مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسينمدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين
مدرسة الإمام المجدد
عبد السلام ياسين

قضايا فكرية

قراءة في كتاب “مذكرات في التربية” للأستاذ عبد السلام ياسين

0
قراءة في كتاب “مذكرات في التربية” للأستاذ عبد السلام ياسين

قراءة في كتاب “مذكرات في التربية” للأستاذ عبد السلام ياسين:

مذكرات في التربية عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها الأستاذ المربي عبد السلام ياسين رحمه الله في مركز مدرسة المعلمين في الستينيات من القرن العشرين، يقول عنها أنها “مذكرات جمعتُ فيها دروسا كنتُ ألقيتها على طلبتي في مدرسة المعلمين منذ عدة سنوات، ولست أزعم أنني أضيف بهذه الصفحات بحثا علميا في الموضوع، لكنني رأيت ألا يضيع ما كنتُ بذلته من مجهود متواضع يستنير بتجربة غير قصيرة في ميدان تكوين المعلمين.” [1]

ورغم أن هذه المذكرات كتبت منذ زمن بعيد إلا أن صداها لا يزال يمس واقعنا التربوي بإلحاح، لأنها اهتمت بمادة واحدة فقط دارت عليها كل فصولها إنها التربية، فالفصل الأول تركز القول فيه على ماهية التربية وغاياتها، والفصل الثاني انتقل إلى الكلام عن وسائل التربية، وفي الفصل الثالث جاء الكلام فيه عن علم النفس ومدى ارتباطه بتربية الطفل، أما في الفصول المتبقية الرابع والخامس والسادس تناول الكتاب أنواع التربية وهي بالتتابع التربية الجسمية والخلقية والعقلية.

وتعد هذه الفصول الستة مادة تربوية غنية للباحثين في العمل التربوي وخاصة تربية الطفل، ومذكرات هامة لمن يخوض تجربة تربوية في المؤسسات التعليمية التربوية من المعلمين والمعلمات.

انتقد مؤلف المذكرات منهجين تربويين مختلفين، المنهج التربوي التقليدي الذي يدعو إلى الجمود على التراث الموروث دون الرجوع إلى النظريات التربوية العصرية، ومنهج التبعية التربوية المطلقة للإيديولوجيات المعاصرة دون الالتفات إلى الأصول التربوية في المرجعية الإسلامية، لهذا قرر المؤلف أن يأخذ بمنهج يزاوج بين الأصول التربوية والنظريات المعاصرة، لذلك نجده يؤكد أن منهج الكتاب “فيما كتبته منبعث إلى الأصالة والتجديد اللذين نحن في أشد الحاجة إليهما بعد أن جعلنا التقليد والتبعية الأعميان ننظر بأعين غيرنا إلى مشاكلنا الخاصة.” [2]

كما غلَّب المؤلف البعد العملي الواقعي على البعد النظري التجريدي لأنه كتب للمدرسة المغربية وللطفل المغربي وللمعلمات والمعلمين المغاربة، حرصا منه أن يكون الكتاب كتابا وطنيا بامتياز، فالمؤلف حاول أن يُخضع بعض النظريات التربوية الحديثة والمعاصرة إلى الواقع الوطني المغربي ليعالج تحدياته وعقباته التربوية، يقول: “عالجت كل موضوع على ضوء واقعنا التعليمي، وتحدثت عن المعلم باعتباره المعلم المغربي في وضعه الخاص وبصفاته التي يحددها تكوينه وعقليته كما تحدثت عن التلميذ باعتباره التلميذ المغربي المتقلب في أسرة مغربية، والناشئ لمستقبل مغربي”. [3]

ماهية التربية وغاياتها

يظهر جليا تجاوز الأستاذ ياسين للتصور التقليدي الضيق والتبسيطي لمفهوم التربية، وانفتاحه على مستجدات عالم التربية في المدارس الغربية الأنجلوساكسونية والفرنكفونية، فتجده مثلا يرى أن التربية كما يؤكد هربرت سبنسر (Herbert Spencer) “نتيجة كل التأثيرات التي توجه حياة الإنسان”، [4]ومن خلال هذه التأثيرات تتشكل شخصية الطفل، فليست تربية الطفل فقط تلك الأعمال التربوية المقصودة والموجهة، فربما لا تتحقق نتائجها الموجهة لأن التأثيرات المشكلة لشخصية الطفل مختلفة الوسائل سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، وربما تكون هذه الأخيرة أكثر تأثيرا في الطفل من العمل التربوي المقصود، وهذا مالا ينتبه إليه أكثر الناس لذا وجب تصحيح مفهوم التربية.

