post

مدرسة الإمام المجدد عبد السلام ياسين

<h1 class="wp-block-heading">كيف يكون لي قلب سليم؟</h1>



يسير المؤمن في سلوكه إلى الله على قدمي الخوف والرجاء كجناحي الطائر، فيلازم الخوف تقريعا للنفس عن غيّها خشية أن تكبه في هاويات الهوى أو تميل به في مزالق الخراب، ويلوذ بالرجاء تمسكنا بين يدي الحنان المنان، طلبا لرحمة الله وغفرانه عما اجترحت عيناه ويداه ونزغه الشيطان والنفس في قلبه. ويسأل الله أن يرزقه القلب السليم، كما وهبه الله الأنبياء والصالحين والمخلصين من عباده في كل زمان ومكان.



و&#8221;القلب السليم كما تبيّنه السنة المطهرة هو قلب المؤمن الذي يحسن الظن بربه، يرجو رحمته ويخاف عذابه، يحبه ويحب رسوله، لا يتجسس على المسلمين، ولا يحسد، ولا يغتاب، ولا ينم. همه الله عز وجل، وجهده منصرف لبناء جماعة الجهاد ودعمها. وبسلامة القلب وصلاحه يتفاضل المؤمنون. ]&#8230;[الدعوة بحاجة لقلوب عالية الهمة، كما هي بحاجة لعقول راجحة النظر، وشخصيات قارة لا تنفعل انفعالا، بل تستفتي الشرع وتتدبر، حتى إذا عزمت مضت لا يثنيها شيء. فهذا معنى سلامة القلب&#8221;.[1]



القلب السليم معيار يتفاضل فيه المؤمنون والمؤمنات، فلا يغتاب المؤمن أخاه ولا يذكره بما يكره أبدا، بل ينصح ويقصد في المشورة ولا يحمل في قلبه غِلا أو ظلما لأحد من عباد الله وإمائه.



وإلى هذا المعنى يشير الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ. قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ وَلا حَسَدَ».[2]



ونقرأ في كتاب ربنا عز وجل أصنافا للقلوب، بثها الله سبحانه تذكرة للناس لمن شاء منهم أن يتدبر ويعتبر.  يقول الله تبارك وتعالى حكاية عن نَبِيِّهِ إبراهيم عليه السلام : ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. [الشعراء:87]. وقال سبحانه: وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾. [الحج:52].



لم يأتِ سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه بعلم أو عمل وعبادة، وإنما جاء ربه بقلب سليم، والمجيء منه عليه السلام سير قلبي وسلوك قاصد إلى حضرة ذي الجلال سبحانه، ومثاله ما جاء على لسان سيدنا موسى عليه السلام حين هاجر إلى ربه: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ﴾. [طه:84]. وفي الآية الأخرى وصف للقلب المريض ثم قلب فيه قساوة، &#8220;وبالطبع لا يسير إلى الله سبحانه وتعالى إلا القلب السليم، بدليل هذه الآية : ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. أما القلب الذي فيه مرض والقلب الذي فيه قساوة فهو قلب لا يعرف الله عز وجل ولا يمكن أن يعرف الله عز وجل&#8221;.[3]



<h1 class="wp-block-heading">&nbsp;فما علاج قسوة القلب؟</h1>



نجد الدواء في صيدلية النبوة علاجا مطببا لأسقام القلوب وأدوائها، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : «أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رَجُلٌ يشكو قَسوةَ قَلْبِهِ، قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ يَلِينَ قَلْبُكَ؟ وَتُدْرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرْحَمِ الْيَتِيمَ، وَامْسَحْ رَأْسَهُ، وَأَطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِكَ يَلِينُ قَلْبُكَ، وَتُدْرِكُ حَاجَتَكَ».[4]



وفي مجالس الصالحين أطباء القلوب تجد أدوية لأمراض القلوب وقساوتها، عالجوها رضي الله عنهم بما فتح الله الله عليهم من بركات الفهم عنه والاقتباس بأنوار مشكاة النبوة، فعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الأَزَدِي يَقُولُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ الخَوَّاصَ يَقُولُ: «دَوَاءُ القَلْبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ».[5]



ولا تتعارض سلامة القلب مع ما ندب إليه الشرع من حزم ويقظة، وتجنب للدروشة والسذاجة المذمومة، فينبغي أن نضع سلامة القلب في مقصدها التربوي وغايتها السلوكية المطهرة لوَحر الصدر وغوائل النفس. فـ &#8220;توشك سلامة طويّة المؤمنين أن ترمي بهم في دروشة حالمة، ينسبون إلى غيرهم مثل ما تنطوي عليه ضمائرهم. يرحم الله الإمام عُمر بن الخطاب القائل: «لست بالخَبِّ ولا الخَب يخدعني». الخَبّ: الخداع الماكر المنافق&#8221;.[6] وصية من الفاروق رضي الله عنه وهو الخبير بالناس ومعادنهم.



اللهم ارزقنا سلامة قلوبنا لتصلح لك.



<hr class="wp-block-separator has-alpha-channel-opacity"/>



[1] . عبد السلام ياسين، المنهاج النبوي، الشركة العربية للنشر والتوزيع – القاهرة، ط1، 1981، ص: 191 [2] . عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 344، الحديث رقم: 1112. أخرجه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الورع والتقوى، رقم: 4216. [3] . عبد السلام ياسين، سلامة القلوب، سلسلة دروس المنهاج النبوي، ط1، 1998، ص: 25. [4] . عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 345، الحديث رقم: 1115. أخرجه الطبرانى كما في الترغيب والترهيب، 3/237، رقم: 3844، ومجمع الزوائد، 8/160، رقم: 13509. [5] . عبد السلام ياسين، كتاب شعب الإيمان، ج1، ص: 346، الحديث رقم: 1117. أخرجه أبو نعيم في الحلية، 10/327. [6] . عبد السلام ياسين، الشورى والديمقراطية، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1996، ص: 149.

التزكية والدعوة

كيف يكون لي قلب سليم؟

أضف تعليقك (0 )

النشرة الإخبارية

مقالات الكاتب

أهلا رمضان

في شروط تحرير فلسطين عند الإمام عبد السلام ياسين

من دروس غزوة الخندق

رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان

أبواب الخير في رمضان 2/2

أبواب الخير في رمضان 2/1

مقالات ذات صلة