post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

هذا المقال ترجمة للفصل &laquo; Questions de M&eacute;thode &raquo; من كتاب&laquo; La R&eacute;volution &agrave; l&rsquo;heure de l&rsquo;Islam &raquo; للإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله.
<h2>ترجمة الأستاذ حسن مودن</h2>
جدوى المنهاج الإسلامي لا تحتاج إلى دليل لأنه يرتكز على تجربة تاريخية روحية واسعة الانتشار الآن، ولأنه يستند أيضا إلى معجزة نجاح في الماضي قابلة للتكرار. لكن لإعادة تحقيق هذه المعجزة ينبغي تقديم هذا الفقه الإسلامي من منطلق استراتيجية الواجب الشرعي بوصفه مشروعا رصينا يستطيع اقتحام عقبة هذا العالم الموار بعناصر قوة قادرة على الفعل والتأثير في العمق، وذلك في أحلك الظروف وأشدها على الدعوة، لا بوصفه مجرد آلية للاعتراض السطحي على الأحداث. 
 ينبغي لعقلية الواجب أن تحل محل الذهنية المطلبية، كما ينبغي للمرونة الواعية العارفة بجوانب الفساد في الواقع لتصرعها على أفضل وجه أن تقوم مقام الانتهازية والتصلب المطلبي. ترتكز الجدلية الصراعية على تقطيع للواقع مبني على العنف والاختزال، إذ تدعو إلى الصراع الطبقي وتنتهي المعارضات لديها بحمامات دم ومعسكرات الاعتقال، وهي بذلك ليست سوى إيديولوجية مطلبية متصلبة. بينما هناك منهجية للعمل صلبة في الحق، بل إنها لا تقبل بأنصاف الحلول، وذلك دون أن تهرق قطرة دم، ودون المساس بالإنسان أو الحط من كرامته. هذا المنهاج المرن والبالغ الفاعلية هو الذي استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم لتكوين ثلة صغيرة من الرجال بتؤدة بمكة ليقودهم من ثمة إلى انطلاقة الإسلام الأولى التي لم تتوقف قط، والتي مازالت مستمرة بأشكال جديدة. سيصبح الإسلام بشكل متزايد محور الأحداث والاهتمام، ذلك أنه الآن دين ينتشر بسرعة في إفريقيا، وغدا سيصبح في كل ربوع العالم الملاذ الوحيد لمشاكل الإنسانية العويصة والمستعصية. لذا ينبغي إعادة النظر والتفكير في المنهاج النبوي لزماننا المختلف من حيث تنظيم الاجتماع البشري ووسائله، والمتشابه من حيث استمرار البناء النفسي والطبيعة البشرية. ينبغي إعادة اكتشاف سر الانطلاقة والحيوية الإسلامية الأولى بقصد إحداث انطلاقة جديدة للعالم الإسلامي الذي ما زال يسير وإن كان مريضا. عفوا، ما هذا الذي أقوله !؟ إن هذه الوثبة والانطلاقة موجودة، وهي تعمي الأبصار وتصم الآذان لمن يرفض أن يضع غشاوة على بصره تحجبه عن رؤية الانبعاث الإسلامي. هذه الانطلاقة موجودة الآن وستزداد قوة شيئا فشيئا، إلا أن هذه الحماسة لا يمكن أن تمثل لوحدها العناصر الضرورية للبناء المنهاجي. لذلك من الضروري أن نمسك هذه الطاقة الشعبية ونرعاها لتتحول إلى يقظة قلبية عميقة، وإلى إدراك لحقائق هذا العالم المتقلبة والخارقة. 
 إن الذهنية المطلبية تقترح برنامجا ليحل محل آخر، وفي أحسن الأحوال تقترح إيديولوجية لتزيح أخرى. لكن التغيير بالاستناد إلى صياغة البرامج هو بمثابة التعرض لخطر التعثرات التجريبية والكليلة إذا كانت الإجراءات المراد فرضها على الواقع شديدة الالتصاق بما هو يومي وتفتقد للرؤيةالبعيدة. فالإيديولوجية المبنية على النقد بعيدا عن أية مبادئ ومعالم موجهة يمكن لها أن تخطط للرعب لكن لا تستطيع أبدا أن تغير الإنسان إلى ما هو أفضل. 