التربية في عصرنا أصبحت عملية معقدة تعقدا شديدا[5] بعدما كانت عملية مبسطة يتكلف بها الأبوان والعشيرة، فتطورت في كل عصر حسب الحاجة الاجتماعية والطابع الفكري والصبغة الفلسفية، ومن خلالها تتحدد أهداف وغايات التربية لكل أمة وكل حضارة.

كانت التربية في مدينة أسبرطة تنحصر في تنشئة الرجل الشجاع، وعند اليونان في تنشئة الرجل الكامل في جسمه وخلقه وعقله، وفي الإسلام في تنشئة المسلم على الخاضع لتعاليم الدين الإسلامي، وفي حضارة أوربا العصور الوسطى انحصرت أغراض التربية في خلاص الإنسان المسيحي، وفي النهضة الأوربية في تحقيق النموذج الاجتماعي للرجل والمرأة، أما في العصور الحديثة فقد ظهرت مدارس تربوية مختلفة، فأمريكا أصبح غرضها من التربية تنشئة الإنسان الذي يجمع بين القوة والقيم النفعية والحرية، أما اليابان فغرضها من التربية صناعة رجال ذوو كفاءات فنية لهم إحساس وطني قوي للتضحية في سبيله.

وما دامت كل هذه الحضارات لها أغراض محددة من التربية اعتمادا على الحاجة الاجتماعية والمرجعية الفلسفية والفكرية، فإن المذكرات تعرضت لعدد كبير من الآراء الفلسفية لأغراض التربية، ويمكن تقسيم هذه الآراء إلى قسمين:

الآراء القديمة:

أفلاطون: التربية تحقق مجتمعا فاضلا عن طريق تنشئة الإنسان الفاضل العارف للخير وسلوك سبيله.
إراسم: جعل التربية تحقق مجتمعا مثاليا عن طريق تنشئة سامية في الثقافة والعقلية والسلوك الأخلاقي.
لوثر: التربية تحقق الطهارة الروحية والتمسك بالأخلاق المسيحية عن طريق التأمل والتدبر في النصوص الدينية وإهمال الثقافة العقلية.
مونتيني: غاية التربية تكوين الرجل الكامل في خلقه عن طريق تربية الجسم تربية سليمة، والتعلم من الحياة لا من الكتب.
كومنيوس: غاية التربية القرب من الله عن طريق تكوين الفرد تكوينا دينيا مسيحيا، والدراسة العلمية الواسعة في المدارس والتي سماها مصانع انسانية.
لوك: غاية التربية تكوين رجل قوي يتحكم في عواطفه المندفعة، ويتصرف وفق العقل فيخضع لأحكامه إذا أهمل التربية العلمية.
روسو: الغاية تكوين رجل ذي رأي سديد منفتح الذهن مكتمل المواهب عن طريق التعلم من الطبيعة لا من الكتب والمعارف كما لوك.
بستالوري: الغاية تنشئة رجال صالحين للقيام بشؤون أسرهم، عن طريق التعليم المهني، وحصولهم على مهنة تضمن لهم العيش الكريم.
هربرت: الغاية تكوين الرجل الحر المنفتح الذهن عن طريق اكتساب معرفة جامعة وتدريس العلوم بانتظام.
فروبل: تأثر بآراء بستالوري وغايته من التربية القيام بشؤون الأسرة عن طريق التعلم بالأشياء المحسوسة واللعب الذي جعل منه سيكولوجية.
سبنسر: الغاية تنظيم سلوك الفرد وتهذيب أخلاقه عن طريق التعلم بالمحسوس ومن السهل إلى الصعب.
وليم جيمس: غاية التربية سعادة الأمة عن طريق توجيه الفرد توجيها حسنا، وهذا يتوقف على صلاحية المربي.
ومن هذه الآراء القديمة نستنتج أن غاية التربية تتجه إلى الفرد، وكانت تدور على نقاط ثلاث وهي:

