post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

من عظيم فضل الله عز وجل على أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نوع لها الطاعات، وجعل في أيام دهرها نفحات ترجى في أزمنة مباركة، غنيمة ميسرة لمن حالفته عناية التوفيق. ومن هذه الأزمنة المباركة شهر شعبان. فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: &#8220;ذاكَ&nbsp;شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنهُ بين رجبَ ورمضانَ وهُو شَهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمين وَأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ&#8221;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn1">[1]</a>.



نقبس من هذا الحديث الشريف قبسات مباركات، لعلنا نجد على درب شعبان هدى، سواء ما أشار إليه منطوق الحديث أو مفهومه.



<h1 class="wp-block-heading">القبس الأول: المحبة والصحبة&nbsp;</h1>



المحبة والصحبة هي التي أبرزت لنا فضل شهر شعبان، فسيدنا أسامة بن زيد وهو الحب بن الحب فضحت روايته لهذا الحديث محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم المكتومة في ثنايا حواره معه عليه الصلاة والسلام؛ فقوله: &#8221; لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ&#8221; تخبرنا بمدى محبته وملازمته النظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتبعه لأفعاله وأحواله وأقواله. فكيف لأحد أن يلحظ صيام رجل من عدمه على مدى شهر كامل على أن الصيام مما يصعب ظهوره وتتبعه؟



كان سيدنا أسامة يتمثل قول ربنا عز وجل: ﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (الكهف28:) إذ إن النظر في وجه الصالحين عبادة، وهو مفتاح صحبتهم والاقتباس من نورهم. فقد أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: &#8220;المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ&#8221;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn2">[2]</a>. ذاك وإلا يندم المرء غدا يوم التغابن، ولات حين مندم، فيقول: ﴿انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ (الحديد13:).



في الدنيا يلتمس ويقتبس نور الصالحين. في الدنيا ينتفع بمحبتهم وصحبتهم، فما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح. فليكن شهر شعبان شهر البحث عن الصالحين، وملازمة رياض مجالسهم، والحرص على أن يحبوك كما أحببتهم. يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين: &#8220;يا غافل، هذا عمرك يتصرم فماذا أسست من صداقات وماذا بنيت لآخرتك من معارف، وما شغف قلبك من أحباب؟ أنت مع أولئك يوم القيامة، وأنت من ذلك الصنف أيا كان … اهرب من قرناء الغفلة، وارتم في أحضان قوم صالحين، وابك على ربك ليرزقك محبتهم، عسى تنجو من ورطة الانحشار في زمرة الهالكين&#8221;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn3">[3]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">القبس الثاني: ذكر الله الكثير&nbsp;</h1>



وصية مباشرة من&nbsp;النبي الكريم الله صلى الله عليه وسلم&nbsp;بذكر الله الكثير في شهر شعبان في قوله &#8220;ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان&#8221; فالغفلة المنافية للذكر هي السمة الغالبة في هذا الشهر الذي جاء مغمورا بين شهرين معظمين عند الناس فلا يحفل به. وإن ذكر الله تعالى في مواطن الغفلة لأشد رجاء ووقعا على القلب من غيره، فكثير من الأعمال يعظم أجرها وثوابها لما يحيط بها من غفلة الناس وانشغالهم. من ذلك فضل قيام الليل وفضل صلاة الضحى وفضل دعاء السوق وغيرها من الأعمال، يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، مبرزا فضل الذكر عموما وفضل خصوصيته في ساعة الغفلة: &#8220;ذكر الله به يتقدس الكيان القلبي للمؤمن، ويكون التقديس أعظم إن كان ذكر الله أدومَ. ويكون ذكر الله أعظم إن كانت دواعي الغفلة وأزمة الموقف أشدَّ&#8221;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn4">[4]</a>.&nbsp;&nbsp;



من هنا نفهم لماذا سمي شهر شعبان بشهر القراء، ونفهم قول سيدنا أنس رضي الله عنه: &#8220;كانَ أَصحابُ رسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا اسْتَهَلَّ شَعْبانُ أَكَبُّوا عَلى المَصاحِفِ فَقَرؤوهَا &#8220;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn5">[5]</a>.



<h1 class="wp-block-heading">القبس الثالث: الصدق</h1>



&nbsp;الصدق الدوام، &#8220;أَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدْومُها وإن قَلَّ&#8221;<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_edn6">[6]</a>. وإن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: &#8220;شَهرٌ تُرفعُ فيهِ الأعمالُ إلى رَبِّ العالمين وَأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ&#8221; لدلالة على إرادته صلى الله عليه وسلم أن يرفع عمله وهو مداوم على عمل صالح، ولماذا الصيام دون غيره من الأعمال؟ لأنه عبادة مستمرة ومستغرقة لسائر اليوم، وموقظة للجوارح من غفلتها، ترفع روحانية العبد ليقبل على كل عمل صالح يقربه إلى مولاه، مستدعية معها مجموعة من العبادات من سحور وصلاة وذكر وصدقة وغيرها. ثم إن صدق العمل إخلاص النية فيه، وكلما كان العمل مستورا كان خالصا، والصيام أخفى أن يطلع عليه أحد.



في الختام، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لاغتنام نفحات شهر شعبان بالصحبة والذكر والصدق وسائر الأعمال الصالحات، ليكون بوابة التوفيق لدخول غمار غرة شهور السنة، شهر رمضان الأبرك، ولتتهيأ القلوب إلى استقبال عظيم خيراته، وجزيل عطاءاته. والحمد لله رب العالمين.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref1">[1]</a>. أخرجه أحمد، رقم: 21753 والنسائي، رقم: 2357.



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref2">[2]</a>. أخرجه أحمد، الرقم: 8398



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref3">[3]</a>&nbsp;. ياسين، عبد السلام، الإحسان، دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، السنة 2018م، 1/162&nbsp;



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref4">[4]</a>&nbsp;.&nbsp;المصدر نفسه، 1/ 222.



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref5">[5]</a>&nbsp;.&nbsp;أخرجه الشجري في (الأمالي) الرقم: 1219.



<a href="applewebdata://44160EAF-CDBD-418D-8B8B-C7FF20103534#_ednref6">[6]</a>. أخرجه البخاري، رقم: 6465 ومسلم، رقم: 783 واللفظ له.

التزكية والدعوة

قبسات من حديث شهر شعبان

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

قبسات من حديث شهر شعبان

معالم التربية والجهاد في ذكرى الإسراء والمعراج

غزوة بدر الكبرى: دروس وعبر

مقالات ذات صلة