 في المقابل على الذهنية المبنية على الواجب والمسؤولية أن تجري في البدء فحصا دقيقا للواقع وفق مقتضيات المنهاج، كما عليها أن تدل على السبيل الممكن سلوكه وفق مقتضيات هذه النظرية المقدسة الموعودة بالنجاح عبر خوض جهاد بلا هوادة. من ثم توكل مهمة إنجاز البرنامج إلى رجال ونساء يتغيى المنهاج تكوينهم و تنويرهم. 
 ليسالمنهاجإذاًبرنامجاً من شأنه أن يواجه برامج أخرى، ولكنه رحم خصيب ينطلق منها المبرمجون ويتأسسعليهاالمشروعالعامللقومة. وليس المنهاج أيضا إيديولوجية من شأنها مقارعة إيديولوجيات أخر، وذلك لسبب جوهري أن المنهاج يعتمد على المعايير الثلاثة للحقيقة وهي معيار الفعالية والعقلانية ومعيار الأخلاق ومعيار الغاية الوجودية. في المقابل نجد أن الإيديولوجيات هي بمثابة أسلحة للصراع الاجتماعي والاقتصادي. 
 لجمع شتات هذا الفصل الذي طال ولاختصار مضامينه، نقول إن المنهاج إذا أراد أن يقطع مع واقع الفتنة ومع الجاهلية التي تغذيه وترعاه، وإذا أراد أن يؤسس تدريجيا لنظام إسلامي عبر قومة، فينبغي له أن يطرح القضايا الجوهرية والإجرائية من أجل رعاية وتدبير مجموع المعطيات التالية: 
 1-القضية التي ينبغي نصرتها. 
 2-الفاعلون الاجتماعيون الذين يدافعون عن هذه القضية. 
 3-موازين القوى في العالم وفي المجتمعات المراد إجراء ثورة (قومة) بها. 
 4-الموارد المعنوية والمادية المتوفرة أو الممكن توفرها لدى هؤلاء الفاعلين من أجل التغيير. 
 5-وأخيرا مفهوم هؤلاء الفاعلين أنفسهم لاستراتيجية المسؤولية، بمعنى تصورهم للمثل العليا والموارد والقدرات المؤمل توظيفها لإنجاز مشروعهم. 
 فالقضية قضية الإنسان. خدمة هذه القضية وتحقيق النصر لها يكون بالقدر الذي ينفلت هؤلاء الفاعلون المجاهدون من قبضة الأضواء المبهرة للتفكير الجاهلي الذي يجهل الإنسان، ومن تضليل نموذج التصرف الجاهلي الذي يعنف الإنسان. يأمر الله باحترام الإنسان وحفظ كرامته مهما كانت قناعاته وعقيدته. تشكل حقوق الإنسان كما تعرفها الإنسية الجاهلية إطارا قانونيا مقبولا من الناحية الإنسانية.غير أن هذا التصور الجاهلي المؤسس فقط على المواثيق التي سطرتها يد الإنسان لا يقدم إلا مضمونا سلبيا للحرية والمساواة والعدالة. لكن نجد الإسلام يصور الإنسان كائنا بشريا مكرما من حيث المنشأ، وقابلا لأن يستحق شرفا ما بعده شرف ألا وهو خلافة الله في الأرض وذلك بجهاد النفس وتربية الروح. يعرض القرآن الكريم، الذي ينبغي للمنهاج أن يكشف مضامينه الكبرى ومقاصده العليا، نظاماللواجبات والحقوق، وطريقا للهداية، وسبيلا للرشد حتى يتمكن الإنسان في رحلته الدنيوية القصيرة من الإعداد للحياة السرمدية الكاملة بعد الممات. 