غاية التربية فردية إنسانية بتربية الرجل وتأديبه
الغاية ثقافية ومعرفية بتربية الإنسان وتحصيله المعارف المتعددة ليكون واسع المعرفة
ج. الغاية علمية محضة بجعل العلم غاية لتهذيب الروح والجسد.

الآراء الحديثة:

آلان: يرى أن التربية لا تكون عن طريق المحسوس بل عن طريق تنمية عقل الطفل وقدرته على التفكير بالحفظ والقراءة والكتابة.
مونتيسوري: ترى أن التربية الناجحة هي التي تعلم الطفل كيف يتحكم في نفسه، ويسيطر على حركاته عن طريق ممارسة الرياضة.
ديوي: يرى أن التربية تحقق المواطن الصالح والمجتمع الديمقراطي عن طريق التعلم بالعمل الجماعي المشترك لا بالضغط الخارجي.
كرشنشتاينز: يرى رأي ديوي في غاية التربية عن طريق عمل الطفل الإرادي مع الجماعة، وبالتجربة تحصل المعرفة.
ذكرولي: التدرج من المحسوس إلى المعقول، ومن الشيء إلى معنى الشيء، ومن الكل إلى أجزاء الكل.
وإذا تأملنا الآراء الحديثة في التربية نجدها متطورة عن سابقتها القديمة، فهي تتجه إلى الجماعة والمجتمع، أما الفرد فما هو إلا عضو يعمل من أجلها، ويمكن حصر غاياتها في ثلاث وهي:

شمول التربية للجسم والعقل والخلق.
تربية الفرد ليكون مواطنا صالحا وعضوا نافعا لمجتمعه.
ج. إبراز مواهب الفرد وقدراته كلها وتطويرها.

نستنتج أن التربية قد تطورت غاياتها، فإذا استهدفت التربية القديمة الفرد علميا وخلقيا، فإن التربية الحديثة ربطت الفرد بالمحيط الاجتماعي، فأصبحت غاية التربية “تنظيم كل إمكانيات الفرد وتهيئه ليعيش في محيطه الاجتماعي والطبيعي”. [6]

وبعد عرض غايات التربية قديما وحديثا انتقلت المذكرات إلى طرح إشكالية تربوية في غاية الأهمية، وهي: هل يمكن أن نربي الطفل؟ وإلى أي حد يمكن أن يكون العمل التربوي ناجحا؟ وهل يمكن تغيير الاتجاه الخلقي للطفل، خصوصا عند وجود شخصية طبيعية عنده تستعصي على عملنا التربوي وتحد من نتائجه؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة عرضت رأيين مختلفين:

الرأي الأول: رأي سقراط ومن تبعه حيث شبهوا الطفل بلوحة من شمع، أو صفحة بيضاء بوسع المربي أن يكتب فيها ما يشاء لأنه مادة ميتة، وهذا ما عبر عنه إراسل من كون الطفل يشبه الحقل الصالح للزراعة.

الرأي الثاني: رأي لوك الانجليزي ومن تبعه، ولو أنه يتفق مع سقراط وإراسل من جهة، إلا أنه يؤكد أنه لا يمكن تغيير طبيعة الطفل تغييرا عميقا، وهو نفس الرأي الذي ذهب إليه الفيلسوف الألماني شوبنهاور في كون طبع الإنسان لا يتغير، فمهما كان عمل التربية فإن الطبع الحقيقي يتغلب دائما، لكن ما فائدة التربية في هذه الحالة؟

يجيب الأستاذ ياسين بأن الوسط التربوي والاجتماعي لا سبيل إلى إنكاره، إذ له تأثيره على الإنسان لأن الوسط تربية، ومن الوسط التربوي وأهميته تم التركيز على الوسط التربوي الأهم، وهي المدرسة ومكوناتها ونظامها، وهو الرأي الذي نقلناه عن كومنيوس التشيكي الذي جعل المدارس مصانع إنسانية.

