة سياسية متحكما فيها، وينتج برلمانا وحكومات ومؤسسات ضعيفة وتشريعا محافظا وارتداديا ينزع باليد اليمنى ما أعطاه باليسرى.
3- عدم حياد الإدارة الترابية في الحقل السياسي.
4- إعلام عمومي تحت الوصاية، وتوظيف إجرامي لصحافة التشهير.
5- توظيف القضاء ومنظومة العدالة الجنائية ضد الخصوم السياسيين، وضد الرأي النقدي، وضد الاحتجاج الاجتماعي.
6- تعطيل مؤسسات الحكامة في عدة مجالات”.
وهو ما وضعنا أمام، حسب رأي النويضي، “بنية سياسية تنتج العنف البنيوي من فقر وإقصاء وتهميش وتعطل كل تنمية بشرية، كما تنتج العنف المباشر؛ سواء عنف الدولة ضد المحتجين على العنف البنيوي أو عنف بعض المهمشين الذين اختاروا سبيل الإرهاب والتخريب والإجرام”.
وأرجع المحامي والفاعل الحقوقي هذا الوضع للأسباب التالية:
“1- التشبث بالمصالح والمواقع الريعية..
2- عدم إدراك فعلي لخطورة الوضع الاجتماعي والسياسي، مع اعتقاد واهم بإمكانية السيطرة عليه بعنف الدولة..
3- وجود حزب يقود الحكومة ضمن تحالف، وهو يتلقى الضربات من كل جانب، ولكنه باستمراره يشكل فرصة لذوي المصالح الريعية لتمرير اختيارات مناهضة لحقوق أغلبية المواطنين.
4- أحزاب ونقابات هشة ومتفرقة، ومجتمع مدني متضارب الأهواء..
5- محيط دولي غير مساعد على الإصلاح، حيث غلبت المصالح الآنية للفاعلين الكبار في المجتمع الدولي على المصالح الجماعية على المدى البعيد..”.
و من هذا الواقع المتردي، خلص الأستاذ النويضي إلى اعتبار أن “التحول الديمقراطي السلمي في المغرب رهين بخلق ميزان قوة، بين قوى سياسية تؤمن بالديمقراطية وتتعاون لإنجاح التحول، عن طريق حوار يفضي إلى تراض على ميثاق للديمقراطية في مفهومها الكلي، والوصول إلى حل سياسي”.
وفي الأخير تناول الكلمة الدكتور عمر إحرشان، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، مظاهر الأزمة في المغرب وسبل الخروج منها. وقال الدكتور عمر إحرشان في مداخلته إن هناك عدة مؤشرات على عمق الأزمة في المغرب منها ”مؤشرات دولية عبارة عن تقارير دولية وتصنيفات تصنف البلاد في العديد من المجالات، تبرز أن البلاد تعيش أزمة حقيقية”.
وأضاف إحرشان أن “المؤشرات الرسمية وعلى رأسها خطابات الملك ومؤسسات الحكامة التي تؤكد وجود أزمة بالمغرب. وأهم المؤشرات هي المؤشرات الشعبية حيث حالة العزوف التام عن الانتخابات رغم التعديلات الدستورية والتنظيمية التي لم تستطع ثني الشعب عن العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. عزوف هو نتيجة عدم ثقة في المؤسسات الرسمية”.
وسجل العضو في الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان أن ”الوحيد الذي لم نجربه في البلاد هو تغيير نظام الحكم. فنظام الحكم بالمغرب بميكانزمات عمله وآليات اشتغاله هي التي لم تتغير. والأزمة في المغرب لا ترتبط بحكومة ولا بحكامة بل بنظام حكم يحتكر السلطة والثروة والإعلام والمعلومة والأجهزة الأمنية والقيم وكل شيء. نظام يجعل مؤسسات الدولة ومؤسسات الشعب في خدمة مصالحه”.
ولتجاوز هذه الأزمة يرى الباحث أننا “جربنا الرهان على المجتمع والشعب وحققنا ما لم يتحقق في عقود من الزمن. لهذا فالحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى موجة جديدة من الاحتجاجات تتسم أولا بانتظام كل الحراكات الفئوية والمجالية في حراك جامع. ثانيا ربط المطالب الاجتماعية بطابعها السياسي. ثالثا حراك مجتمعي عابر للانتماءات السياسية والإيديولوجية. رابعا الانتباه لمناورات السلطة التي تتجاهل المطالب. خامسا قاطرة هذا الحراك المجتمعي ينبغي أن تكون مستقلة عن المخزن. والواجهة الثانية للتغيير هي الورش الحواري حيث إننا في حاجة إلى حوار وطني مفتوح على كل الأطراف وكل النتائج وكل الاحتمالات غايته الوصول إلى ميثاق جامع”.
أضف تعليقك (0 )