 الإسلام نظام حياة ينص على المساواة والأخوة عبر الدعوة إلى إقامة العدل بين الناس والإحسان إليهم. تمثل فاعلية السلطة الشرعية وعملية تحرير القوى الاجتماعية، عن طريق إعادة النظر العميق في هياكلها وبنيتها، الشرطينالضروريين لانعتاق الإنسان في كنف الإيمان والعمل الصالح. لا تقتصر مهمة جند الله فقط على تشييد الدولة الفعالة وإعادة تنظيم المجتمع. إذ غاية الجند هي تهييء ظروف الحياة الكريمة حتى يتمكن الإنسان من البحث عن الاكتمال الخلقي وعن العلة الحقيقية لوجوده وخلقه، وحتى يبحث عن ربه ويسعى إلى حسن لقائه، وحتى تصل الرسالة الإلهية إلى العالم بأسره، وإلى كل رجل وإلى كل امرأة على وجه البسيطة. التبشير والسعادة هما روح الدعوة الإسلامية. يعتبر الإنسان الذي نسي ربه كائنا فارغا من الداخل وشقيا. إنها مأساة الجاهلية الآن والجاهليات التي مضت مع الفارق أن حضارتنا شديدة التصنيع هي أكثر فتكا بالإنسان وأكثر امتلاءا وعجبا بنفسها الجاهلة. يقلق الإسلام مثقفي الغرب، إذ لا يذكرهم سوى بالعرب الفاسدين أصحاب الملايير، وبالتعصب، وبالعقلية الجبرية، وبتعدد الزوجات. يعتبر الإسلام نموذجا أسمى بقدر ما يعتبر حدثا تاريخيا. إذا كان الحدث قابلا للنقد فإن النموذج خالد. انتقادات الغرب للإسلام منذ الحروب الصليبية، والتي ازدادت حدة منذ الحقبة الاستعمارية، هي بمثابة إيديولوجيات محرفة للحقيقة وموغلة في الظلم. لا شك أن انحراف نظام الحكم الإسلامي من خلافة راشدة إلى ملك عاض ثم جبري كان له آثار مدمرة على مجتمعاتنا. لذلك لا بد من تصحيح المفاهيم إن أردنا أن نكون مستبصرين. بيد أن الذين يستمرون في تدليس الحقيقة قصد تضليل الرأي العام ليسوا سوى وسائط حديثة لهذه الفرية القرونية الكبرى والتي تظهر الرسول صلى الله عليه وسلم وكأنه رئيس عصابة، والتي تظهر المسلمين المجاهدين وكأنهم ضباع ولعة بسفك الدماء. إن صورة الإنسان في القرآن الكريم جسدتها أجيال من المومنين الذين تعرضوا بشكل أو بآخر للتضييق بسبب ملابسات واقع الفتنة. إن العربي الغني الفاسد الذي يرتاد ملاهي القمار وأوكار الدعارة الأوروبية والعالمية هو طفيلي يمتص خيرات الأمة. والمرأة عانت كثيرا، وما زالت تعاني في بلداننا التي تسير القهقرى. بيد أن الإسلام ليس مسؤولا بالمطلق عما لحق بحالها من فواجع. فالتعددية في حدود ما تسمح به الشريعة هي السد المنيع ضد الزنى، وهي الضمان للحفاظ على شرف المرأة وكرامتها. سنكون أول من ينتقد المشاعر والأفكار المنحرفة، والأحداث والممارسات السيئة لتاريخنا. غير أنه علينا أن نفصل تماما بين واقع الفتنة الذي مازلنا نعيشه، والذي ينبغي تغييره، وبين نموذج الإنسان في القرآن الكريم والذي جسده صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قضايا المنهاج (2/2)

الحج تربية

نصيحة إلى الشباب

الهجرة والنصرة

الهجرة

العلوم الشرعية في تراث الإمام عبد السلام ياسين اهتمام وإسهام

من مقالات الإمام

قضايا المنهاج (2/2)

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

تدبر سورة الحجرات 1 | الإمام عبد السّلام ياسين

ترجمتان جديدتان لكتاب “Islamiser la modernité”

كتاب İslam ve modernizm

كتاب ИСЛАМ И СОВРЕМЕННОСТЬ

Twofold Citizenship

حب الدنيا

مقالات ذات صلة