2. وسط المدرسة ونظامها:

ظلت المدرسة في بداية ظهورها حكرا على طبقة المثقفين الحاكمين تضطلع بمهمة التربية في المجتمعات الراقية، إلى أن انتشرت وأصبحت وسيلة ضرورية لكل الطبقات ولكل الناس، والمدرسة عوضت المهمة التربوية التي كانت تطلع بها الأسرة في المجتمعات البدائية، إما لعدم قدرة الأسرة على التربية والتعليم أو لوجود معلم متخصص، وجو مدرسي جماعي يساعد على التربية والتعليم، ومن مهامها:

فتح عين الطفل على محيطه الطبيعي والاجتماعي
تيسير فهم الحياة وأسبابها عند الطفل
تزويد الطفل بأدوات المعرفة
د. غرس الأخلاق الفاضلة

ه. توجيه الطفل إلى العمل واكتساب مهنة

ولتقوم المدرسة بهذه المهمات وجب عليها الاهتمام بمكونات العملية التربوية التعليمية: من قبيل النظام الداخلي للمدرسة وجمعية الآباء والمعلم والطفل وعلم النفس.

أ. النظام الداخلي للمدرسة: النظام ضروري لكل مدرسة وإلا تحول عملها إلى فوضى، نظام تفرضه بسلطتها على التلاميذ لا بالجبر والقهر وإنما بتوعيتهم بمسؤوليتهم تجاه مدرستهم، وهو إطار يتربى عليه التلميذ ليكون مواطنا صالحا متشبعا بقيم الاحترام وعدم الاعتداء، وإلى جانب النظام الداخلي، هناك نظام المدرسة المادي، وعلى رأس ذلك الأثاث الداخلي للمدرسة من مقاعد، وإنارة مناسبة، وتهوية جيدة، وحرارة كافية، والجو الهادئ، وتنظيم التلاميذ داخل القسم تنظيما حسنا، والاهتمام بوضعيات جلوسهم ومتابعاتهم للدروس ومشاركاتهم، والعناية براحتهم واستراحتهم ولعبهم، والاعتناء بصحتهم ونظافتهم والقيام بفحص طبي بين الحين والحين، والحرص على وقايتهم من الأمراض.

ب. جمعية الآباء: إذا كانت المدرسة خلفت البيت والأسرة في مهمتها العلمية والخلقية إلا أن هذا لا يعني استقلال الأسرة من مهمة التربية، إنما المدرسة تكمل عمل الأسرة وتخلفها فيما لا تقدر عليه من وجود معلم متخصص وفضاء جماعي ومادة علمية، لهذا وجب التعاون بين المؤسستين على غرس القيم النبيلة والأخلاق الحسنة، وإنجاز الواجبات المدرسية بالبيت، واستمرار العلاقة بين المعلمين وإدارة المدرسة والآباء والأمهات عن طريق جمعية الآباء وتدعيمها، والحرص على عدم تناقض المؤسستين في توجيه الطفل.

ج. المعلم/المدرس: المعلم حجر الزاوية في العملية التربوية داخل المدرسة، فهو المربي والموجه والقدوة لتلامذته، والمعلم الناجح في مهمته له صفات منها:

– الاستعداد الفطري: أن يكون المعلم مستعدا فطريا للقيام بهذه المهمة التربوية، وإلا فشل فشلا ذريعا إن لم يكن له استعداد نفسي وروحي وعاطفي.

– الجسم السليم: لأن العملية التعلمية التعليمية تحتاج من المعلم قوة بدنية ليضطلع بمهمته على أفضل وجه.

– المظهر الأنيق: في لباسة وكلامه وحركاته، وهو شرط في المعلم حتى ينال احترام تلامذته ويكون قدوة لهم.

– الذكاء العقلي: فصفة النباهة العقلية والفطنة توفر للمعلم قدرة على الإقناع والتأثير في تلاميذه.

– العاطفة والطبع المرن: إن القسوة على التلاميذ تدعوهم للنفور، والرحمة بهم والصبر عليهم يدعوهم للإقبال على المدرسة وحب برامجها ومقرراتها الدراسية.

– أخلاق العدل: من أخلال المعلم العدل مع وبين التلاميذ، وذلك رأس أمر التربية الجماعية، وبه تحصل الطمأنينة والأمن الدراسي.

– الصرامة والسلطة التربوية: يتأسس الضبط التربوي من أول اتصال للمعلم بالتلاميذ، فينشئ احترامه وتوقيره بوصفه المربي والقدوة.

– الجزاء المدرسي: الجزاء إما بالثواب أو العقاب، الثواب على كل عمل جيد أو تحصيل نتائج جيدة، وتخصيص مكافآت مادية للتلاميذ المتفوقين، وهذا يدفع التلاميذ إلى مزيد بذل واجتهاد، وتوسيع المنافسة بينهم، أما العقوبة فيحاول المعلم تجنب العقاب البدني أو المعنوي، وإذا اضطرت المدرسة إلى عقاب التلميذ فيشترط أن يكون المعاقب تربويا ساكنا حال إنزاله العقوبة التي تكون من نوع المخالفة، وتكون العقوبة قليلة وإنسانية لا تلحق الأذى بالمعاقَب معنويا ولا ماديا.

3. تربية الطفل وعلم النفس: وفي هذا الصدد حاولت المذكرات أن تلقي نظرة على علاقة التربية بعلم النفس، وهذا من أهم ما ينبغي للمعلم الاهتمام به، معرفة نفسية كل طفل، وتدبيرها تدبيرا تربويا يلبي رغباتها، وتوافقها مع رغبات المعلم والمدرسة، والتعاون معهم على تجاوز بعض العقبات النفسية المحمولة معهم.

وأول ما يراعيه المعلم نفسية الطفل وعقليته، وإدراكه للمادة التعليمية، وحاجاته للحرية وللعطف، والانتباه لسلوكه وذكائه، وعلاقة الطفل بالأسرة والبيت، وعلاقته بالمعلم نفسه، وعلاقته برفاقه في المدرسة، والفروق الفردية بينهم عقلية أو جسمية.

وما دامت المذكرات اختارت مفهوم التربية باعتباره مجموعة تأثيرات توجه الإنسان، فإن هذه التأثيرات المطلوبة نظريا وواقعيا هي تأثيرات شاملة تتوجه إلى جسم الطفل وتوجه خلقه وعقله، وعليه فأنواع التربية جسمية وخلقية وعقلية.

أ. التربية الجسمية: كانت أغراض التربية قديما تعطي للتربية الجسمية مكانا خاصا بها، أما حديثا فقد انحصرت عند ظهور أغراض أخرى للتربية، ولكن يجب أن تبقى للتربية الجسمية مكانتها إلى جانب الأغراض العلمية أو الخلقية، وبما أن مدارسنا لا تعطي الوقت الكافي لهذا النوع لأنها لم تستقر بعد في نظامنا التربوي، فإنها تحتاج إلى الاهتمام والعناية، ” وأن ينال جسم الطفل من العناية مثل ما يعطي لعقله.” [7]

وللتربية الجسمية علاقة بالصحة المدرسية، فالطفل التلميذ يكتسب المعرفة عن طريق حواسه السليمة، وإلا كان التحصيل ناقصا وربما منعدما، فوجب الاعتناء بصحة التلاميذ عناية خاصة من طرف المدرسة وتوجيههم للمستشفيات قصد معالجتهم، وتبقى الوقاية خير من العلاج، فتخصص المدرسة وقتا للتوعية الصحية وطرق الوقاية من بعض الأمراض المنتشرة في البيئة والمحيط الاجتماعي.

ويبقى درس التربية البدنية من الدروس البالغة الأهمية في التربية الجسمية، فالطفل/التلميذ يحتاج لترويض جسمه وتنشيطه، وهذا من مهمة المدرسة والإشراف الفعلي على توعية التلاميذ بأهمية درس الرياضة الجسمية، وعدم النفور من حصصها واعتبارها حصص زائدة وغير مرغوب فيها.

ب. التربية الخلقية: تهدف التربية الخلقية إلى غاية كبرى وهي صلاح الفرد والمجتمع، ويتحقق “إصلاح المجتمع بإصلاح الفرد”، [8] ومن هنا تظهر الأهمية القصوى للتربية الخلقية فهي ليست كأنواع التربية الأخرى وذلك لأنها تتعدى المستوى الفردي إلى المجتمع ومحيطه، والعمل الخلقي هو “شعور بأن ما نفعله واجب مقدس لا ينبغي أن نروغ عنه، فرضه الضمير أو فرضه الاقتناع العميق.” [9]

من هنا يأتي دور المدرسة في تهذيب أخلاق الطفل وتربيته على الشعور بالواجب الخلقي دائما ليكون سلوكه أخلاقيا كاملا، والتربية الخلقية تتنوع أساليبها حسب الحاجة والمربى، تربية بالحرية، وليست الحرية المطلقة وإنما حرية الاختيار والتعبير والقرار والمشاركة، وهذا لا يتأتى إلا إذا أصبح السلوك الخلقي عند الطفل نابعا من وعي خلقي وليس عادة اكتسبها الطفل من والديه أو من مجتمعه، ولا تعطى مهمة التربية الخلقية لمعلم سيء الخلق لأنه قدوة لمن يربيهم، فعليه أن يكون نموذجا صالحا في الأخلاق ومثالا يحتذى به في الأقوال والأفعال.

ومن هذا الدور الخلقي العظيم تعين على المدرسة أن تدرج مادة الأخلاق في مقرراتها، فتصبح دروس الأخلاق لها مكانتها عند جميع الأطفال/التلاميذ ويخضعون إلى تمثلها في سلوكهم اليومي، والأخلاق المقصودة هنا هي الأخلاق الدينية الإسلامية، وبهذه الأعمال يتمثل الدين في واقعنا، لأن الدين هو ما ظهر في صلاح أعمالنا وسلوكنا، “وإن أقرب ما نتقرب به إلى الله طهارة قلوبنا وإخلاص نياتنا كلما قمنا بعمل ديني.”[10]

ج. التربية العقلية: إن العقل هو الأداة الكبرى التي يتكسب بها المتعلم المعرفة بكل أنواعها، لذا وجبت العناية بنمو عقل الطفل وتربيته على الاستقلال برأيه وحكمه على الأشياء دون أن يتأثر بعواطف الآخرين، وأن يستعمل حواسه أحسن استعمال، كما على المدرسة أن تهتم بذاكرة تلامذتها واستحضار الفوارق بينهم لأنهم يختلفون في الاستيعاب والتذكر، كل هذا الاهتمام يدفع التلاميذ للعمل الإيجابي وعدم السقوط في سلبية التفكير.

كتاب عبد السلام ياسين وجهوده في بناء المنظومة التربوية المغربية – ص 141 


[1]– عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات، الدار البيضاء: دار السلمي للتأليف والترجمة والنشر والطباعة والتوزيع، الطبعة 1، 1963، ص 5.
[2]– المرجع نفسه، ص 5.
[3]– عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات، ص 5.
[4]– المرجع نفسه، ص 9.
[5] –المرجع نفسه، ص 11.
[6]– عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات، ص 25.
[7]– عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات، مرجع سابق، ص 113.
[8]– المرجع نفسه، ص 125.
[9]– المرجع نفسه، ص 126.
[10] – عبد السلام ياسين، مذكرات في التربية لمدارس المعلمين والمعلمات، ص 133.

أضف تعليقك (0 )



















يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لضمان حصولك على أفضل تجربة ممكنة. تعرف على المزيد